اقتفاءً لرائد المسرح الألماني برتولت بريخت الذي كان يعتمد على إشراك المشاهد في اللعبة المسرحية، بصفته العنصر الأهم في تكوين العمل المسرحى المحفّز على التأمل والتفكير، باتت اليوم مسرحة المناهج الدراسية، أسلوبا تعليمياً متبعاً، حيث تتحوّل البيئة الصفية إلى بيئة تفاعلية بين المشاهدين والمسرحيين غايتها تسهيل العملية التعليمية وتبسيطها وترسيخ معلومات المباحث العلمية من خلال إدماج المسرح في المناهج الدراسية،
وكانت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) عملت على إصدار مجموعة من الأدلة الهادفة إلى ترسيخ الهوية الثقافية المسرحية في العالم الإسلامي، وإعداد دراسة توجيهية حول التربية الفنية والمسرحية الموجهة للتلاميذ، بهدف دعم جميع أنواع الفنون وبالأخص المسرح.
خبراء بمناسبة اليوم العالمي للمسرح الذي يصادف غدا الأربعاء إلى تعزيز مكانة مثل هذا النوع من المسارح، إذ تسهم مسرحة المناهج في تخفيف نتاجات عملية التربية والتعليم واستخدامها كاستراتيجية فاعلة للتدريس، وتسهم في نمو شخصية الطالب فكريا وبدنيا، وتؤدي إلى خلق الشخصية الواعية المتكاملة القادرة على ربط المفهوم النظري بالواقع العملي الملموس ومواجهة المواقف الحياتية بشجاعة وثبات.
المخرج المسرحي في مدرسة بوابة الأمجاد التربوية محمود البطاينة، أشار إلى أن مسرحة المناهج الدراسية تعد من استراتيجيات التدريس الممتعة التي يتم من خلالها الخروج من القالب التقليدي الجدي إلى قالب يمزج بين التعليم واللعب ليضفي على الدروس المتعة والتشويق؛ ما يساعد في جذب انتباه المتعلم وشد انتباهه وهذا ما تم تطبيقه وتفعيله مع الطلاب في مدرستنا من خلال ربط المنهاج بالمسرح وتجسيد مسرحية” انتصار” التي تجسد كفاح الشعب الفلسطيني ودفاعه عن أرضه وتضحيته بكل ما يملك ليدافع عن هذه الأرض المقدسة.
وأضاف: لقد حصلت مدرستنا على المركز الأول بمسابقة مسرحة المنهاج التي عُقِدَت على مستوى مديرية قصبة إربد بإشراف رجاء الطيطي والتنسيق هبة ادعيس وإخراج وتأليف سناء بوادي جسدها طالبات الصف الخامس والسادس، من خلال المسرحية يُعْرَض فيها لدور الهاشميين في حماية المقدسات ودورهم في حماية ومساندة شعب فلسطين.
ولفت إلى أن المسرحية تبدأ بأجمل الأبيات الشعرية من قصيدة “سأحمل روحي على راحتي” التي أخذت من منهاج الصف السادس من مادة اللغة العربية، وفي جانب من المسرح يجلس مجموعة من الفتيات يلعبن، وفي جهة أخرى تقف الأم الفلسطينية التي ما باتت تدعو الله لحماية هذه الأرض المقدسة”فلسطين”، ويتمكّن من مواجهة العدو، لتنتهي المسرحية بالاحتفال بالانتصار على أجمل الأنغام التي تغني فلسطين بكل لغات العالم “انتصار”.
الخبيرة المتخصصة في الدراما التعليمية الدكتورة راية سالم العقيل، بينت أن نتاجات مسرحة المنهاج تتمثل بتنمية مهارات التواصل لدى الطلبة وبناء الشخصية القيادية لدى الطلبة، وتنمية روح العمل ضمن فريق، وتعزيز قيم الانتماء والولاء، والمواطنة الصالحة عند الطلبة، واحترام الوقت وأهميته في الحياة.
وعن المسرحيات التي تُعَدّ ضمن المباحث العلمية كالرياضيات، والتي عُرِضَت مؤخرا في مدارس الكلية العلمية الإسلامية بعنوان (فانتازيا الحساب)، أشارت إلى أهمية هذا النوع من المسرحيات، إذ تعرّف الطلبة بأهمية الرياضيات في الحياة، وتنمية اتجاهات إيجابية نحو هذا المبحث، وتمكين الطلبة من المفاهيم والمهارات الرياضية، مبينة أن الطلبة الذكور يميلون إلى الألعاب الرياضية، خاصة كرة القدم التي تستهويهم؛ فأحببت أن أكتب مسرحية تؤكد للطالب مدى ارتباط الرياضيات بالواقع وبما يأسرهم فهم يتوقعون أن لاعب الكرة بعيد عن الرياضيات، بينما الرياضيات تحكم مساحات الملعب واحتمالات الفوز والخسارة ومدة المباراة وحتى من الناحية الجسمية وبناء الجسم بنسب وكتل البروتين.
وتتشارك مشرفة الرياضيات في مدارس الكلية العلمية الإسلامية الدكتورة لانا عرفة، مع ما ذهبت إليه الدكتورة عقيل، لافتة إلى أن فكرة مسرحية (فانتازيا الحساب) أتت من قبل معلمة الرياضيات رنيم أبو سل، التي كانت تبحث بصورة مستمرة عن أساليب مشوقة لجذب انتباه الطلبة ومساعدتهم على ربط الرياضيات بالحياة، مشيرة الى أنها لاحظت من خلال تعاملها مع طلبة الصف الخامس أن الدراما تثير انتباههم، وتزيد دافعيتهم نحو التعلم، وتساعدهم على التعلم بطريقة سهلة وسريعة.
وعن كيفية الإعداد والتحضير والإخراج للمسرحية، أشارت إلى أنه من خلال تواصل معلمة الرياضيات مع زميلتها في المدرسة وهي معلمة الدراما، طرحت عليها الفكرة، حيث اقتنعت بها، وعملتا معًا كفريق على وضع الفكرة العامة للمسرحية، حيث قامت معلمة الدراما المبدعة بكتابة السيناريو وإخراجه، وعُرِض على مشرفة الرياضيات لتحريره علميًا، ثم على مشرفة اللغة العربية لتحريره لغويًا، وتقديمه للطلبة ليحفظوه، ونُفِّذَت جلسات لتدريب الطلبة على تمثيل النصوص بين أيديهم تحت إشراف المعلمتين المبدعتين.
واكدت أهمية هذه المسارح للطلبة، قائلة: “إن تفعيل الدراما الإبداعية يثير انتباه الطلبة، وينمي لديهم مهارات التواصل، والثقة بالنفس، وتفجر لديهم الطاقات الإبداعية، و تزيد من قدرتهم على التخيل والإدراك والملاحظة، وتنمي لديهم مهارات التفكير والتفاعلات اللغوية، وتكسبهم خبرات اجتماعية، والقدرة على النقد البناء”.
وعن أهمية دراسة خصائص واحتياجات الطلبة وتجسيدها بطريقة إبداعية في المسرح، بينت عرفة أن المعرفة بالخصائص النمائية للفئة المستهدفة شيء هام جدا، حيث أن نظرية برونر للإدراك تبين أهمية استغلال أفعال الطلبة كوسائل للإيضاح، وطلبة الصفين الخامس والسادس بطبيعتهم حركيين، لذا تم اختيار هذه الفئة لتنمية المهارات الوجدانية والانفعالية والحركية لديهم.
مدير إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم الدكتور أجمل الطويقات، قال ان قسم المسرح والموسيقى في إدارة النشاطات التربوية في وزارة التربية والتعليم ينظم مهرجان المسرح المدرسي ومسرحة المناهج الثاني في الأقاليم، والذي انطلق لأول مرة العام الماضي، وأصبح يقام بشكل سنوي ضمن خطتها السنوية، ويشمل المهرجان عروضا مسرحية يقدمها الطلبة بإشراف المعلمين والمعلمات، سواء كانوا مختصين أو غير مختصين في مجال المسرح.
وبين أنه يبدأ التحضير لهذا المهرجان منذ بداية العام الدراسي وبمشاركة واسعة من المدارس في جميع أنحاء المملكة، ويبدأ التنافس على مستوى مديريات التربية والتعليم بإقامة مهرجانات مسرحية على مستوى المديرية، ويتم من خلالها التنافس بين المدارس على الفوز بالمركز الأول سواء بالمسرح المدرسي أو مسرحة المناهج، والذي يتأهل الفائز بالمركز الأول على مستوى المديرية للمشاركة للتنافس على مستوى الأقاليم في مهرجان المسرح المدرسي ومسرحة المناهج على مستوى الأقاليم.
ولفت الطويقات إلى أن المهرجان يشمل مسارين مختلفين هما المسرح المدرسي ومسرحة المناهج. ويشمل المسرح المدرسي العروض المسرحية التي تتناول موضوعات مختلفة سواء وطنية أو اجتماعية أو تاريخية أو أي موضوع يمس الطالب وحياته، وكانت هذا العام مبادرة وزارة التربية والتعليم (لمدرستي أنتمي) أحد الموضوعات التي تناولتها العروض المسرحية؛ نظراً لأهميتها وتأثيرها المباشر على الطالب والبيئة التعليمية والمدرسة.
ويتركز العمل على أداء الطلبة والإخراج الجيد والجانب الفني، ويتم تحكيم المسابقة من خلال تقييم جميع عناصر العمل المسرحي من موضوع ولغة وتمثيل واخراج وسينوغرافيا العرض المسرحي وهنا يكون العمل المسرحي خارج إطار الغرفة الصفية.
وأضاف: يهدف هذا النوع من المسرح إلى تعزيز واكتشاف المواهب وتنميتها بالشكل الصحيح وتعزيز الروح الوطنية والولاء والانتماء لدى الطالب وزرع حب الوطن في وجدانهم، وأيضا تقوية اللغة العربية وتحفيز الطلبة على استخدامها واكتشافها بطريقة سليمة، وإثراء ثقافة الطالب بموضوعات مختلفة.
ولهذا النوع المسرحي الأثر الكبير على الطلبة للعمل كفريق وتعزيز سمة القيادة والأثر الإيجابي على شخصية الطالب، ومن ايجابياته معالجة بعض الصفات السلبية وبعض الأمراض مثل ضعف الشخصية والحياء غير المرغوب وتعزيز الصفات الإيجابية.
فيما المسار الثاني وهو مسرحة المناهج يركز على تحويل الدرس إلى مواقف أو عمل مسرحي من خلال تحويل الدرس إلى قصة ذات زمان ومكان وشخصيات وعرض هذه القصة باقي الطلبة؛ ما يسهل فهم الدرس وهي استراتيجية من الاستراتيجيات التعليمية المهمة ولدى الوزارة توجه واضح في هذا المجال.
وقال، بعد الانتهاء من مهرجان المسرح المدرسي ومسرحة المناهج في الأقاليم، يبدأ الإعداد للمهرجان السنوي لوزارة التربية والتعليم بعد شهر رمضان المبارك، وستشارك فيه أفضل خمسة أعمال من المسرح المدرسي وخمسة أعمال مسرحة مناهج بعد العمل على تطوير أعمالهم والعمل عليها، ليتم التنافس بينها خلال فترة خمسة أيام من العروض المسرحية تمهيداً لاختيار العمل الذي سيشارك بمهرجان المسرح المدرسي العربي الأول باسم وزارة التربية والتعليم، والذي سيقام في شهر أيار القادم في عمان.
المخرج عيسى الجراح بين أن مسرحة المنهاج تعتبر من أنجح الوسائط التربوية لتحقيق الخبرة المباشرة سواء للمؤدي والمتلقي.
ولأن العملية التربوية خرجت من كونها معلومة تُمْلأ بها عقول التلاميذ إلى خبرات يكتسبها الفرد لكي يتفاعل مع حياته بشكل أفضل والمسرح يستخدم كوسيلة تعليمية هامة لشرح الدروس وتبسيطها وتجسيدها في صورة سمعية وبصرية وهنا يصبح المسرح مجرد وسيلة، وليس هدفا بحد ذاته، ويستخدم ويستثمر لصالح المواد الدراسية فهو أسلوب تعليمي ووسيلة إيضاح، وفقا للجراح.
وأوضح أن قيمة المسرح التعليمي والمنهجي هو صقل الشخصية وتعديل السلوك، وإنه بيئة خصبة وداعمة لإظهار المواهب الطلابية والطاقات الداخلية وبلورتها فنيا في إطار تعليمي مبهر ومشوق.
وأكّد ضرورة تعزيز مكانة الدراما التعليمية ودورها في تخفيف نتاجات عملية التربية والتعليم واستخدامها كإستراتيجية فاعلة للتدريس؛ حيث تعد بيئة داعمة ولها القدرة على مواكبة التطور لتصبح مكونا أصيلا يسهم في تنمية الملكات والقدرات المكنونة لدى الفرد، ففيها إثارة العاطفة والوجدان والخيال، وهذه مجتمعة ما ينادي به علماء النفس والتربية والاجتماع.
وتطرق الجراح إلى أن غاية المنهاج التربوي (الدراما التربوية ومسرحة المنهاج ومسرح الدمى) هو “كل درس مكتوب ينبغي أن نضيفه إلى مادة متحركة ضمن عالم تربوي هادف يشارك في إيصالها جميع الطلبة، ويتشاركون في المنهاج والدرس المسرحيّ داخل الصف، بحيث لا يوجد تفرقة في المشاركة، بل الجميع داخل الصف يؤدي والجميع سواسية؛ لأن هذه الاستراتيجية تخضعهم للعدل في توزيع الأدوار وتكافؤ الفرص في التعليم وتلقي المعلومة.
ولفت إلى أن مسرحة المنهاج عالم مليء بالمحبة والفرح، عالم يسوده اللعب وعدم التشتت والانتباه، عالم طفولي وتعاون فطري وتشكيل مجموعة ضمن فضاءات التنافس والإقدام والتشجيع والتحفيز والالتصاق بالمعلومة التربوية والمعلومة الاجتماعية وحب الانضباط داخل مجموعة وعدم المغادرة.
وقال الجراح، لا يوجد في مسرح المنهاج من هو متفوق وغير متفوق، فالطلبة هم من يصنعون التميز بتقدمهم وتميزهم وحاضرهم ومستقبلهم الذي يتوصلون للمعلومة دون ضغط أو انتظار علامة قد تحدد مصيرهم.
ولفت إلى أن مسرحة المنهاج تفاعل واستجابة بين المعلم وطلابه، وهذا التفاعل يجعل المعلم يستمتع ويشعر أن المعلومة قد لا تحتاج إلى حصص تقوية لتثبيتها؛ لأنها خرجت من أعماق قلبه عندما أداها الطالب الذي لن ينساها ما دام حياً، ولأنه أصبح جزءاً منها، ولم يحفظها يقولها كقصيدة ونصوص متنوعة ومختلفة في كل المواد الدراسية.
وأضاف، إن مسرحة المنهاج حالة من الوعي والمعرفة، والثقة والنطق السليم، وتثبيت المعلومة لدى الطالب عندما يكون الصف هو مسرح تتكسر عليه ارتكاز المعلومة ونقلها بدون عملية تلقين وتمرد على الشكل الكلاسيكي المعروف، والذي لا يكون فيه المتعة للطالب”.
وعن مسرحة المنهاج ، لفت إلى أن الوزارة استطاعت من خلال تكريس مهرجان مسرحة المنهاج الذي يقام سنويا تعزيز هذه الاستراتيجية المهمة داخل المدرسة والصف وكذلك الورش التي تعملها الوزارة كل عام في المديريات للمتخصصين وغير المتخصصين؛ ما يفرز حالة وعي حقيقي بمسرحة الدرس وتأليف وإنتاج الدروس مرة أخرى يشترك بها جميع الطلبة، وتسهم بفهم الدرس؛ لأنه مثله وقدمه عن طريق المسرح، وعاش الفعل الذي لا ينسى.
يشار إلى أن العالم يحتفل في السابع والعشرين من آذار كل عام باليوم العالمي للمسرح، إبرازا لدور الفن في تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، وإذكاء للوعي بأهميته، باعتباره مصدر إلهام ومرآة للتنوع والانفتاح الثقافي، وجزءا لا يتجزأ من التراث الحضاري غير المادي الذي يعبر عن قيم الانتماء والتعايش السلمي. المصدر: وكالة الأنباء الأردنية. المصدر: وكالة الأنباء الأردنية -(بترا).
Post Views: 561