الأمل والحرية والمستقبل العادل مقاربات ملكية لوقف نكبات فلسطين

قدَّم جلالة الملك عبد الله الثَّاني مرافعة حقوقية إنسانية وعادلة عمادها الأمل والحرية والمستقبل العادل، والتي حُرم منها الفلسطينيون لعقود طويلة ما تسبب غيابها بانفجار الأوضاع في قطاع غزَّة وغلافها وذهب ضحيتها الأبرياء من المدنيين.

الحديث الملكي جاء في قمة القاهرة للسَّلام، وحمل وقائع وحقائق تسبَّبت بوقوع جرائم حرب كبيرة تدمي القلب، وتحركت معها الجموع الشَّعبية في مسيرات مندِّدة بكل ما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأنَّ الآوان آن لينال الفلسطينيون حقوقهم بالحرية والأمل والمستقبل مثل بقية سكان الكرة الأرضية.

وبين خبراء قانونيون في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن الخطاب الملكي هو بمثابة مرافعة إنسانية حقوقية بامتياز لصالح الدفاع عن القضية الفلسطينية ووقف الحرب، ذلك أن المشهد القائم سيأتي أشد قتامة إن لم تدرك دولة الاحتلال أن ثقافة الأمل والحرية والمستقبل التي تسعى لتدميرها ستأتي بنتائج بعيدة كل البعد عن مبتغاها، فالأمل والحرية قيم لا تفنى.

وأشاروا إلى أن السكوت عن الوحشية وآلة الدمار ودوامة اليأس والكراهية والموت هو بمثابة اتفاق عالمي على سياسة التجويع لعقود أخرى. 

الخبيرة في مجال حقوق الانسان الدكتورة نهلا المومني، أشارت إلى أن الخطاب الملكي في قمة القاهرة للسلام أكد في مضامينه من خلال مقاربات ثلاث ضاربة في جذور التاريخ والإنسانية والقانون في محاولة لإعادة العالم عن ضالته، هذه المقاربات تمثلت في المقاربة التاريخية القائمة على العهدة العمرية التي جاءت ابتداء لتكريس مفهوم الأمن وهو المصطلح ذاته الذي كرست أجهزة عالمية سعيا للوصول اليه وفشلت أحيانا كثيرة، ولكن فشلها الإنساني الأعظم كان فيما نشهده اليوم في قطاع غزة.

وأضافت أن العهدة كانت أمانا لأهل القدس على ممارسة حرياتهم الدينية وحياتهم اليومية وعلى ارواحهم وأحلامهم على حدّ سواء، فلم تتبع سياسة التجويع وردم الحاضر والمستقبل، مشيرة إلى أن هذه المقاربة وقفت في الخطاب الملكي حقيقة ثابتة لتظهر الفرق الحضاري المتجذر بين الشعوب والأمم، جاءت لتقف بوضوح أمام سياسة قتل المستقبل وردم الآمال والاحلام وسلب الحرية التي انتهجها الكيان المحتل بحق الفلسطينين عامة وأهل قطاع غزة خاصةً منذ عقود.

ولفتت إلى أنَّ المقاربة الثانية قامت على مضامين الإنسانية وقيمها المشتركة، فالالتزام بالأخلاق وقيم الحق والعدالة لا يتطلب مواثيق دولية وتعهدات تطلقها الدول، فالأصل أنه قائم في الضمير الإنساني، موجود فيه لا يحتاج إلا في حالات محددة إذا ما فُقدت البوصلة إلى استنهاض للضمائر، ولكن ما أشار إليه الخطاب بواقع اختلفت قيمه إلى أنه “على ما يبدو أن اهتمام العالم يقل شيئا فشيئا كلما زادت وحشية الأحداث”، وهذه المقاربة لم تأت من فراغ؛ فالسكوت عن الوحشية وآلة الدمار ودوامة اليأس والكراهية والموت هو بمثابة اتفاق عالمي على سياسة التجويع لعقود أخرى مضاعفة.

وبينت أن المقاربة الثالثة، تمثلت في المقاربة الحقوقية، ذلك أن القانون الدولي بشقيه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان كان حاضرا أمام الانتهاكات الدموية المستمرة للكيان الصهيوني في الخطاب الملكي، ولكن تمت الإشارة إلى مفاصل جوهرية تضع هذا القانون على محك فقدان القيمة، وفي مقدمتها الازدواجية في التطبيق والانتقائية في المحاسبة والمساءلة الدولية، مرورًا بوقوف حقوق الإنسان عند الأعراق والأديان، وصولًا إلى هدم المرتكز الأساسي الذي قامت عليه المواثيق الدولية، وهو عالمية حقوق الإنسان.

وأكدت المومني أن هذه المقاربات الثلاث التي جاءت في مضامين الخطاب تعكس رؤية عميقة لمشهد قائم ومشهد سيأتي أشد قتامة إن لم تدرك دولة الاحتلال أن ثقافة الأمل والحرية والمستقبل التي تسعى لتدميرها ستأتي بنتائج بعيدة كل البعد عن مبتغاها، فالأمل والحرية قيم لا تفنى. والدولة – كما أشار الخطاب الملكي- القائمة على بنيان من الظلم لا يمكن ان تزدهر أبدا.

قاضي استئناف محكمة الروم الأرثوذكس الكنسية کرستين فضول، أشارت إلى أن جلالة الملك عبدالله الثاني أكّد في قمة القاهرة رفضه القاطع للانتهاكات التي تقع على الشعب الفلسطيني والتي تخالف الأعراف والمعايير الدولية، مثل الحق في في السكن والأمان الأجتماعي والحق في الحصول على الغذاء والماء والدواء، وحقهم في إقامة الصلوات والشعائر الدينية في المساجد والكنائس، بالإضافة إلى حقوق الأطفال والنساء وكبار السن من جهة تأمين أبسط مقومات الحياة لهم ولأسرهم الذين أصبحوا مشردين في عقر دارهم، وأصبح حقهم في الحياة مهدداً بين لحظة وأخرى.

وبينت أن أهم ما جاء في خطاب جلالة الملك هو رفضه لفكرة تهجير الفلسطينين قسرياً لأن مكانهم الطبيعي هو في أرض فلسطين، وهم بحاجة لدعم قضيتهم من قبل شعوب العالم، فكما يرى البعض أن للإسرائيليين حقوقا، فإن للشعب الفلسطيني أيضاً حقوقا، ولعل أهمها الحق في إقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم بحكم الواقع والقانون الدولي.

وأكدت أننا كشعوب تؤمن بالعدالة وما جاء في الكتب السماوية، فإن خير شاهد على ذلك هي العهدة العمرية التي صيغت في العام (15) للهجرة / (637) ميلادية في القدس عاصمة فلسطين من قبل أمير المؤمنين عمر أبن الخطاب لتأكيد مبدأ التعايش الديني الأسلامي المسيحي، وذلك للإشارة الى أننا كنا وما زلنا وسنبقى على العهد ملتزمين بهذا النهج، فاحترام الآخر يستوجب احترام وتقبل الطرف المقابل؛ أي أنه التزام أخلاقي مزدوج وليس أحادي الاتجاه كما تمارسه القوات الإسرائيلية المحتلة تجاه المسلمين والمسيحيين في الأراضي المقدسة.

مستشار المرصد العربي لحقوق الإنسان التابع للبرلمان العربي والناشط الحقوقي الدكتور أمجد شموط، قال إن جلالة الملك قدّم في مؤتمر القمة التي انعقدت يوم أمس السبت في جمهورية مصر العربية مرافعة حقوقية وقانونية رفيعة المستوى، خاطب فيها العالم الغربي بشكل واضح وصريح، بيّن فيها جميع حقوق الشعب الفلسطيني المكفولة في المواثيق والأعراف الدولية، والمكفولة أيضا في المعايير الدولية لحقوق الإنسان، سواء أكان ذلك في القانون الدولي العام أو في القانون الدولي الإنساني.

وأضاف، دافع جلالته خلالها عن حقوق الشعب الفلسطيني وبين الانتهاكات الخطيرة التي تقوم بها القوة القائمة بالاحتلال وفقا للقانون الدولي الإنساني، وما برز في خطاب جلالة الملك في القمة هو إشارته إلى الإفلات من العقاب والمحاسبة لقادة إسرائيل بسبب عدوانهم على غزة والشعب الفلسطيني.

وقال ” لقد أشار جلالته إلى أن القوات الإسرائيلية لا تحترم الشرعية الدولية، ولم تنصاع إلى قرارات المجتمع الدولي وهي تقوم بجريمة الحرب، ليس فقط من أسبوعين وإنما منذ العام 1948، وتقوم بممارسات وانتهاكات جسيمة وخطيرة بحق الشعب الفلسطيني، وأن جريمتها مستمرة في إطار جرائم العدوان وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية”.

لذلك كان موقف جلالة الملك في هذه القمة، يحمل دلالات ومعاني ذات طابع حقوقي بامتياز تتماهى مع المعايير الدولية، ومع الحقوق التي أكدتها المعايير الدولية في القانون الدولي العام وفي القانون الدولي الإنساني، بحسب شموط.

ولفت إلى أن تعرض أهل قطاع غزة لآلة الحرب والتدمير أيضا، أصبح سمة رئيسة، وهناك دوافع انتقامية وتطهير عرقي وإبادة جماعية لأهلنا في غزة، فضلا عن كثير من الصور والمشاهد المؤلمة، وغير قانونية، واللأخلاقية من تدمير المساجد والمدارس، ودور العبادة، والمستشفيات، وقتل المدنيين والعزل والاعتداء على طوقم الإغاثة والطواقم الطبية، ورجال الدفاع المدني، فكل ذلك يندرج في إطار تجاوزها ومخالفتها الصريحة أو الصارخة للقانون الدولي الإنساني الذي يكفل حماية وكرامة حقوق الإنسان في زمن الحرب.

وبين أن موضوع التهجير أو اقتلاع المواطنين من أراضيهم والذي يسمى بالتهجير القسري، يتعارض جملة وتفصيلا مع مبادئ الأمم المتحدة والقوانين والمواثيق ذات العلاقة.

المصدر: وكالة الأنباء الأردنية -(بترا)

مواضيع ذات صلة