ضبط جودة التعليم الجامعي!

ضبط جودة التعليم الجامعي!

يعتبر قطاع التعليم العالي من القطاعات بالغة الأهمية في حياة المجتمعات البشرية نظراً للدور البناء الذي يقوم به هذا القطاع بأشكاله المختلفة في خلق وتعزيز التنمية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بأعداده للقوى العاملة عالية المهارة (التربية الجديدة، 1987). فمؤسسات التعليم العالي وغيرها من المؤسسات والمنظمات الأكاديمية والعلمية والمهنية تشكل عاملاً ضرورياً في التنمية، وفي تطبيق الاستراتيجيات والسياسات الإنمائية (بوبطابة، 1995، ص 157).

فالمهام التي تقوم بها الجامعات، وتخدم عمليات التنمية تتحدد في خلق ونشر وتطبيق المعرفة بالإضافة إلى مهمات مصاحبة كالتعليم، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع. وفي سبيل نجاح الجامعات بمهامها في خلق المعرفة ونشرها وتطبيقها فإنه لا بد للتعليم العالي من خلال مؤسساته المختلفة سواء كانت جامعات حكومية وخاصة، أو كليات مجتمع أن يسترشد بجملة من الأهداف، كون الأهداف  تعتبر موجهات للعمل وغايات يسعى إلى تحقيقها ومقياس على جودة مخرجات العملية التعليمية التي تقوم بها الجامعات.

وفي هذا الإطار نجد أن الجامعات على مستوى العالم أجمع قد حددت أهدافها وأعدت البرامج المتنوعة لتحقيقها، غير أن عملية قياس تحقق الأهداف تتفاوت من بلد إلى آخر، فهناك استراتيجيات علمية معتمدة لضمان تحقق الأهداف في مؤسسات التعليم العالي أو ما يطلق عليه أنظمة ضبط الجودة في مؤسسات التعليم العالي والتي تهدف إلى تعرف درجة تحقق الأهداف المرسومة للبرامج والتخصصات المختلفة بقياس صحة الإجراءات المتخذة للوصول إلى تحقق للأهداف المرسومة وبقياس تحقق الأهداف لدى مخرجات نظام التعليم من وجهة نظر المخرجات نفسها أو من وجهة نظر من هم على اتصال وتماس مباشر بها.

فالهدف من ذلك الوصول إلى تحقيق جودة عالية لدى المخرجات التربوية من خلال تحقيق الأهداف المرسومة للبرامج والتخصصات المتنوعة، وفي سبيل ذلك فان قيام دراسات تعنى بقياس تحقق الأهداف يسهم بشكل فاعل في تطوير النوعية والفاعلية للتعليم والتدريب المقدم للمتعلمين Lisbon and Stockholm European) (Council (2002) . و بالتالي تزويد المجتمع بمتخصصين مهرة في مختلف المجالات العلمية لتعود الفائدة على الاقتصاد الوطني (Webb, 1992). هذه العملية أيضا تسهم بشكل كبير في مواجهة التغييرات والتطورات المستقبلية والتي يتوجب على الجامعات والمعاهد العليا أن تساهم فيها بفعالية من خلال القيام بدور قيادي في مجالات العلم، والانتقال بمؤسسات التعليم العالي من الطابع التقليدي في أهدافها والذي يركز على إعداد القوى العاملة إلى البحث العلمي وخدمة المجتمع (نوفل و كمال، 1990). كذلك فان قيام مثل هذا النوع من الدراسات يعود بالفائدة على المؤسسات التربوية نفسها من اجل التصويب والتعديل لجوانب الخلل إن وجدت.  

ففي إطار ضبط الجودة في مؤسسات التعليم العالي هناك نماذج متعارف عليها دولياً والتي هي في إطارها الدقيق تهدف إلى تحقيق مستوى عالٍ لأهداف التعليم العالي المرسومة، والتي يتم إجراؤها من قبل مؤسسات أو أفراد من خارج مؤسسات التعليم العالي ومن أبرزها: نظام الاعتماد والتقييم للجامعة من قبل جهات خارج الجامعة والمعمول به في الولايات المتحدة وفرنسا و فنزويلا، كذلك إجراءات التقييم من داخل الجامعة والتي تهدف إلى التأكد من أن الجامعة قد حددت إجراءات داخلية من أجل الجودة العالية وهذا موجودة في بريطانيا وأستراليا والسويد. وهناك الاعتماد لبرامج الدراسة والمواد التي تطرحها الجامعات كما هو الحال في بريطانيا وبعض دول أمريكا الشمالية، أيضاً نظام تقييم نوعية التدريس في المقررات والبرامج كما هو الحال في الدانمارك.

وفي نفس الإطار نظام تقييم مستوى البحث العلمي في الجامعات، كذلك نظام مراقبة الجودة والذي يوظف ممتحنين خارجيين لمراقبة مستوى الجودة في برامج الدراسات العليا والدنيا والمعمول به في كل من بريطانيا والدانمارك وأيرلندا وماليزيا وبروني والهند و هونغ كونغ (Harvey, 1998).

من خلال هذا التنوع في عملية قياس تحقق الأهداف، أو اتخاذ إجراءات دقيقة لضمان تحقق عالي للأهداف من قبل المؤسسات التعليمية نفسها أو من قبل الدول نجد أن جهود الباحثين في هذا الإطار تكاد تكون نادرة في الأردن، أو حتى في العالم العربي، وبالتالي غياب الدراسات التي تبرز درجة تحقق الأهداف في ميدان التعليم العالي، في المقابل نجد دراسات كثيرة متنوعة تتعلق بضبط الجودة والنوعية في مؤسسات التعليم العالي على مستوى العالم.

فمن الدراسات التي تناولت ضبط الجودة والنوعية في مؤسسات التعليم العالي، دراسة ( Leckey and Neill, 2000) والتي هدفت تطوير وتحسين نوعية التعليم والتعلم والذي يحظى الآن بأولوية قصوى في الجامعات البريطانية ولهذا الغرض تطرح تساؤلات تسعى لتحديد ما هو المقصود بنوعية جيدة من التعليم والتعلم. حيث عرفت النوعية الجيدة في التعليم بأنها تحقيق أهداف التعليم العالي البريطاني والتي تنص على نشر للمعرفة الحديثة والتي يتوصل إليها العلم حتى اللحظة، وتطوير القدرة لدى الطلبة على اختبار الأفكار والأدلة ومنح فرص النمو الشخصي لدى الطلبة وتطوير القدرة لدى الطلبة على التخطيط وإدارة تعلمهم. وفي سبيل ذلك فقد عمدت الدراسة إلى تحليل نتائج التقييم الذي تقوم به وكالة ضبط الجودة والنوعية لمؤسسات التعليم العالي البريطانية للوصول إلى أسباب حصول هذه المؤسسات على نتائج عالية في بعض الجوانب وبنفس الوقت الحصول إلى أسباب إخفاق هذه المؤسسات في جوانب أخرى.

هذا وقد استخدمت الدراسة المنهج النوعي القائم على تحليل الوثائق والتقارير ونتائج مؤسسات التعليم العالي المتعلقة باختبارات ضبط الجودة . حيث خلصت الدراسة إلى أن أكثر جوانب الضعف التي تعاني منها الجامعات والمعاهد البريطانية تجلت في ضعف الإدارة الفعالة لقضايا ضبط الجودة وسبل تعزيزها حيث حقق (17) معهد من 66 معهد أو جامعة شروط ومتطلبات الإدارة الفعالة لقضايا ضبط الجودة أي أن 69% من المعاهد والجامعات البريطانية لديها ضعف وقصور كبير في هذه الإدارة ويعود سبب ذلك كما تشير الدراسة على ضعف الصفة الرسمية في تطبيق برنامج المراقبة والتقييم وغياب سياسة رسمية لتقويم أعضاء الهيئة التدريسية وغياب الدورات التأهيلية والمراقبة لأعضاء الهيئة التدريسية الجدد وغياب التعاون بين الجامعات لتعميم الممارسة الجيدة وغياب التغذية الرسمية الراجعة من المقيمين الخارجين للجامعات.

كذلك خلصت الدراسة إلى أن من جوانب الخلل والضعف التي تعاني منها الجامعات والمعاهد البريطانية تمثلت في عدم الحصول على تغذية راجعة من الطلبة بشأن مختلف أبعاد الحياة الجامعية وعدم توظيفها لصالح الطلبة. حيث توصلت الدراسة على أنه هناك غياب لاستراتيجية منظمة في قياس ومعرفة رأي الطلبة تجاه الحياة الجامعية وحيث تعتمد بعض الجامعات والمعاهد البريطانية الاستبانة للحصول على تغذية راجعة من الكلية والبعض الأخر لا يطبق أي أداة للحصول على رأي الطلبة فمثلاً (3) كليات من أصل (5) كليات في مقاطعة ويلز لا تطبق ولا تهتم بالحصول على تغذية راجعة من الطلبة.

وفي ظل هذا الضعف في الجودة في مؤسسات التعليم العالي البريطانية فقد أخذت بعض الخطوات في بعض مؤسسات التعليم العالي لتجاوز حالة الضعف ومنها تطبيق استراتيجيات للتعليم والتعلم بهدف تأسيس وحدة مركزية لتشجيع المبادرات الإبداعية والمنهج التأملي في التعلم والتعليم لدى أعضاء الهيئة التدريسية من أجل تعزيز النوعية والجودة لدى الطلبة. كذلك تم تعيين منسق لتعلم الطلبة في كل كلية ، ويتم تشجيع أعضاء الهيئة التدريسية ليكونوا مبدعين في تدريسهم وتعلمهم وفي استراتيجيات التقويم وسوف يتم تزويدهم بفرص للنمو المهني والترقية بناء على درجة تطبيق الأكاديميين لمبادئ الجودة والنوعية.

كذلك تم إنشاء معهد التعلم والتعليم على مستوى بريطانيا تكون مهمته التحقق والاحترام والمكافأة للتميز في التعليم والتعلم. كما تم استحداث (3) منح قيمة كل واحدة 50.000 جنيه إسترليني تمنح لأعضاء الهيئة التدريسية الذين يقدموا تعليم وتعلم متميز وذا جودة عالية. كذلك قامت هيئة دعم التعليم العالي البريطاني بإنشاء شبكة دعم التعليم والتعلم بهدف تنمية وتحسين نوعية التدريس ولتعليم في جميع التخصصات التي تطرحها الجامعات البريطانية.

المصدر

مواضيع ذات صلة