التسول الإلكتروني!

التسول الإلكتروني!

الدكتورة تغريد سلاسي علي المحارب، الاردن

تعاني العديد من المجتمعات الإنسانية من مشكلات اجتماعية تشكل تحديًا حقيقيًا لإستقرارها واستمرارها وعلى رأس هذه المشكلات البطالة والفقر وارتفاع معدلات الجريمة وتفكك الأسر والطلاق وانتهاك حرية الإنسان وحقوقه، وذلك بسبب التغيرات السريعة الضخمة التي حدثت في كثير من المجتمعات، ومن المشكلات الاجتماعية التي تشكل تحدياً صعباً للمجتمعات مشكلة التسول التي كانت قديمًا بسيطة وكامنة ولكنها تطورت وأصبحت تشكل خطورة على المجتمعات و تهدد أمنها واستقرارها وتعكس آثارًا سلبية عليها وتسيء للمظهر الاجتماعي العام وتعمل على تشويه حضارته.

لقد أصبحت ظاهرة التسول منتشرة في بعض المجتمعات بشكل كبير وخطير، و تختلف أوضاع وأنماط التسول من مجتمع إلى أخر بإختلاف الثقافة والعادات والتقاليد للمجتمع، وتعتبر ظاهرة التسول قديمة جديدة، تعم معظم المجتمعات الانسانية بالرغم من الاختلافات بين هذه الشعوب سواء على الصعيد الإقتصادي اوالاجتماعي اوالثقافي، كما اختلفت حسب الزمان والمكان التي كانت تمارس به في في ظل تغيرات وتحديات مستمره وعلى هذا فان طبيعة هذه التغيرات تفرض نفسها على سلوك الانسان، فأصبح المتسول يبتكر أساليب حديثة وان كانت تختلف في طبيعتها وأنماطها وأليات تشكلها واستمرارها من مجتمع إلى اْخر، كما طرأ تغير على خصائص الجماعات الممارسة لها في ظل التغيرات والتطورات التي تمر بها المجتمعات الانسانية، كما يظن معظم الناس أن التسول ظاهرة حديثة نشأت في العصر الحديث ولكن من خلال ثقافات الشعوب القديمة يتضح أن التسول من الظواهر التي كانت منتشرة في المجتمعات القديمة، حيث كانت تُمارس قديمًا بشكل عفوي وتقليدي وصريح من بعض الشرائح والفئات الاجتماعية المعدومه اقتصادياً، والملاحظ ان الأساليب المتبعة في ممارسة الظاهرة حافظت على شكلها حيث كانت تمارس من خلال طرق الابواب طلبا للخبز او طعاماَ يسد جوعه أو يقف على ابواب الأضرحة سعياً وراء الرزق (جمال1989).

أشكال التسول:

يعتبر التسول طريقه غير مشروعه للكسب والعيش، وبمرور العصور والازمنه ومع التقدم الكنولوجي والتغيرات الراهنه، ابتكرت بعض الطرق غير التقليدية بأساليب متعدده لممارسة التسول ومنها هذه الانواع :

التسول الصريح: وهو التسول الظاهر الواضح وفيه يمد المتسول يده للناس مستجديا والالحاح على الناس في الطرق العامة، وهو من اكثر الأساليب المتبعه في التسول بنسبة 34.9% ( فايز،2002).

التسول المستتر: وهو غير صريح وظاهر وراء عرض اشياء بسيطة او تقديم خدمات رمزيه كبيع سلع بسيطة اومسح زجاج السيارات عند اشارات المرور.

التسول الموسمي: ويمارس هذا النوع فقط في المواسم والمناسبات الدينية كما في الاعياد ورمضان والحج.

التسول الاجباري: ويكون هذا النوع اضطراري في حالات إجبار الأطفال على التسول بدافع من قبل الأسرة (حبيب، 2014) و(حنا ، 2011).

التسول الجانح ويكون التسول مصاحبا بالجنوح والإجرام بحيث تكون الى جانب التسول مهمة السرقة والنصب.

التسول العارض وهو وقتي لعوز طارئ كما في في حالات فقدان المال في السفر.

التسول المخطط له: وهذا الاسلوب جماعي او ضمن عصابة ولها زعيم يقوم بتنظيم اعضاءها، وهنا ينتقل التسول من كونه بسيط وصريح غير جرمي إلى ان يضحي سبيل جرمي لكونه منظما وهدفه غير مشروع و غير شرعي .

التسول الجانح: وهذا النوع يشكل سلوكا منحرفا، ذلك لارتباطه بالجنوح والاجرام، حيث لا يتورع المتسول عن القيام بالاتجار بالمخدرات، والسرقة وغيرها من الاعمال المخلة بالاخلاق والقيم (Fikru,2011).

التسول المرضي: وهذا التسول يصبح جزءا من سلوك المتسول المستمر، والرغبة في جمع الأموال مع عدم وجود حاجة (الوقفي ،2010).

ولعل من المستجدات التي رافقت ظاهرة التسول بروز ما اطلق عليه التسول الالكتروني من خلال طلب المساعده والدعم المالي عبر الإنترنت، ويختلف عن التسول التقليدي كون المتسول مجهول الهويه فلا يمكن معرفة اسمه الحقيقي اومكانته الاجتماعية، فتحول التسول ليكون الكتروني عبر الانترنت مع التطورات التكنولوجي .

لقد بدأ ظهور التسول الالكتروني عام (2002) من خلال ( Karin Bosnak) و التي كتبت على موقعها كل ما احتاجه دولار واحد و حصلت على (13332) دولار، وفي عام (2009) اجرت صحيفة Boston تحقيق صحفي عن التسول عبر الانترنت وتوصلت ان الأمر اصبح ظاهرة عالمية، وأصبح التسول قطاعا مستقلا بذاته على الانترنت، ومن السهل امتلاك بريد الالكتروني ثم تبدأ عملية التسول بحجة بعض الأمراض الخطيره وتسديد ديون، وتختلف اسباب التسول من امور جاده إلى مجرد التسول من باب كسب المال (العبادي 2014 وAbel , 2009).

وللتسول الالكتروني عبر الانترنت اشكال منها:

التسول في غرف الدردشه وهي طريقه تقوم بها الفتيات في الغالب يدخلن إلى غرف الدرداشه ويحاولن التسول من الشباب ،ويتم تحويل الأموال عن طريق ماستر كارد

التسول عبر البريد الالكتروني وهي الطرق التي فيها يتم ارسال رساله عبر البريد الالكتروني وهي طرق اصبحت مشهوره والتي ينخدع فيها أناس واصبحت تنتشر في الوطن العربي ، وتكون على شكل رسائل مزعجه وتوهم المرسل اليه بأنه المرسل محتاج كي يرق قلب مرسل إليه .

التسول عبر الواتس أب وأصبح يعتد البعض من المتسولين إسلوب كتابة تشد قارئ الرساله التي وصلت له عن طريق الخطأ ليقوم المتوسل بإرسال رسائل بشكل عشوائي على كافة مواقع التواصل الاجتماعي لتواصل معه ليكسب منه المال (Albert,2013) مما لفت نظر الجهات المعنيه كوازرة التنميه الاجتماعية إلى إعادة النظر في التشريعات لمواكبة الطرق الجديده الناظمه لعملية جمع التبرعات وكذلك التنبه لوسائل الإعلام المرخصه عدم نشر اعلان لجمع التبرعات الا بعد التاكد من الحصول على الموفقات القانونيه اللازمه (الجمل،2015) وتختلف طرق التسول عبر الانترنت من مجتمع إلى اُخر فيغلب في المجتمعات الغربيه التسول لتحقيق احلام واهداف شخصيه Abel , 2009) ) وفي المقابل في الدول العربية نجد البعض يتسول عن طريق استثارة المشاعر الأنسانيه والإسهام بانه محتاج للمال.

ويعتبر التسول عبر الانترنت ممنهج بشكل افضل ،وذلك لسهولة امتلاك اي اسم ، وكذلك رده فعل من الناس ومدى رغبتهم في مساعدة الاُخرين والاقتناع بالقصص الوهميه المزيفه يتبناها هولاء المتسولين و جعلها من العوامل المحفزه لدى كثير من الأشخاص إلى اتباع هذاالاسلوب دون اتباع الأساليب التقليديه في ممارسة هذا السلوك (العبادي،2014) وذلك نتيجة التطور الكبير في عالم الشبكة العنقودية مما قد سأهم في تحديث أساليب التسول لذوي النفوس الضعيفة باستخدام التطبيقات الالكترونية عبر المواقع التواصل الاجتماعي.

يتضح إن صور وأشكال التسول لا نهايه لها، فصورها وأشكالها بإزدياد وتتطور مع التطور التكنولوجي، وتتنامى مع النمو الحضاري والإقتصادي وحسب طبيعة كل مجتمع. و ساهم تطور الإنترنت إلى تحديث أساليب التسول بإستخدام التطبيقات الالكترونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بدل من التسول الصريح في الشوارع، مما يشكل خطورة في إستغلال الضحايا عن طريق التحايل وإنتحال شخصيات إفتراضية بلا هوية حقيقة ولكي تتلاشى خطورة هذه الظاهرة والحد من إنتشارها فإنها تقع المسؤلية على عاتق الأسرة عن طريق تكثيف الرقابة والمتابعة للأبناء، بالإضافة إلى تعزيز الوازع الديني، وكذلك إلى دور وسائل الإعلام أن تعمل جاهدة في مكافحة كافة أشكال التسول الإلكتروني بالإضافة إلى توعية المواطنين بعدم التعاطف لأي نوع من هذا السلوك، كذلك ضرورة العمل الجاد لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة ومواجهة ظاهرة تعاطي المخدرات.

  • لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية .

المصدر: 
واقع ظاهرة التسول والدور التربوي المستقبلي للأسرة في مواجهتها في الأردن، 
https://theses.ju.edu.jo/Original_Abstract/JUA0810087.pdf

 

مواضيع ذات صلة