“منحة سعيد” للدراسات العليا.. 116 أردنيا يفوزون بمقاعد بجامعات بريطانية عريقة
تنبه الاردن مبكرا الى أهمية الاستثمار بالإنسان فعمد الى تأسيس الجامعات الرسمية التي ترفدها شقيقاتها الخاصة، ووضع منظومة للمنح الخارجية للحصول على الدرجات العليا في أرقى الجامعات الغربية.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا) تتبعت على مدى 3 أشهر قصَّة (المنح) والعقول الأردنية المبدعة حيث تبين أن من بين المؤسسات الخاصة التي آزرت توجه الدولة الأردنية في توفير منح الدراسات العليا مؤسسة سعيد للتَّنمية المسجلة في بريطانيا كجمعية خيرية والتي تكتسب أهميتها من كونها مبادرة فردية وخصصت منحها لطلبة ثلاث دول عربية فقط من بينها الأردن.
ومنحة “سعيد للتنمية” التي أسسها عام 1982 وفيق سعيد وزوجته روز ماري تخليداً لذكرى ابنهما (كريم)، بدأت بتقديم المنح بعد عامين من تأسيسها وتحديدًا عام 1984، أما عدد المنح التي قدمتها هذه الجمعية منذ تأسيسها وحتى اليوم لطلبة من سوريا ولبنان وفلسطين للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه في أعرق الجامعات البريطانية فقد بلغ 700 منحة منها 116 منحة حصل عليها أردنيون في حين بلغ عدد المتقدمين لهذه المنحة على مدى 39 عاما 31 ألفا و200 طالب وبمعدل 800 طلب سنويًا.
يقول المشرف في مؤسسة سعيد للتنمية، هاني الجسري في حديث لـ (بترا) من العاصمة البريطانية لندن، إنَّ المؤسسة تقدِّم ما يقارب 30 منحة دراسية سنوياً لدراسة الماجستير والدكتوراه في جامعات المملكة المتحدة بريطانيا، وتغطي المنحة تكاليف الدراسة والمعيشة كافة خلال فترة الدراسة بما في ذلك رسوم التأشيرة إلى المملكة المتحدة وتذكرة سفر ذهابا وإيابا.
وأضاف، قدمت المؤسسة منذ انطلاق المنحة وحتى اليوم 700 منحة دراسية لدرجة الماجستير والدكتوراه للطلاب من سورية ولبنان وفلسطين والأردن منها 116 منحة لطلاب من الأردن.
وأشار الى أنَّه يتم فتح باب التقدم للمنحة في شهر أيلول من كل عام ولمدة شهرين عبر الموقع الإلكتروني للمنحة (www.saidfoundation.org) ويتضمن الموقع شرحا تفصيليا للخطوات والوثائق المطلوبة من المتقدمين بالإضافة إلى جدول زمني للمنحة والذي قد يتغير بشكل طفيف كل عام دراسي.
وأكد أنَّ برنامج المنح الدراسية للمؤسسة يهدف إلى المساهمة في تنمية منطقة المشرق العربي عبر تقديم منح دراسية لأشخاص لديهم المهارات والإمكانيات لإحداث تغيير إيجابي في بلدانهم.
وبين أنَّه يتم تقييم طلبات المنح على أساس الجدارة وينظر إلى عدة معايير في الطلبات كالتفوق الأكاديمي للمتقدمين، ومدى ارتباط تخصصهم بتنمية بلادهم، والتزامهم بخدمة مجتمعاتهم، ومهاراتهم وإمكانياتهم القيادية، وأهدافهم المهنية المستقبلية، وأخيراً قدرتهم على الاستفادة من المهارات التي سيتم اكتسابها في المملكة المتحدة عند عودتهم إلى بلادهم.
وأضاف، إنَّ المؤسسة تتلقى ما يقارب 800 طلب سنويا للحصول على منح كلها تخضع لأسس على درجة عالية من الشفافية والدقة والعدالة وصولا الى تحقيق أهداف المؤسسة المستمرة منذ أكثر من 40 عامًا.
والتقت (بترا) آخر أربعة طلاب أردنيين تمَّ قبولهم في المنحة وهم الآن في المراحل الأخيرة للدراسة هم ظلال الشرمان، وهيا يوسف، وعمر سلامة، ومروة خمَّاش، والذين أكدوا أنَّ الحصول على المنحة لم يكن سهلا وتضمن إعداد مسبق للسيرة الذاتية لكل منهم.
المهندسة ظلال الشرمان والتي تدرس ماجستير ريادة الأعمال والابتكار في جامعة ساسكس وتحمل درجة البكالوريوس في الهندسة ومديرة تطوير الأعمال في حاضنة اعمال “ماي ستارت أب”في مؤسسة (إنجاز) والتي تعد إحدى المؤسسات الناشطة في مجال دعم الرياديين هي واحدة من الدارسين الآن على حساب مؤسسة سعيد للتنمية.
تقول الشرمان، إنَّ فكرة الماجستير جاءت بعد العمل مع الرياديين منذ العام 2018 لتطوير مشاريعهم الناشئة حيث أدركت الحاجة لتطوير مهاراتي واكتساب المزيد كي أكون قادرة على مساعدة الرياديين والمشاركة الفاعلة في منظومة ريادة الأعمال في الاردن.
وبينت أنّها علمت عن المنحة من صديقات محظوظات فزن بالمنحة في اعوام سابقة ورأت أثر المنحة الايجابي على مساراتهن ما شجعها على التقدم للمنحة حيث فازت بها من أول مرة بفضل من الله وتوفيقه؛ مشيرة الى انها كانت تقدمت لمنح اخرى قبل أن تتعرف إلى منحة سعيد وعرفت ما هي متطلبات التقدم للمنح الدولية.
وأكدت الشرمان أنَّ خطوات التقديم تمر بمراحل من تعبئة الطلب ثم التأهل للمقابلات، والأهم أنها تحتاج الى تخطيط ودراسة متطلبات التقديم والجاهزية لكل مرحلة من خلال التواصل مع المعرفين والحصول على رسائل التوصية والتحضير لامتحان اللغة الانجليزية الذي يعتبر أحد شروط القبول.
وأكدت أنَّ عالم الاعمال هنا ناضج وفرصة التعلم والتشبيك مع الفرص والاشخاص كبيرة سواء من خلال ما تتيحه الجامعة من نشاطات أو من خلال دعم “منحة سعيد”، مشيرة الى اللقاء السنوي الذي تمَّ عقده يوم 10 من حزيران الجاري حيث وفر الفرصة للقاء الشركاء الداعمين للمنحة في المملكة المتحدة.
ولفتت إلى أنَّها كانت من المحظوظات كأردنية بانتخابها في آذار الماضي من قبل جامعة ساسكس لتمثيل أكثر من 18 ألف طالب في المؤتمر الوطني البريطاني “نس” بهدف عمل سياسات من شأنها رفع مستوى التعليم للطلبة في المملكة.
وقالت، على المستوى الشخصي كانت شغوفة بالتعليم وتعتقد أن الاستثمار فيه هو أفضل طريقة لتأمين مستقبل أفضل للجميع، ولهذا السبب كانت تعمل مع مؤسسة (انجاز) على مدى السنوات الخمس الماضية، بصفتها منظمة تعنى بالتعليم وتوفير المهارات التي يحتاجها الشباب ليكونوا اعضاء فاعلين في تحريك عجلة الاقتصاد الاردني.
كما تمت دعوتها لحضور لقاء بالسفارة الاردنية في لندن مع مجموعة من الشباب الأردني الناشط في مجال التكنولوجيا بهدف ايجاد سبل تعاون بين الشركات الاردنية والبريطانية العاملة في المجال.
بدورها بينت الطالبة هيا يوسف المتخصصة بإدارة أنظمة التكنولوجيا والإبداع الرقمي بمستوى الماجستير، إنَّ منحة سعيد تهتم بالتميّز الأكاديمي للمتقدم بالإضافة إلى أعماله التطوعية وقدرته على إحداث التغيير على مستوى الأشخاص والمجتمع ككل، وسلاسة انخراطه في مجتمعات جديدة ومتنوعة وبناء علاقات استراتيجية معها.
وأكدت أن “منحة سعيد” تعد من الأصعب بين المنح بسبب معاييرها العالية، ودرجة التنافس، ومحدودية المقاعد، حيث يتم اختيار 4 أردنيين سنويا للمنحة من أصل جميع المتقدمين، ما زاد من شغفي وإصراري على المنافسة.
وأكدت أنَّ اختيارها للتخصص كان من أهم مراحل التقدم للمنحة حيث أنه مستوحى من طبيعة عملها وحبها للتكنولوجيا والإبداع، لكن الأهم هو أن يسهم هذا التخصص في ازدهار مستقبل التكنولوجيا الاردنية.
ولفتت إلى أنَّ السنوات الأخيرة شهدت حجم استثمارات هائلا في المنطقة في التكنولوجيا الرقمية يحتل الأردن مرتبة متقدمة بينها، موضحة أنها تطمح بأن تكون مساهمة من خلال تخصصها في تحفيز استخدام الأتمتة الصناعية، والأمن السيبراني، والعملة الرقمية لإنعاش الاقتصاد المحلي الإقليمي.
وتقول الطالبة يوسف، إنها حصلت على درجة البكالوريوس في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة لكن فوزها بـ “منحة سعيد” لاستكمال دراستها العليا لمستوى الماجستير في بريطانيا منحها فرصة إضافية للقاء رياديين وعالميين وهو ما يؤسس لمجالات تعاون أكبر في المستقبل، مشيرة الى أنها كانت لحظة فارقة حين تم انتخابي
كممثل طلابي للقسم من بين 112 طالبا من مختلف الجنسيات وهو ما أشعرني بتمثيل الهوية الاردنية والعربية لشريحة أكبر على مستوى جامعة (ورويك).
وأكدت أنَّ ذلك عزز فخرها بخبرات الأردنيين المكتسبة من سوق العمل المحلّي ونظام التعليم الجامعي كونها خريجة الجامعة الأردنية وكان هذا من أهم أسباب تميّزنا الملحوظ كأردنيين والمُثنى عليه من المدرسين وسط مجتمع من خريجي جامعات عالمية عريقة.
وقال الطالب عمر سلامة الفائز بالمنحة الثالثة لمؤسسة سعيد، إنَّه من مدينة الزرقاء وهو مهندس طاقة كهربائية بخبرة 4 سنوات في محطات الطاقة الكهربائية، ودرس هندسة الطاقة الكهربائية في كلية الهندسة التكنولوجية التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية وتخرج منها عام 2018 بمعدل جيد جدا.
وبين أنَّه الآن يدرس ماجستير في الهندسة الكهربائية وأنظمة الطاقة المتجددة في جامعة ليدز، ويدرس التخصص التغيرات الحاصلة في انظمة الطاقة الكهربائية في ظل تزايد الاعتماد على المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ويشمل ذلك نمذجة هذه الانظمة وطرق التحكم بها، خصوصا دراسة وتحليل الاثار المرافقة لأنظمة الطاقة المتجددة على شبكات الكهرباء الحالية، بالإضافة الى تحليل الشبكات الذكية ودراسات كفاءة الطاقة.
وبين أنَّه ومن خلال تطوعه في منظمة مهندسي الكهرباء والالكترونيات (IEEE) العالمية، كان على اطلاع بمستجدات الانظمة الكهربائية حول العالم والتطورات التي تجري في سبيل محاربة آثار التغير المناخي وتحويل انظمة الطاقة الى انظمة ذكية وصديقة للبيئة، من خلال الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، ومع انطلاق رؤية وزارة الطاقة الثروة المعدنية 2030 لنظام الطاقة في المملكة، زاد اهتمامي في متابعة دراساتي العليا في هذا المجال.
وقال، إنّه تعرف على منحة مؤسسة سعيد من خلال منشور على منصة (فيس بوك) لخريجة سابقة من المنحة عن بدء التسجيل للمنحة، وعند قراءتي لتفاصيلها والجامعات المشمولة، وتوفر كافة الشروط به تشجع لتقديم الطلب.
وبين أنَّه ممتن للمنحة على منحه فرصة لمتابعة شغفه في أنظمة الطاقة الكهربائية خصوصا في هذه الفترة التي يشهد فيها النظام الكهربائي تغيرات جذرية في العملية التعلمية، لافتا الى أن طبيعة النظام البريطاني الكهربائي أثرى العملية التعلمية بكيفية اتباع نهج متعدد الاهتمامات: تقنية وسياسية واقتصادية في عملية التخطيط وتحديد الاستراتيجيات المستقبلية.
وأكد أنَّ متابعة التعليم في الخارج فرصة ليست تعليمية فقط بل ثقافية أيضا، فمدينة ليدز وجامعتها بالتحديد تتمتع بنسب مغتربين عالية وتتيح الاندماج في مجتمع متعدد الثقافات ما كان له الأثر القوي في تطوير شخصيتي من خلال التعامل مع أناس من أصول متعددة.
وأشار الى أنَّه يمتلئ بالشغف والحماس للمرحلة القادمة والدور الذي يجب أن يقوم به في خضم التغيرات والفرص الكبيرة في قطاع الطاقة والكهرباء.
وأضاف، لقد سنحت لي فرصة التطوع ضمن فريق الطاقة مع دائرة الشباب للمشاركة في صياغة رسالة الشباب إلى قادة الدول والوفود المشاركة في مؤتمر الأطراف كوب 27 (COP27) والمقام في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية ضمن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (YOUNGO).
أما الطالبة مروة خمَّاش من عمان الحاصلة على منحة المؤسسة في جامعة بيرمنغهام فهي متخصصة في التنمية الدولية، فتشير إلى أنَّها عرفت عن المنحة من خلال صديقتها البريطانية ايمي، وكانت تعمل في إحدى الصحف الأردنية وتساعدها في أعمال الترجمة، مؤكدة أن سنوات التطوع والخبرة والعمل في الاردن وفرت لها كثيرا أسباب الفوز بالمنحة, “أنا ممتنة لكل شيء قمت به في الماضي”.
وأشارت الى خبرتها السابقة بمشاريع التنمية في الاردن خاصة بمشاريع وبرامج استخدام الرياضة من اجل التنمية، ما شجعها على التخصص في التنمية الدولية وهو تخصص يركز على دعم اللاجئين والفئات المستضعفة من خلال المنظمات غير الربحية والمنظمات الحكومية.
وبينت أنَّ شعورها يفوق الوصف بالفخر والانجاز خاصة بعد حصولها على منحة ممولة بالكامل، معتبرة أن تخصصها في جامعة قوية ومميزة مثل جامعة بيرمنغهام يعتبر انجازا كبيرا ويزيد من حظوظها في المستقبل ويفتح لها آفاقا كثيرة ومتنوعة.
وأكدت أن المنحة فرصة مميزة للاختلاط بثقافات مختلفة اكتسبت منها أشياء كثيرة مفيدة علميا وعمليا وأسهمنا من خلالها في توصيل رسالة عن هويتنا وثقافتنا العربية.
المصدر: وكالة الأنباء الأردنية-بركات الزيود-(بترا)