النوادي الصيفية بيئة غنية بالتجربة الهادفة.. برنامج “بصمة” مثال يُقتدى

العطلة الصيفية ليست للراحة فقط. إنها الى جانب ذلك فرصة لاستثمار طاقات الشباب في مكان آخر هو النوادي الصيفية ليس لقضاء الوقت بعيدا عن المدرسة وإنما لأن هذه النوادي بيئة غنية بالتجربة التعليمية والترفيهية الهادفة وبما يسهم في تعزيز المهارات واكتشاف مواهب جديدة وتنمية الهوايات. النوادي الصيفية تدمج التعليم مع الترفيه، وتعتبر ملاذًا آمنًا يمكّن الأطفال من ممارسة أنشطتهم بعيدا عن البقاء ساعات طويلة أمام شاشات التلفاز أو اللابتوب.
تُظهر الدراسات أن المشاركة في الأنشطة الصيفية تعود بفوائد عظيمة على الأطفال والشباب، منها تنمية المهارات الاجتماعية، وتعظيم الثقة بالنفس، وتحسين اللياقة البدنية، واكتساب معارف جديدة، لكن الكلف العالية للاشتراك في النوادي الصيفية الخاصة التي تتراوح بين 200- 300 دينار للطفل الواحد، تحصر هذه الفوائد بشريحة اجتماعية وتُحرم الأسر ذات الدخل المحدود من غايتها العالية.
خبراء أشاروا في أحاديثهم لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى أنه بات من الضروري توفير فرص متساوية لجميع الأطفال والشباب للاستفادة من الأنشطة الصيفية، داعين إلى إيجاد حلول فعالة لتقليل كلف الأندية الصيفية، وضمان أن يتمكن كل طفل من الاستفادة من هذه الفرص القيّمة التي تساهم في تنمية وتطوير مهاراته في وقت أكدوا أهمية العطلة الصيفية باعتبارها فرصة ثمينة للشباب لاستثمار وقتهم بطرق بناءة ومفيدة، وتساعدهم على النمو والتطور في مختلف جوانب حياتهم.

أستاذ أصول التربية وعميد كلية العلوم التربوية في الجامعة الأردنية الدكتور محمد صايل الزيود، قال، “إن الإجازة الصيفية فرصة ثرية لطلبة المدارس للراحة والاستجمام وقضاء أوقات ممتعة مع أسرهم وأقرانهم في أجواء أسرية وأخوية تسودها المودة والمتعة وبناء العلاقات الاجتماعية واكتساب مهارات التواصل والتفاعل مع الغير”.
وأضاف: الإجازة الصيفية تمنح الطلبة الوقت للقيام بأنشطة رياضية مثل كرة القدم وكرة السلة من شأنها إبقاء الطلاب نشيطين بدنيًا وذهنيا وتجويد لياقتهم وصحتهم والتخلص من التوتر خلال أيام العام الدراسي وتحسين الصحة النفسية من برامج هادفة.

وللعطلة الصيفية، يقول الزيود، أهمية خاصة ومحورية في تنمية الإبداع لدى الطلبة من خلال مشاركتهم في الأنشطة الإبداعية مثل الفن والموسيقا والكتابة، وتنمية ملكات الإبداع والابتكار على نحو لافت، إضافة الى بناء صداقات جديدة من خلال المخيمات الصيفية والمشاركة بفعاليات فنية وترفيهية وتعليمية تسهم في بناء مهارات وخبرات كالبستنة على سبيل المثال.

إن “الحاجة ماسة اليوم”، يقول الزيود، “لتوفير نواد صيفية تنظمها المدارس الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني غير الربحية بالشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص مثل البنوك وشركات الاتصالات والجامعات التي تؤمن بالمسؤولية المجتمعية، في مختلف المناطق والبيئات خاصة في المناطق النائية والمناطق الفقيرة التي تعاني ظروفاً اجتماعية واقتصادية صعبة وبما يكسب أبناء هذه البيئات فرصة للنمو الاجتماعي واكتساب المهارات والقيم، ويوسع آفاقهم ويبعث في أنفسهم الراحة، ويبعدهم عن الإحباط والقلق والتوتر”.

مدير إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم الدكتور أجمل الطويقات، قال: “تسعى الوزارة إلى عقد برامج متخصصة للطلبة منها البرنامج الوطني الصيفي (بصمة) انسجاما مع رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني في الورقة النقاشية السابعة التي ركزت على تطوير العملية التعليمية بوصفها جوهر نهضة الأمم؛ تحقيقا لغاية نبيلة تتمثل في أن نرى مدارسنا مختبرات تُكتشف فيها ميول الطلبة، وتصقل مواهبهم، وتنمي قدراتهم.
في هذا البرنامج، يقول طويقات، “نرى بشائر الارتقاء والتغيير؛ لا يخرج طلابها منها إلا وقد تزودوا بكل ما يعينهم على استقبال الحياة، ومواجهة ما فيها من تحديات، والمشاركة في رسم الوجه المشرق لأردن الغد؛ طلبة يعرفون كيف يتعلمون، وكيف يفكرون، وكيف يغتنمون الفرص ويبتكرون الحلول المبدعة لما يستجد من مشاكل، ويعرض من عقبات”.
وأكد أن هذا المشروع يعد من البرامج التربوية الرائدة في وزارة التربية والتعليم، إذ يهدف إلى إكساب الطلبة المهارات الحياتية في التواصل الإيجابي مع أقرانهم، وتعزيز ثقافة الحوار الهادف وتقبل الآخر، والإيمان بثقافة الاختلاف والتعددية الفكرية، وبناء الذات الإنسانية بناء يواكب متطلبات عصر العولمة وتحدياته.
وانطلق المشروع عام 2017 في (88) مركزاً لطلبة الصف التاسع الأساسي من طلبة المدارس الحكومية والثقافة العسكرية ووكالة الغوث الدولية، لكن عدد الطلبة الملتحقين في البرنامج اليوم ارتفع الى نحو تسعة آلاف طالب وطالبة، ويستمر لمدة 11 يوم عمل.
ويهدف البرنامج، بحسب طويقات، إلى “تعزيز قيم الانتماء للوطن والولاء للقيادة الهاشمية وقيم المواطنة الصالحة، واستثمار طاقات الطلبة بما هو مفيد للمجتمع والمدرسة وبناء جسور الثقة بينهم وإبعادهم عن المؤثرات الخارجية السلبية، وتمكين الطلبة من التعبير عن أنفسهم عبر ممارسة مختلف الأنشطة (الثقافية والتطوعية والرياضية والكشفية والفنية)، وتفعيل دور المدرسة في تكوين العلاقات الاجتماعية السليمة بين طلبة المدارس المختلفة، وتقوية الروابط فيما بينهم”.
كما يهدف البرنامج إلى تنمية مهارات الطلبة وتطوير قدراتهم ومواهبهم، وتمكينهم من الحوار البناء وتقبل الرأي الآخر، واحترام وجهات النظر المختلفة، ويشمل أنشطة فنية، ومهارات كشفية وإرشادية، وأنشطة ومهارات رياضية، ومناظرات، وخدمة مجتمعية وعمل تطوعي، إضافة الى التوعية المهنية في برنامج (BTEC)، ومفاهيم عن الديمقراطية والمواطنة الصالحة بالتعاون مع الهيئة المستقلة للانتخاب، ومحاضرات توعوية بالتعاون مع الأمن العام، إضافة إلى تنفيذ رحلات وزيارات سياحية بالتعاون مع وزارة السياحة من خلال برنامج (أردننا جنة)، بالتعاون مع مؤسسة ولي العهد.
وأشار طويقات الى توقيع مذكرة تفاهم بين الاتحاد الأردني للرياضة المدرسية وهيئة أجيال السلام لإنشاء أندية رياضية صيفية للطلاب والطالبات (أردنيين ولاجئين سوريين) في مختلف محافظات المملكة لاستغلال وقت الفراغ في العطلة الصيفية في التدرب على ألعاب مفيدة وتوظيفها في نشر مفاهيم السلام والتماسك المجتمعي، مبينا أن عدد الأندية الصيفية يبلغ حاليا نحو 28 ناديا تتوزع على مديريات تربية ماركا والجامعة ووادي السير والسلط والرصيفة ومادبا والزرقاء الأولى وسحاب والجيزة وجرش وعجلون وإربد وبني عبيد والمزار الشمالي وبني كنانة والرمثا والمفرق والبادية الشمالية الغربية والبادية الشمالية الشرقية والكرك والمزار الجنوبي والأغوار الجنوبية والطفيلة ومعان والبتراء والشوبك والعقبة يلتحق بها أكثر من 9000 طالب وطالبة.

أخصائي علم النفس مالك الشامي قال: إن بعض الأهالي يترددون كثيرا في إلحاق أبنائهم في النوادي الصيفية الخاصة بسبب تكلفتها العالية، مشيرا الى أهمية توفير البديل للأبناء في مثل هذه الحالات لإشغال وقتهم بأنشطة بدنية وذهنية مفيدة وفقا للمرحلة العمرية، كاللعب في الماء أو الرمل والألعاب الحركية لتعزيز الطاقة الإيجابية والتخلص من القلق والتوتر، خاصة أننا نعيش في زمن يتعرض فيه الأبناء بشكل أكبر للشاشات والحواسيب الذكية.

وأضاف الشامي، إن شاشات التلفاز والحواسيب لها العديد من المحاذير خاصة وأنها تؤثر على المدى البعيد على تركيز الطفل وانتباهه، وتفقده المهارات اللغوية والاتصالية والتفاعل الاجتماعي بالتعبير الانفعالي، وتزيد من القلق والتوتر والسلوك العنيف عند الأطفال، داعيا الى ممارسة الأنشطة التفريغية كنوع من العلاج مثل الرسم خلال العطلة الصيفية التي يجب استثمارها على الوجه الأمثل.

المصدر: (بترا) بشرى نيروخ. 

مواضيع ذات صلة