استشراف المستقبل

زيد محمد عبدالله

أصبحت فكرة استشراف المستقبل اليوم على مستوى العالم مبدأ من مبادئ القيادة على العموم، ومبدأً من مبادئ القيادة التربوية على وجه الخصوص، ولتحقيق القيادة التربوية المستقبلية لا بد ان يكون لديها الفكر الاستشرافي للمستقبل. ويعرف استشراف المستقبل بأنه توجيه النظر إلى زمن قادم ببصر وبصيرة لغرض رسم صورة للمستقبل انطلاقا من الواقع الحاضر، واستيعابا لعبر الماضي. وهو أيضاً: اجتهاد إنساني لاستطلاع أحداث الزمن الآتي في المستقبل مستهدفا تحديد وقوعها، حيث يتناول أحداثا لم تقع بعد ويشير إلى فترات زمنية لم تأت بعد، وهو موجود في الذهن الواعي والخيال الابتكاري وإبداعاته والخطط التي يرسمها لاستباق الزمن القادم وتوقع المشكلات قبل حدوثها، ويعد من الأفعال التي قد تتأخر نتائجه لكنه يسهم في التطور الايجابي والتغير نحو الأفضل والأحسن(اللدير، 2017، ص16). وذهب (العبودي، ص242) إلى أنه جمع المعلومات والبيانات لاستكشاف المستقبل باستخدام أساليب تستنتج أدلتها من الآراء الشخصية التي تقرأ مجرى الأحداث المستقبلية، وتعمل على ووضع رؤى للمستقبل قد تكون متوسطة الأجل وقد تكون طويلة الأجل الهدف منها اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ (اعمال وافعال) في الحاضر من خلال سيناريوهات مختلفة لعرض بناء المستقبل، ويكون عن طريق الأساليب الآتية:

أساليب نوعية: وتنتج عن الخبرات المتراكمة والخرائط العقلية التي يمتلكها الفرد والمتوافرة لديه عن طريق: (الخبرة، والذكاء، والتفكير، والرؤيا، والخيال، والسيناريوات، والعصف الذهني، والحدس).

أساليب كمية: وهي عبارة عن المعطيات الناتجة عن طريق استخدام الأساليب الإحصائية مثل: (المسح الاستفتاء، والتحليل التاريخي، والوسط الحسابي، والسلاسل الزمنية، وتحليل المورفولوجي، والظواهر).

وبناءً على ما تقدم فإن قادة العملية التربوية المتميزين والقادرين على التكيف ينبغي عليهم تقبل الظروف المتغيرة، واعتماد مناهج جديدة  ويكون هذا عن طريق رسم صورة مستقبلية للمؤسسة التربوية أو العملية التعليمية وفق المعطيات الحالية ووفق خط سير التقدم الذي تمر به المؤسسات التربوية المماثلة ووفق الظروف المستجدة والتقدم في جميع المجالات في العالم، وبالتالي ينبغي رسم مسار لبيئة عمل غير واضحة المعالم وكما يأتي:

عدم الاعتماد على قواعد جامدة: يتعين في القيادة التربوية المستشرفة للمستقبل إدارة السياق الذي تتفاعل في إطاره الجهات الفاعلة، وعدم الاعتماد على قواعد جامدة؛ إذ يمكن للقواعد الصارمة أن تؤدي إلى نتائج عكسية وسط حالة عدم اليقين، لأنها غالباً ما تجبر المديرين والعاملين في الخطوط الأمامية على التركيز على الامتثال بدلاً من إحراز النتائج، فالقائد القادر على التكيف يضع الأولويات والأهداف ويجعل المديرين والعاملين الميدانيين مسؤولين وخاضعين للمساءلة عن تحقيق تلك النتائج المرجوة.

وقد سلمت بعض أقوى أنظمة الأداء المدرسي المسؤولية عن أداء المدارس الفردية إلى مديري هذه المدارس أو قادتها، ومكنتهم من اتخاذ القرارات بناء على الاحتياجات الخاصة للمدرسة وطلابها.

غرس مجموعة متنوعة من وجهات النظر لصناعة الخيارات المتعددة: قد تؤكد نماذج القيادة التقليدية على ضرورة الامتثال، في حين تقلل أساليب القيادة -القادرة على التكيف- من أهمية التسلسل الهرمي، بل قد تجعل الرأي المخالف إلزامياً.

يأخذ القادة القادرين على التكيف يأخذون بنظر الاعتبار وجهات نظر أفراد فريق العمل الذين يشاركونهم العمل والذين يتحملون المسؤولية عن تقديم الخدمات العامة في الخطوط الأمامية، ومن المرجح غالباً أن يثيروا تساؤلات حاسمة حول الحقائق الخارجية، وذلك لأنهم يدركون ما يحدث عن قرب ويشاهدون المستجدات التي ترافق العمل وتحدث معه.

من الأمثلة على ذلك المدرسون مع الطلبة، فإن المدرس بتعامله مع الطالب وتماسه معه ومراقبته وملاحظته ومتابعة ميوله واهتماماته وطريقة كلامه وتصرفاته وحديثه عن أهله وتوجهاته يكون أعلم بحال الطالب واحتياجاته والأساليب التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار حين التعامل معه، فهو أولى أن تأخذ القيادة التربوية للمدرسة بوجهة نظره وترسم الأفكار والخطط المستقبلية في التعامل مع الطلبة وآليات التحديث في المدرسة لغرض رفع مستوى العملية التعليمية ورفع مستوى الطلبة، وفي بعض الأحيان يلزم على الإدارة أخذ رأيه.

السماح للقيادة بأن تكون مشتركة والخروج من السياق المحدد: لا يمكن لشخص واحد أن يتولى زمام القيادة في جميع الأوقات وفي الظروف كافة في عالم مضطرب، كعالمنا اليوم، وينبغي طلب تولي دور القائد من قبل الشخص الذي هو في الوضع الأمثل للتوجيه أو اتخاذ القرارات، وينبغي النظر لنموذج القيادة المشتركة في القطاع العام أيضاً، ولا سيما بالنسبة للأقسام أو الإدارات التي يتم تعيين قادتها سياسياً، ويشجع هذا النوع من النماذج الاتساق ويسمح بتحقيق التغييرات المطلوبة بالكامل، وهذا مما ينبغي مراعاته في القيادة التربوية وتهيئة الظروف المناسبة لإنجاحها وتهيئتها لنجاحات مستقبلية، فالعملية التربوية ينبغي أن يشترك المؤسسات التربوية ومؤسسات القطاع العام جميعاً من ناحية الدعم وانفتاح المؤسسة التربوية على بقية القطاعات في ممارسات تتعلق بالمواد التعليمية التي يتلقاها الطلبة، فالطالب الذي يدرس المواد النظرية المقررة في المناهج يفضل أن يرى جانباً عملياً منها في بيئته الحقيقية وهذا يقتضي التعاون بين جميع مؤسسات الدولة مع القيادة التربوية، وكذلك اشتراك جميع مفاصل المجتمع في العملية التعليمية لجعلها عملية تكاملية.

اختبر العالم من حولك باستمرار: يتجه نظر القادة التربويين المستقبليين القادرين على التكيف دائماً إلى الخارج ويقومون بإعادة تنظيم مؤسساتهم مع تغير البيئة، فهم يقرأون ما بين السطور، ويفهمون الأنماط التي يمكن أن يخفيها التعقيد ويختبرون الفرضيات الخاصة بهم عن طريق التفكير في سيناريوهات وفق تساؤل هو: (ماذا لو حدث كذا؟)، وهذا يؤدي إلى رسم صور عديدة لمستقبل المؤسسة والعملية التربوية تحتاج إلى تصور إجراءات ومشاريع وأفكار وخطط وسيناريوهات عديدة تعالج كل مفردة في حال حصولها وكل ذلك بناءً على المعطيات الموجودة المشاهدة والمعلومة لدى القيادة التربوية، وتؤدي هذه العملية إلى التمرس على التفكير الصحيح في المستقبل وبالتالي رسم المشاريع المستقبلية بدقة وتطبيقها بنسب نجاح عالية (تشوا وآخرون، 2010، ص41-42).

المراجع

1. تشوا، جيفري، ريفز، مارتن، شانهان، مايكل، توريس، روزليندا. القيادة الملهمة (استشراف المستقبل). مقال مترجم ومنشور بواسطة مجموعة بوسطن الاستشارية (BCG)، مايو 2010.

2. العبودي، محمد بن صالح. القيادة الأكاديمية الاستشرافية. عميد الجودة وتطوير المهارات، جامعة المجمعة.

3. اللدير، عبد الكريم بخیت، (2017). استشراف المستقبل في القرآن الكريم. –رسالة ماجستير-، السودان، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة ام درمان الإسلامية، معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية، قسم الدراسات الاستراتيجية.