المدارس الدامجة “بيئات ممكنة” تحقق حلم الأكفّاء في “التوجيهي”

لأن التعليم حق أساسي من حقوقهم كغيرهم من أفراد المجتمع، ولأن الأردن لم يغفل منذ بواكير تأسيس المملكة أهمية إدماج وتأهيل ذوي الإعاقة، أظهرت نتائج امتحان الثانوية العامة (التوجيهي) لهذا العام حصيلة الاهتمام الرسمي بهذه الفئة.

فقد أظهرت نتائج الثَّانوية العامة (التوجيهي) للعام 2023 تفوقًا لافتًا لعدد من الطَّلبة ذوي الإعاقة، ليحصد الأردن نتاج اهتمامه فعليًا وعلى أرض الواقع بتوفير الفرص بالتَّساوي للجميع، حيث نصَّت تشريعاته على حظر استبعاد الشخص ذوي الإعاقة من أي مؤسسة تعليمية على أساس إعاقته أو بسببها، وعدم حرمانه من حقه في القبول بالمدارس ودمجه فيها.

وضمَّن الأردن عبر وزارة التَّربية والتعليم السياسات والاستراتيجيات والخطط والبرامج التعليمية متطلبات التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة وبما يحقق تمتعهم الكامل بحقهم في التعليم والوصول لجميع البرامج والخدمات والمرافق والمؤسسات التعليمية.

وكالة الأنباء الأردنية (بترا) تتبعت منذ إعلان نتائج الثَّانوية العامة الأخيرة نتائج الطَّلبة ذوي الإعاقة، وزارت عددا من المدارس التي تخرجوا منها، وتبين أنَّ وزارة التربية والتعليم أدرجت في الخطة الاستراتيجية للتعليم عام 2018 والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016 – 2025 أهدافًا تتعلق برفع نسبة التحاق الطلبة ذوي الإعاقة، والنهوض بالتعليم ليشمل جميع الطلبة دون تمييز وإتاحة تعليمٍ نوعيٍ وفعّالٍ يواكب التطور العالمي.

وتشير أرقام وزارة التربية والتعليم إلى أنَّها خطت خطوات مميزة بمحور التعليم الدامج العام الماضي، حيث بلغ عدد المدارس الدامجة الريادية 30 مدرسة، في حين بلغ عدد المدارس التي تستقبل طلبة ذوى إعاقة 1002 مدرسة تم تزويدها بـ 237 معلما مساندا ومدربا ومؤهلا، كما تم تصميم حقيبة تدريبية للتعليم الدامج بواقع (200) ساعة تدريبية.

وتشير الأرقام الصَّادرة عن المجلس الأعلى للأشخاص ذوي الإعاقة الى أنَّ عدد الطلبة ذوي الإعاقة المتقدمين لامتحان الثانوية العامة للعام 2023 بلغ 630 طالبا وطالبة، حصل منهم 21 طالبا وطالبة على معدلات تتراوح بين 90 – 99 بالمئة.

فقد حصدت الطالبة يقين زوكاري من قصبة إربد على المرتبة الأولى في الفرع الأدبي عن الطلبة ذوي الإعاقة بمعدل 99 بالمئة بينما حصل الطالب عبدالرحمن سوالمة على المرتبة الأولى للفرع العلمي عن الطلبة ذوي الإعاقة بمعدل 97.25 بالمئة.

  صباح زريقات مديرة المدرسة الأسقفية العربية لدمج الإعاقة البصرية والتي انشئت عام 2003، قالت لـ (بترا)، إن رسالة المدرسة ونهجها قائم على دمج الطلبة من ذوي الإعاقة البصرية وإعطائهم حقهم كي يكونوا منتجين وفاعلين في المجتمع ترجمة والتزاما بالمبدأ الدستوري بأن التعليم حق للجميع، مشيرة الى أن 38 طالبا كفيفا يدرسون ضمن صفوف المدرسة من عمر 3 سنوات إلى الصف الثاني الثانوي.

وعرضت زريقات لقصص نجاح ثلة من طلبتها من ذوي الإعاقة البصرية الذين استثمروا ممكنات البيئة المدرسية المتاحة وخرجوا بنتاجات متميزة تستحق المتابعة الإعلامية، مبينة أن المدرسة حصلت على جوائز على المستويين العربي والعالمي، وذلك لقدرة المدرسة على تذليل كل الصعوبات وتوفير الوسائل التعليمية القادرة على تفعيل الحواس، إضافة لتوفير المناهج التعليمية بطريقة بريل، إلى جانب إعداد المعلمين لتمكينهم من التعامل مع هذه الفئة من الطلاب.

وبينت زريقات أن 8 من المعلمين العاملين في المدرسة أكفّاء 4 منهم كانوا طلبة في هذه المدرسة، مؤكدة أن المدرسة تغطي إقليم الشمال وتتميز بدمجها لفئة ذوي الإعاقة.

لينا النمراوي معلمة كفيفة ساندت طلبتها وقدمت لهم من علمها وخبراتها ونصائحها ما أسهم في شد أزرهم وعزيمتهم لاجتياز مرحلة الثانوية العامة بوصفها امتحانا اجتماعيا وتحصيليا ومصيريا.

تحدثت النمراوي عن نشأتها وكيف ساهمت بيئة المدرسة الدامجة التي تعلمت بها في تحقيق ذاتها وجعلها امرأة مستقلة ماديا، بعد أن تخرجت من جامعة اليرموك بتقدير جيد جدا لتعود معلمة في المدرسة التي درست فيها.

وقالت: “عندما بلغت السادسة من عمري سجلت في الروضة لتعلم لغة برايل التي كنت أجهلها ولا أعلم بوجودها أصلا، إذ كان كل شي غريبا ولم يكن لدي أي تصور عن “كيف ستكون الحياة”، ثم تدرجت في التعلم شيئا فشيئا، وكان وجود طلبة من ذوي الإعاقة البصرية في المدرسة يسعون للتعلم بمثابة دعم آخر وتشجيع لي.

وأشارت النمراوي الى “كيف مكنتها المدرسة من التنقل باستقلالية دون مساعدة الغير وكيف تعتمد على ذاتها” فكان ذلك سببا في تنمية شعورها بأنها فرد منتج وفاعل ومكتف بذاته متجاوزة بإنجازاتها ألسنة كانت تقول لها “إنت كفيفة شو بدك بالمصاري؟”.

والدة الطالب ثائر البشابشة عبرت عن فرحها الغامر بتحصيل إبنها لمعدل 88 بالمئة في نتائج الثانوية العامة، معربة عن شكرها الموصول للطاقم التعليمي بالمدرسة الأسقفية ممثلا بمديرتها.

وأشارت والدة ثائر الى حرصها على دمج ابنها منذ صغره في بيئة تعليمية دامجة في عمان رغم أن الأسرة تقيم في محافظة الرمثا، موضحة أن المدرسة الداخلية آنذاك كانت سبيلا لدمجه في محيطه وبين أقرانه قبل تسجيله بالمدرسة الأسقفية بإربد التي تتميز بطبيعتها الدامجة ودورها في مسيرة ابنها فيما بعد.

أما ثائر نفسه فقد أشار الى أنه وضع لنفسه برنامجا دراسيا صارما أعانه على تحقيق مبتغاه والتغلب على مسألة وصوله للمنزل بعد الثالثة مساء نظرا لبعد المدرسة عن منزله، موجها رسالة لطلبة التوجيهي مفادها أن الثقة بالنفس تفصح عن القدرات الكامنة في دواخل كل إنسان.

الطالبة الكفيفة غفران أبو عفار أوضحت إنها حصلت على معدل زاد على 79 بالمئة بعد كثير من الجهد والتعب للتغلب على صعوبات جمة اعترضت مسيرة تعليمها منها تعلمها للغة برايل الخاصة بالمكفوفين في الصف الأول الثانوي، مشيرة الى أن

مدرسة الأسقفية سهلت عليها دراسة هذه اللغة وهو ما شكل لها نقلة نوعية مكنتها من تحصيل علمي أفضل في المرحلة الثانوية.

وأضافت إن مدرستها أدمجتها وجعلتها تنخرط ضمن محيطها الاجتماعي حيث تغيرت شخصيتها من فتاة انطوائية منعزلة تحصيلها العلمي متدن إلى طالبة اجتماعية مجتهدة بعد أن كسرت الحواجز وذللت المعيقات أمامها كواحدة من ذوات الإعاقة البصرية.

وجاء في الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج (2019- 2029) أن الخطوة الأولى في هذا النوع من التعليم هي تهيئة البنية التحتية في المدارس والمرافق التعليمية وفق كودة متطلبات البناء للأشخاص ذوي الإعاقة وبما يتيح للطلبة ذوي الإعاقة الوصول إلى مباني المدارس ومرافقها بدون عوائق مادية، وتوفير الترتيبات التيسيرية والأجهزة والأدوات والمستلزمات التي يحتاجها الطلبة ذوو الإعاقة بوصفها ركيزة أساسية في التعليم الدامج.

وصححت الاستراتيجية عددا من الأخطاء الشائعة في مسألة التعليم الدامج كتلك التي تفترض أن التعليم في مدارس وصفوف منفصلة وعازلة يعد أكثر فاعليةً وتأثيرًا للأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أثبتت الدراسات منذ سبعينيات القرن الماضي أن التعليم الدامج يساهم بشكلٍ فعالٍ وسريعٍ في رفع كفاءة الطلبة ذوي الإعاقة ومهارتهم ويساعدهم على التحصيل الأكاديمي على نحوٍ فعال.

المصدر: وكالة الأنباء الأردنية- -(بترا)

مواضيع ذات صلة