برعاية سمو الأمير الحسن بن طلال المعظم جامعات الأردنية واليرموك ودمشق تعقد مؤتمرها الدولي الثاني عشر لتاريخ بلاد الشام

تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال المعظم، التأمت في الساعة العاشرة من صباح اليوم الأحد أعمال المؤتمر الدولي الثاني عشر لتاريخ بلاد الشام بعنوان “الكتابة التاريخية في بلاد الشام في القرون الخمسة الهجرية الأولى”، الذي ينظمه مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام في الجامعة الأردنية بالتعاون مع جامعتي اليرموك ودمشق في مدرج أحمد اللوزي في حرم الجامعة الأردنية.

وأكد سموه، في كلمة له أن الغاية من الحديث حول بلاد الشام هو دق ناقوس الخطر خصوصاً وأن المسألة متعلقة بالهوية، وبناء الاستقلال والمتكامل والمتكافئ بين أقطار المشرق والجزيرة العربية.

وأوضح سموه أن المنطقة المشرقية حظيت بتنوع على الأصعدة كافة، حيث أن القوميات الكبرى في رحابه تستند إلى أعمدة أربعة: عرب، وفرس، وترك، وكرد وقد أغنى وجود هذا التعدد القومي والتنوع الديني واللغوي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المشرق.

وأشار سموه إلى الحاجة لتوجيه الإنفاق نحو الأمن الحقيقي وهو أمن الانسان، خصوصاً في الدول التي تعاني من الحروب والأزمات والمجاعات والفقر، إذ إن مردوداته الإيجابية أكبر بكثير من الإنفاق الأمني العسكري.

وقال سموه “إن هويتنا هي هوية الاستقلال المتكافئ والمتكافل، وهو السبيل لتمتين المنطقة والصوت الإقليمي إزاء العالم، فتعاوننا كدول يحتاج تفاهما حتى نستعيد الرغبة الأكيدة في حماية هويتنا المتعددة، وأن نتذكر أن الهويات الجزئية لا تلغي الهوية الجامعة، وأن البوصلة إذا تحكمت فيها الخامات والتقانة لن يبقى فيها دور للثقافة”.

ووصف سموه ما يحدث في قطاع غزة بأنه نكبة ثالثة ستخرج ضحايا يشكلون مأساة إنسانية تفوق أي تعويضات مادية.

وتابع سموه “ما يحدث دمر جميع شعارات التنمية المستدامة وأبرزها “عدم ترك أحد خلف الركب”.

ونوه سموه إلى أن الحديث عن المشرق يتطلب الأخذ بعين الاعتبار العناصر المتداخلة وهي المساحة والهوية والهجرة والهويات المتعددة، خصوصاً مع سياسات الإماتة التي يستخدمها الاحتلال في حربه على غزة.

ولفت سموه إلى ضرورة الحديث عن الإبادة الثقافية الجماعية في غزة.

وقال سموه إن “الإبادة الثقافية هو غياب الذاكرة المكانية بغياب الأشخاص الذين يحملونها، وهذا ما نشهده بتدمير ممنهج لأحياء ومربعات سكنية بكامل سكانها، لتقتل الذاكرة المكانية بقتل جميع أصحابها”.

وأضاف سموه أن ما يجري ليس صراعًا بين الحضارات أو الثقافات، بل صراعًا حول ماهية الثقافة.

بدوره، قال رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات، إن الأوان قد حان لتغيير المفهوم النمطي للتاريخ باعتباره مادة تصف الماضي، إذ ينبغي اعتباره علم الماضي والحاضر والمستقبل، فالمستقبل يُبنى على الماضي وتجلياته، طارحا أسئلة على المؤتمرين حول مواضيع دقيقة يبحث فيها عنها الإنسان، وأهمها فلسطين الحبيبة التي أشار إلى أنها جزء من بلاد الشام وقد سكنها العرب في الوقت الذي يدعي فيه الآخرون ادعاءات مغايرة، مضيفا “هل يقف التاريخ المعترف به عالميا مع الحق أم إن روايتنا غير واضحة وغير موثقة؟، فالتاريخ ليس سردا لأحداث الماضي بل هو مجموعة من الصور المتكاملة لحياة الناس على أرض وزمان غمرهما الماء وتابع الناس فيهما الحركة، وعليه فإن المؤرخين اليوم مطالبون بخوض مغامرات جريئة في الماضي بأسلوب علمي راق يخدم الحقيقة ويقف معها دون خوف أو وجل”.

وشكر عبيدات سمو الأمير الحسن والحضور، آملا أن يبقى مؤتمر بلاد الشام منارة مضيئة لبلدنا الحبيب والناس أجمعين، ليظل الوطن قويا شامخا في ظل قيادته الهاشمية.

من جانبه، قال رئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مساد إن انعقاد هذا المؤتمر اليوم يأتي لإدامة البحث التاريخي الذي تحرص الجامعات الأردنية على تكريس الاهتمام به وتعزيزه، فالاهتمام بالتاريخ والبحث في ثناياه وتقليب صفحات مصادرنا ووثائقنا يساهم في الكشف عن غموض الكثير من خبايا الماضي ويؤسس لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، ويعزز فكرة أن دراسة التاريخ ليست رفاهية، فالتاريخ هو هوية الأمة، وفيه نقرأ مجدها وانتصاراتها وعظمة نهضتها في مراحل شهدت فيها الكثير من التحديات التي رافقتها، لافتا إلى أننا نرى التاريخ مرآة الزمان لأمتنا العظيمة التي كانت خير أمة أُخرجت للناس. 

بدوره، قال رئيس مجلس مركز الوثائق والمخطوطات ودراسات بلاد الشام الدكتور محمد عدنان البخيت، إن انعقاد هذا المؤتمر مستمر منذ افتتاحه على يد جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله يوم السبت الموافق 20 نيسان 1974، وبحضور سمو الأمير الحسن بن طلال واظب القائمون على عقده بالتناوب بين الجامعة الأردنية وجامعة دمشق، ثم جاء انضمام جامعة اليرموك إلى هذه المسيرة التي اتسمت بالموضوعية والتقييم الدقيق للبحوث لبيان مدى صلاحيتها للإلقاء والنشر، وبذلك تمكنا من الاحتفاظ بهذا المستوى الرفيع للمؤتمر، مشيرا إلى انعقاد أحد عشر مؤتمرا تخللها عدد من الندوات العلمية المنشورة في خمسة وثلاثين مجلدا بلغ عدد صفحاتها 17203 صفحة. 

ولفت البخيت إلى استضافة سمو الأمير الحسن لأحد الأساتذة الكبار لدراسة ما نشر وإعادة صياغته، وتعاقد المؤتمر مع أستاذ آخر لترجمة الأوامر السلطانية الواردة في دفاتر المهمة العثمانية، ومضيّ هذا اثنين وخمسون عاما على عمل المؤتمر حتى أصبح مدرسة بحثية اعتلى منبرها عدد من كبار المؤرخين، مضى بعضهم إلى رحمة الله، إلا أن المسيرة ما زالت مستمرة. 

وينقعد المؤتمر على مدار أربعة أيام، حيث بدأت جلساته اليوم بحضور سمو الأمير الحسن بن طلال، بورقة عمل للدكتور أحمد الشبول حول “مقاربة منهجية لأهمية المعرفة الجغرافية والبلدانية والخبرة الشخصية في كتابة التاريخ الاجتماعي لبلاد الشام في القرون الخمسة الهجرية الأولى”، وتناولت الورقة الثانية للدكتور المهدي الرواضية “ملامح المدرسة التاريخية الدمشقية واتجاهاتها في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي”، وجاءت ورقة الدكتور بشار معروف والدكتور محمود عواد بعنوان “مؤرخو المغازي في بلاد الشام الوليد بن مسلم (119-195ه/737-810م نموذجا”، كما تناول الدكتور مضر طلفاح والدكتور عصام عقلة “المؤرخ الدمشقي الهيثم بن عمران (ت 199ه/814م ) وكتابه في التاريخ”. 

وفي يوم المؤتمر الثاني، سيُقدّم الدكتور إحسان ذنون الثامري “التواريخ السريانية المترجمة للعربية مع التركيز على تاريخ الزوقنيني”، وسيتناول الدكتور أسعد العامري “المؤرخون السريان وتأريخهم للكوارث الطبيعية والأوبئة في بلاد الشام: الزوقينيني أنموذجا”، وسيتناول الدكتور جوني منصور “أغابيوس بن قسطنطين المنبجي والمعروف باسم محبوب وكتابه العنوان”، وستتناول الدكتورة هزار أبرم “أخبار العرب والمسلمين في بلاد الشام عند المؤرخين السريان”، وسيتناول الدكتور فؤاد الدويكات “الحوليات الأركمنية وأهميتها في الكتابة التاريخية عن بلاد الشام: تاريخ الراهب غيفونت أنموذجا 11هـ/171 هـ /632-757م”، كما سيتناول الدكتور حسين القهواتي “أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي ( ت بعد العام 375 هـ / 985م) حياته، ألقابه، منهجه، مصادره، وصفه لمدن بلاد الشام”، وسيتناول الدكتور فالح حسين “الوثائق البردية العربية كمصدر من مصادر الكتابة التاريخية في بلاد الشام في القرنين الأوليين للهجرة / السابع والثامن للميلاد من خلال برديات عوجا الحفير (نصتان) وخربة المرد في فلسطين”، وسيتناول الدكتور توفيق دعادلة “قصر الصنبرة، مشتى الخليفة معاوية بن أبي سفيان وعبد الملك بن مروان”، وسيتناول الدكتور علي المناصير “نقوش البادية الشمالية الشرقية الأردنية في القرون الخمسة الهجرية الأولى ودلالاتها التاريخية”، كما سيتناول الدكتور عليان الجالودي والدكتور فتحى الشواورة “المدونات الشامية عن تاريخ سلاجقة بلاد الشام حتى نهاية القرن 5هـ / 11م”.

وفي اليوم الثالث للمؤتمر، ستتناول الدكتورة منيرة القحطاني “كتاب تسمية أمراء دمشق لأبي الحسين الرازي (ت 347هـ / 958م) كمصدر لابن عساكر”، وسيتناول الدكتور رياض حاج ياسين والدكتور غازي العطنة “تاريخ مولد العلماء ووفياتهم لأبي سليمان محمد بن عبدالله بن أحمد بن زبر الربعي الدمشقي (ت 379هـ / 990م) دراسة تاريخية منهجية”، وسيتناول الدكتور فوزي الطواهية والدكتور رؤوف الشريفيين “أبو الحسن على بن محمد الحنائي (ت 428هـ / 1037م) وكتابة التاريخ”، وسيتناول الدكتور عمر العمري والدكتورة ميسون عبد الدين “أبو الحسن علي بن محمد الربعي المعروف بابن أبي الهول (ت 444هـ / 1052م) ومنهجه في الكتابة التاريخية – كتاب فضائل الشام ودمشق أنموذجا”، وسيتناول الدكتور محمد خليفات “المؤرخون الوافدون إلى مدينة دمشق في القرنين الرابع والخامس الهجريين/ العاشر والحادي عشر الميلاديين، ودورهم في تنشيط حركة الكتابة التاريخية فيها”، وسيتناول الدكتور إيهاب زاهر “محمد بن سعيد القشيري مؤرخا (ت 334هـ/945م)”، وسيتناول الدكتور عبد المجيد علي “وجهات نظر المستشرقين الألمان تجاه مصادر التأريخ الشامية – أبو زرعة الدمشقي أنموذجا”، وسيتناول الدكتور عدنان ملحم “المقدسي البشاري أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر (ت 375هـ / 985م) وكتابه: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم دراسة تاريخية منهجية”، وسيتناول الدكتور وليد العريض والدكتور محمود جاد الله “أبو المعالي مشرف بن المرجي المقدسي (من أهل القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر ميلادي) ومنهجه في الكتابة التاريخية – كتاب فضائل بيت المقدس أنموذجاًط”.

أما اليوم الرابع والأخير للمؤتمر سيتناول الدكتور سمير الدروبي “شعر الوزير المغربي وشعر أبي الحسن التهامي مصدرا لتاريخ بلاد الشام في القرنين الرابع والخامس الهجريين (360-420هـ)”، وسيتناول الدكتور إبراهيم السعافين “الحياة الاجتماعية في أدب أبي العلاء المعري”، وستتناول الدكتورة مريم العلي “تاريخ ابن عساكر”، وستتناول الدكتورة جمانة بغدادي “مناهج نخبة من المحدثين الإخباريين والمؤرخين من أهل بلاد الشام في كتابة تاريخ الشام السياسي والثقافي والاقتصادي خلال القرون الخمسة الهجرية الأولى”. 

ومن الجدير ذكره، أن مؤتمر مؤتمر تاريخ بلاد الشام انعقد لأول مره في الجامعة الأردنية في العام 1974م، وتناولت المؤتمرات اللاحقة موضوعات متعددة في تاريخ بلاد الشام عبر الحقب التاريخية المختلفة، وسلطت الضوء على جوانب متعددة في تاريخ بلاد الشام السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودرست تطور النظم والمؤسسات ذات الصلة ببلاد الشام في أقطارها الأربعة (الأردن، فلسطين، سوريا، لبنان)، كما شارك فيها المئات من الباحثين الذين يمثلون عددا من الجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأردنية والعربية والعالمية.

وإلى جانب المؤتمرات ونشر حصيلة أعمالها، تصدت لجنة تاريخ بلاد الشام لنشر العديد من الدراسات المتخصصة، والفهارس التحليلية ذات الصلة بتاريخ بلاد الشام عموما وتاريخ الأردن خصوصا. 

المصدر: أخبار الجامعة الأردنية (أ ج أ) قصي الطراونة. 

مواضيع ذات صلة