المواءمة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل ..ضرورة لنهضة تنموية شاملة
يبرز اختيار التخصص الأكاديمي كأحد العوامل الأساسية في ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل، الذي يشهد تحولات اقتصادية وتكنولوجية سريعة ومتغيرة، ما يعكس أهمية اتخاذ قرارات مدروسة حول التخصصات لا يشكل فحسب خطوة هامة نحو تحقيق التنمية الشخصية للطلاب، بل يعد وسيلة ناجعة لمواجهة تحديات البطالة.
خبراء بينوا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أهمية المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، بما يتوافق مع حرية اختيار التخصصات وتنوعها ضمن منظومة تعليمية تتمتع بجودة عالية تلبي احتياجات الطلاب والمجتمع، ويسهم في تعزيز النهضة التنموية الشاملة، وهو ما أكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية السابعة في أن “الاستثمار في مستقبل أبنائنا عماد نهضتنا، وإننا على ذلك لقادرون، فها هي ذي ثروتنا البشرية، أغلى ما يمتلك الأردن من ثروات، قادرة، إذا هي نالت التعليم الحديث الوافي، على صنع التغيير المنشود، ليس أمامنا إلا أن نستثمر في هذه الثروة بكل قوة ومسؤولية، فلا استثمار يدر من العوائد كما يدر الاستثمار في التعليم”.
وحدة تنسيق القبول الموحد في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أعلنت أخيرا، استمرار استقبال طلبات الالتحاق الإلكترونية في الجامعات والكليات الرسمية ما يسهم وفق خطتها الاستراتيجية للأعوام (2022 – 2024) في تشجيع الطلبة على الالتحاق بالبرامج التقنية.
رئيسة هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية الدكتورة رغدة الفاعوري، قالت “تم إنشاء مديرية شؤون مجالس المهارات القطاعية في هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية، حيث تعنى هذه المديرية بتشكيل مجالس مهارات قطاعية وهي “لجان استشارية تتكون بصورة أساسية من أصحاب العمل والعمال والحكومة، ويتركز دورها في اقتراح سياسات مبنية على متطلبات سوق العمل، إضافة إلى تحديد المهن والتخصصات الأكثر طلبا في السوق، وعلى سبيل المثال، فإن قطاع الطاقة تضمن عدة مهن منها: تشغيل وصيانة الخلايا الشمسية الكهروضوئية، فني تقنيات تخزين البطارية، أما قطاع المجوهرات، لحيم مجوهرات، مركباتي، نقاش مجوهرات، وفي قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات (ICT): محلل بيانات، مصمم واجهة المستخدم (UI).
وعليه ووفق توصيات مجالس المهارات، قامت الهيئة بإعداد مصفوفة للمهن الأكثر أولوية والأكثر طلبا في سوق العمل، حيث تم نشر هذه المصفوفة على موقع الهيئة الإلكتروني، بحسب الفاعوري.
وأوضحت أن الهيئة تقوم بدعم إعداد دراسات قطاعية بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الموارد البشرية بشكل سنوي، وتستهدف هذه الدراسات كافة المحافظات في المملكة حيث تقوم بقياس الفجوة بين العرض والطلب، مما يوجه الطالب إلى التخصصات الأكثر طلبا، وبالتالي زيادة فرصة في العمل فور تخرجه.
وفي هذا الصدد، بينت أنه تم ترخيص مراكز الاستشارات والتدريب التابعة للجامعات الحكومية والخاصة، حيث بلغ عددها 22 مركزا مرخصا من الهيئة، ووفقا للإطار الوطني للمؤهلات، فإن الهيئة مسؤولة عن المسار المهني في الإطار المذكور، والذي يتضمن التخصصات التقنية والمهنية، فيما تشرف وزارة التعليم العالي المسار الأكاديمي، هذا بالإضافة إلى دور الهيئة في تنظيم اعتماد الدبلومات التدريبية والمهنية والتقنية.
ولحث الشباب على الانخراط في التخصصات الجديدة او تلك التي يتطلبها سوق العمل، قامت الهيئة بتصوير فيديوهات قصيرة مصورة لقصص نجاح، وتم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عرض فيها الشباب أبرز إنجازاتهم والتحديات التي واجهتهم، وتحمل هذه الفيديوهات رسالة ضمنية تشجع الشباب على الإقبال نحو التخصصات المهنية والتقنية، إضافة إلى عرض انفوجرافيكس يجري تحديثه بصورة دائمة على وسائل التواصل الاجتماعي، ليبرز المهن المطلوبة في سوق العمل وحجم الطلب عليها، كما تقوم الهيئة بنشر رسائل تتعلق بالمراكز المرخصة لديها والبرامج المعتمدة وشروط الحصول على مزاولات مهنة.
وفي هذا الشأن، بينت الفاعوري أنه تم إقرار الاستراتيجية الوطنية لقطاع التعليم المهني والتقني 2023-2027، إذ تهدف هذه الاستراتيجية إلى زيادة الالتحاق بقطاع التعليم والتدريب المهني والتقني، وتشمل هذه الاستراتيجية 3 محاور رئيسية، وهي: تحسين حوكمة القطاع، ورفع جودة مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني، وتسهيل الوصول إلى سوق العمل.
وكانت مؤسسة التدريب المهني قد أعلنت الأسبوع الحالي عن بدء استقبال طلبات القبول والتسجيل إلكترونيا للدور الثاني للعام التدريبي 2024/2025 في كافة معاهدها المنتشرة في محافظات المملكة.
بدوره، قال مدير عام مؤسسة التدريب المهني، الدكتور أحمد مفلح الغرايبة، إن المؤسسة لديها 30 معهداً، وتضم 257 مشغلا بطاقة استيعابية تبلغ أكثر من 10 آلاف متدرب ومتدربة، وتبلغ طاقتها التشغيلية نحو 20 ألف متدرب، في حين بلغ عدد حملة الشهادات الجامعية والدبلوم الملتحقين في برامج مؤسسة التدريب المهني حوالي 3521 متدربا ومتدربة، و4968 متدربا من حملة الثانوية العامة خلال العام الماضي، إضافة إلى وجود 128 برنامجا تدريبيا معتمدا من هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية، منها 76 برنامجا من الأكثر طلبا.
وأكد أهمية التدريب المهني والتقني كخيار استراتيجي لبناء الوطن ومكافحة الفقر والبطالة، وربط البرامج التدريبية في المؤسسة بحاجات سوق العمل، واستحداث برامج جديدة لمواكبة المهارات والكفاءات المطلوبة في سوق العمل، بالشراكة مع المصانع والشركات بالقطاع الخاص؛ مثل التدريب عبر الواقع الافتراضي والواقع المعزز (VR_AR)، والطباعة ثلاثية الأبعاد، والمهارات الخضراء التي تسهم في الحفاظ على البيئة، إضافة إلى المهارات التي تحافظ على التغير المناخي والبيئة وارتباطها بالتكنولوجيا الحديثة، وتستهدف في هذه المهارات المهندسين، خريجي تكنولوجيا المعلومات، وخريجي التخصصات الأكاديمية الراكدة والمشبعة.
ولفت الغرابية إلى تنفيذ برنامج تعزيز التعليم والتدريب المهني والتقني بالشراكة مع جامعة الحسين التقنية التي كان لها إسهام كبير في تطوير منظومة التدريب المهني بالمملكة، في الوقت الذي تواصل فيه بشكل مستمر مع هيئة تنمية وتطوير المهارات المهنية والتقنية في إطار الربط بالإطار الوطني للمؤهلات.
رئيس بيت العمال للدراسات حمادة أبو نجمة، قال “تعد فلسفة المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل نهجا شاملا ينظر إلى التعليم كسلسلة مترابطة تبدأ من احتياجات سوق العمل، وتنتهي بتوفير القوى العاملة الماهرة التي تلبي تلك الاحتياجات، وتمثل مبدأ جوهريا لضمان تحقيق التنمية المستدامة للمجتمعات، والارتقاء بجودة التعليم لحصول الطلاب على المعارف والمهارات اللازمة للنجاح في سوق العمل، بما يساهم في الحد من البطالة، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وتحسين مستوى المعيشة والتقليل من الفقر، فالمواءمة ليست خيارا، بل ضرورة لضمان مستقبل أفضل للجميع”.
وبين أنه لا يتعارض دور المؤسسات التعليمية في المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل مع حرية اختيار التخصصات وتنوعها التي تعتبر من الأمور المهمة للمؤسسات التعليمية، بل يعززها من خلال توفير تعليم ذي جودة عالية يلبي احتياجات الطلاب والمجتمع، وعلى العكس من ذلك فإن تجاهل السياسات التعليمية لاحتياجات سوق العمل قد يؤدي إلى المساهمة بشكل رئيسي في تفاقم مشكلة بطالة الخريجين وفي زيادة الصعوبات التي يواجهونها في العثور على وظائف مناسبة، وكذلك في إعاقة التنمية الاقتصادية نتيجة نقص القوى العاملة الماهرة.
وأضاف أن المؤسسات التعليمية يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في تحقيق المواءمة من خلال تطوير المناهج الدراسية ومراجعتها بشكل دوري لضمان مواكبتها لآخر التطورات في سوق العمل، وتعزيز مهارات التواصل والتفكير النقدي التي تعد ضرورية للنجاح في أي وظيفة، وتوفير فرص التدريب العملي لاكتساب الخبرات، وبناء علاقات قوية مع أصحاب العمل لفهم احتياجاتهم بشكل أفضل، وتصميم برامج تعليمية تلبي هذه الاحتياجات، وتقديم برامج التوجيه والإرشاد المهني لمساعدة الطلاب على اختيار التخصصات المناسبة، وتطوير مهاراتهم المهنية.
فربط التعليم بسوق العمل عملية دائمة التطور بما يواكب التغير في احتياجات سوق العمل، لذلك من المهم أن يكون التعليم مرنا وقابلا للتكيف، وذلك من خلال التواصل المباشر والمستمر بين الجامعات ومختلف القطاعات الاقتصادية، كما تفعل بعض الجامعات الأردنية منذ سنوات حيث نجحت من خلال ذلك في أن تكون نسبة خريجيها الذين يحصلون على فرص عمل فورية داخل المملكة وخارجها مرتفعة.
الخبير والمستشار في مجال التعليم التقني والتدريب المهني الدكتور محمد عوض الفواعير، قال: إنه سنوياً مع نهاية المرحلة الثانوية وبدء الجامعات باستقبال الطلبة المستجدين حديثي التخرج؛ يتجدد الحديث عن أهمية اختيار التخصصات الجامعية المناسبة والملائمة لسوق العمل، لافتا إلى دراسة أعدتها هيئة الخدمة والإدارة العامة (ديوان الخدمة المدنية) سابقا أشارت إلى أن أهم التخصصات المطلوبة في الأردن عام 2023، هي المحاسبة، وهندسة التبريد والتكييف، وعلوم الحاسوب، وعلوم المساحة، والصحافة والإعلام، وهندسة الكومبيوتر.
وبين الفواعير “أنه يجب على الأهل أولاً استشراف المستقبل بما هي التخصصات المطلوبة في سوق العمل ما بعد التخرج وتهيئة الأبناء لاختيار التخصص الجامعي المناسب، أما بالنسبة للجهات المعنية بتوجيه الطلبة الناجحين نحو الإقبال على التخصصات الموائمة لسوق العمل يجب عليهم وضع سيناريوهات مقترحة، من خلال عملية تحليل للواقع وقياس مخرجات الجامعات بما تحقق من المهارات اللازمة للدخول والمنافسة في سوق العمل.
المصدر: بترا- بشرى نيروخ