الدراما التعليمية توثيق للتاريخ وتبسيط للتعليم في المدارس الأردنية
جلست مندوبة وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، خلال الأيَّام الماضية مع المشاهدين في مسارح عدد من مدارس وزارة التَّربية والتعليم والتعليم الخاص، وتبين أن منهاج الدراما التعليمية يقوم بجهد عظيم في تنمية شخصية الطلاب، إذ يتقمصون شخصيات وطنية وأحداثا مهمة في تاريخ الأردن، ترتفع بقيمهم التي هاجمها إسفاف وتسطيح وسذاجة تُنشر هنا وهناك.
فابنتا السنوات العشر، ملك وليان، تعودان إلى أسرتهما، متسلحتين بسرد حي لأحداث معركة اليرموك الخالدة، بعد أن ارتقى وعيهما وتشبّع بدراما المعركة التي تذكي لديهما قيم الانتماء للأمة، عبر هضم مفاصل الأحداث التي صاغت شخصية الأمة، خصوصا خلال الشهر الفضيل.
ويؤكد متخصصون لـ (بترا) أهمية المسرح في إعداد الطلبة وتوجيههم نحو القيم التربوية وصقلهم روحياً ونفسيًا، وأنَّه نافذة تربوية مثلى يطل الطالب من خلالها على ذاته الداخلية.
ويلفتون إلى أنَّ المسرح المدرسي أحد الأنشطة المهمة التي يجب تفعيلها داخل المدارس لما له من فوائد تربوية كبيرة على الطالب، مؤكدين أنه وسيلة تعليمية تُحفِّز الطَّالب وتوسع قدرته العقلية والحسية والإدراكية، إذا ما قُدم المسرح للطلبة وفق منهج تربوي متخصص وبرامج تعليمية مدروسة ومخطط لها، إذ لم لم يكن عبثا أن يقال “اعطني مسرحا أعطيك أٌمة “.
وتستشهد الخبيرة المتخصصة في الدراما التَّعليمية الدكتورة راية سالم العقيل، بمقولة الحكيم كونفوشيوس “قل لي وسوف أنسى، أرني ولعلي أتذكر، أشركني وسوف أفهم”.
وترى العقيل في المسرح المدرسي، وسيلة فاعلة في إيصال الرسائل التربوية، واستراتيجية تعليم وتعلم للطلبة، إذ يستخدمون فيه حواسهم الخمس ويتفاعلون مع النص والمضمون.
وتعتبر مسرحة المناهج، أسلوبا جذابا لإيصال النتاجات التعليمية للطلبة، اضافة لدوره المؤثر في تعزيز القيم الإنسانية، وصقل شخصيات الطلبة.
وتؤكد أهمية اختيار النص والحبكة والشخصيات بعناية، وفق ميول الطلبة والتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، اضافة إلى عناصر جماليات المسرحية من ديكور وإضاءة وسينوغرافية العرض.
وتركّز على أن هذه العناصر مجتمعة تجعل من العمل المسرحي التربوي عملا مكتمل العناصر يعنى بحواس الطالب فيتلقى النتاجات المرجوة بسلاسة وبتشويق مستمر على طول الحبكة الدرامية.
تقول ” خلال تجربة حصص الدراما التعليمية لـ 13 عاما، وجدنا أن هذه الحصة هي معمل للطالب يحلق في فضائه وفق خيال مضبوط محكم بحدود يفرضها معلم الدراما”.
وتضيف “لتخدم الدراما العملية التعليمية، يجب أن تركز على الجانب المعرفي، والمهاري، والوجداني”،
فمن خلال الجانب المعرفي، يتعرف الطالب على مفاتيح الدراما التعليمية ومفاهيمها الأساسية فيصبح عارفا بأساسيات الصوت والإلقاء والارتجال، وعلى صعيد المهارات، يكتسب مهارة تبادل الأدوار من خلال المحاكاة وتقمص الأدوار الخيالية وأخرى واقعية، تعزز خيال الطالب، وتجعله يتعامل مع تعابير جسده ويتعرف على قدراته فيثق بنفسه أكثر، بحسب العقيل.
أما الجانب الوجداني، فيظهره الطالب من خلال تواصله مع اقرأنه ومن خلال العمل الجماعي، والتعبير عن الرأي بجرأة واحترام الرأي والرأي الآخر، وفق قواعد وشروط توضع من بداية الحصة.
وترى العقيل أن الطالب في هذه الحصة هو المحرك للمفاهيم فهو صانع العقدة الدرامية، وفق تسلسل الأحداث، وتوضيح علاقات الشخصيات ببعضها بعضا.
وتضيف أن جانب التلقي يعمل بموازاة مع جانب المهارة، فالمتلقي هو متذوق درامي متسائلا ومفكّرا بكافة الأحداث أمامه، ويتفاعل معها، فحصة الدراما يجب أن تحتوي على عرض مصور من عمل درامي يركز على شخصيات تاريخية ملهمة للناشئة، ويتناغم مع المناسبات الوطنية والدينية والتاريخية، فعلى سبيل المثال: نحن الآن بأيام مباركة شهر رمضان المبارك، تم التركيز بحصة الدراما على الأعمال التاريخية الدينية، خاصة لدى طلبة الصف الرابع، إذ كان موضوع التذوق الدرامي لهذا الأسبوع معركة اليرموك، والتركيز على بطولة وبسالة القائد خالد بن الوليد، والتركيز على الزمان والمكان وتعزيز القيم الدينية والوطنية وقدسية ارض الأردن ومكانتها الدينية .
ويقول المخرج عيسى الجراح، ان للمسرح أهميته في إعداد الطالب وتوجيهه نحو القيم التربوية في أيام الدراسة والمناسبات المدرسية وخصوصا الشهر الفضيل، في إعداده إعدادا روحانيا ودينيا وتهذب سلوكه وتجعله إنسانا يلتزم بالسلوك القويم، ويشعر مع أقرانه الطلبة ويغير منهم ويساعدون بعضهم بعضا ويتراحمون في تمثيل المسرحيات التي تدل على السهر الكريم وفضله وخيره والأجر الكبير، وفي تمثيل سلوكات واقعيه للصدقة، وتقديم المساعدة وتبادل الطعام والإكثار من الصلاة وقراءة القرآن والكثير من القيم المنسجمة في أداء تمثيلي صادق وحقيقي يقومون به الطلبة .
ويشير إلى أن بين المسرح والتربية حبل سري قوي يولد من رحمه أعمالا فنية قوية تؤدي رسالتها الثقافية والتربوية لهذا الجيل الصاعد.
ويؤكد، أن الدراسات والأبحاث أثبتت أن الطالب الذي يشارك في الأنشطة المسرحية المدرسية، هو الأعلى الأكثر تحصيلا بين اقرأنه، ذلك لأنه يتمتع بصحة نفسية تشحذ له طاقته الدراسية بشكل متجدد ما يدفعه للجلوس ساعات أطول للدراسة.
ويرى أن المسرح المدرسي هو من أهم أسباب عدم تغيب الطالب ما يجعله الأكثر مثابرة وتحصيلا فشعوره أن لديه عملا مسرحيا عليه أن يلم بتفاصيله يدفعه إلى الاطلاع الدائم أي القراءة والبحث عن حيثيات جديدة في بحور الأدب والأداء التمثيلي، ليلم بتفاصيل الشخصية الموكلة إليه.
ويقول الجراح أنَّ المسرح المدرسي يمنح الطالب الثقة ويجعل منه قادرا على الانتقاء وتحمل مسؤولية القرار وتفتح أمامه الطريق لاكتشاف ذاته وميوله ليصل إلى مرحلة يكون فيها قادرا أن يقول نعم أو لا.
ويضيف: نرى كتربويين الطالب حين يخطو خطوته الأولى في طريق المسرح، تراه رويدا رويدا لا يرضا إلا بالإبداع والتميز، لأنه اكتشف نفسه ووجدها ولا يريد أن يخسرها هذا التحدي الذي يدخله إلى دائرة النجاح.
ويضيف ” ثم تبدأ العدوى الإيجابية تنتقل من طالب إلى آخر، ليصبح لدينا ظاهرة ابداعية صحية داخل مدارسنا”، مشيرا إلى أن طلاب المسرح المدرسي مجموعات جميلة لديها فكر مختلف ورسالة يتحملون مسؤوليتها، لذلك روح العمل التطوعي لديهم عالية فتراهم اضافة إلى المسرح ينفذون أعمالا تطوعية من تلقاء أنفسهم.
ويلفت إلى أن للمسرح المدرسي دورا مهما في تشكيل شخصية جديدة للطالب ويشجعه على النظر إلى الأمور بطريقة مختلفة، فيصبح لديه قدرة عالية على وضع أهدافه وتحديد اختياراته، ذلك أنه عاش في اكثر من دور وشخصية فبات لديه تصور واضح عن نفسه وأين يجدها، حاضرا ومستقبلا، لذا هو طالب ناجح بكل المقاييس.
ويقول الجراح إن هناك كثيرا من المواقف الصفية والمدرسية أثبت المسرح أنه الأكثر كفاءة في حلها، فجاء ليوجد مساحة ليتخلص الطالب من الخجل والانطواء، إذ يخرج أمام الجمهور ويخفي مشكلته بين طيات دوره في المسرحية ورويدا رويدا ينساها وهو بذلك انخرط اجتماعيا وتفاعل وخرج من عزلته وانطوائه.
أما مشكلة الخلط بين الواقع والخيال، فيقول الجراح إن بعض الطلبة يمارسون سلوكات خيالية لعدم الاستخدام المقنن لمواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت فيأتي المسرح المدرسي ليوضح لهم الفرق بين الواقع والخيال والمناسب وغير المناسب.
ويؤكد أنَّ هناك حاليا توجها لمسرحة المنهاج وصناعته بطريقة حديثة تحوله إلى قالب لين قريب إلى عقول الطلاب فيه متعة وسعادة وإثارة وتغيير.
ويبين أن طلبة المعلم الذي يستخدم المسرح المدرسي، أكثر تحصيلا من المعلم التقليدي، مشيرا إلى أن الدخول إلى عالم المسرح المدرسي لا يحتاج إلى إمكانات عالية التكلفة إذا ما توفر الدافع والإرادة.
مدير إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية الدكتور أجمل الطويقات، يؤكد أن استخدام الدراما في التعليم لم يعد عنواناً مبهما أو فكرة غريبة، إذ يُعمل به على مستوى العالم المتقدم اقتصاديًا وعلميًا من خمسينيات القرن الماضي.
ويقول منذ عقود استرشد موجهون تربويون واختصاصيون في مختلف حقول الفنون إلى حل يَحول الحصة المدرسية إلى أفق رحب من ثنائية الفائدة والمتعة في آن معًا أصبح يعرف اصطلاحًا “بالدراما في التعليم”، أو (الدراما في التربية و التعليم) تماشيًا مع سياسة بلدنا التي تربط التعليم بالتربية، مانحة أسبقية للتربية على التعليم.
ويبين انه بالدراما نستطيع زرع القيم وبناءها في عقول أطفالنا من خلال معالجة مواضيع مهمة عن طريق توظيف مواقف درامية يتعلم الطالب من خلالها نبذ العنف والتطرف والاحترام وأن الدين الإسلامي دين التسامح والقيم الأخلاقية والعادات الصحيحة مثل النظافة في الصف والبيت والشارع.
ويلفت إلى انه حين قررت وزارة التربية الإفادة من الدراما، شرعت من فورها بإعداد الخطط و بناء الشراكات وتبني الاستراتيجيات لتعميم الدراما على مدارسها.
ويوضح أن تعميم الدراما على المدارس ليس المقصود منه صناعة نجوم جدد فهذا ليس من مهمات وزارة التربية، ولكن أن تصبح الدراما جزءًا لا يتجزأ من منهجيات تطوير التعليم المدرسي في الأردن ومدماكًا أساسيا من مداميك صقل الطلبة وتعزيز معارفهم وتصعيد ثقتهم بأنفسهم وبناء شخصياتهم.
ويؤكد أنَّ الوزارة قطعت شوطًا مهما في صعيد توظيف الدراما في التعليم وصولًا إلى مخرجات تربوية لائقة ناضجة ناصعة المعاني، وركزت جهودها على مسرحة المناهج بشكل خاص، محققة خلال عام مضى نتائج مشهودة.
ويرى أنَّ شراكات الوزارة مع الهيئة العربية للمسرح، والمركز الوطني للفنون الأدائية، والهيئة الملكية للأفلام يؤكد جديتها في توظيف الدراما في التعليم.
ويشير إلى أنَّ من مخرجات تعاون الوزارة مع الهيئة العربية للمسرح تشكيل فريق محوري مسرحي لتدريب متخصصين على استخدام الدراما في التعليم، متطلعا إلى مستقبل تتحول فيه الدراما مادة صفية معتمدة في المنهاج و الخطط التدريسية، لها امتحاناتها الخاصة و علاماتها كما هو حالها في المدارس الخاصة مجرد نشاط غير إلزامي.
ويؤكد أن التطلع المستقبلي هو تزويد الدول المجاورة الشقيقة بخبرات وكفاءات في مجال الدراما وصولًا إلى أن يصبح معلم الدراما رافدًا مهمًا من روافد الاقتصاد الوطني، وأن يتجلى بوصفه سفيرًا لبلده.
من جهتها، تؤكد أستاذة التفسير وعلوم القرآن في الجامعة الأردنية الدكتورة يسرى أحمد اليبرودي، أن الدراما أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية المعاصرة، خاصة في تربية الأطفال التي يواجه فيها الأهل صعوبة بالغة في شتى مجالات التربية من تعليم وزرع قيم من أخلاق، في ظل التطور التكنولوجي الهائل.
وتضيف تأتي هذه المسرحيات لتعرض ما يريد الأهل أن يغرسه في نفوسهم فيأخذها الأطفال بكل يسر وسهولة، لأنها أسهل في الإقناع وأيسر في تجسيد القدوة الحسنة، فتحاكي عواطفهم وأحاسيسهم ومشاعرهم بطريقة غير معقدة.
وتتابع فعندما يعرض للأطفال في هذا الشهر الكريم مسرحيات عن رمضان، نجدهم أكثر تأثيرا وأكثر تقبلا وأشد حرصا على تقليد ما شاهدوه، فتشجعهم على الصيام وإطعام الفقراء.
وأوضحت أن الدراما تخلق الأجواء الإيمانية والتفكير في ملكوت الكون، وتثبت عقائد الإيمان في نفوس الأطفال، وتعلمهم أحكام التجويد وغيرها من الأمور العلمية.
وتشير إلى القرآن الكريم عرض قصصه بتصوير فني بارع، وأخرجها لنا في أجمل سياق، فيكون أكثر تأثيرا في النفس البشرية، كقصة سيدنا يوسف، التي عُرضت بالتفصيل فوق التصور الإنساني والإمكانيات الأدبية، فيقول الأدباء عن قصة سيدنا يوسف أنها قمة ما دفع أهل الفن إلى عرض تلك القصص على الأطفال والكبار لتكون أشد تأثيرا، وأخذ العبرة المرادة منها.
وشددت على أنه عند عرض هذه الدراما أو المسلسلات أو المسرحيات الفنية، لا بد من الرجوع إلى مصادرها و أن توثق من مدى صحتها وموافقتها للقرآن الكريم والسنة النبوية. المصدر: وكالة الأنباء الأردنية – بشرى نيروخ-(بترا)