أهمية محفزات الألعاب (Gamification) في تعلم الطلبة

الدكتور حازم رياض عناقرة،

أستاذ مساعد، مدرس معلمين ، برنامج الدبلوم العالي لإعداد المعلمين، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية.

تواجه العملية التعليمية-التعلمية بكافة أطيافها العديد من التحديات المتعلقة بالمستجدات والتطورات المتلاحقة في ظل التسارع المعرفي والإنفجار العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم بأسره، إضافة إلى التغيرات التي أحدثتها جائحة COVID19، مما يستوجب الاهتمام بهذه التغيرات ومواجهتها بدرجة كبيرة من المعرفة المتنامية والمهارات عالية الكفاءة التي من شأنها تلبية الاحتياجات التعليمية بشكل عام بما ينسجم مع الرؤية الحديثة نحو عمليتي التعلم والتعليم ومواكبة احتياجات المتعلّمين بصورة خاصّة، وهذا بدوره استدعى العديد من المؤسسات التعليمية إلى توظيف البرامج والتطبيقات والمنصات التعليمية وتطبيق التعلّم الإلكتروني بهدف توفير بيئة تعليمية تقنية افتراضية بغية إبقاء الطلبة على اتصال بتعلّمهم، مما أسهم بشكل ملحوظ بتغيير دفة العملية التعليمية نحو آفاق مستقبلية جديدة ومنظور تعليمي مختلف يعتمد بشكل أساسي على التكنولوجيا.

وأفرزت ثورة التعليم الإلكتروني عددًا متنوعًا من الأنظمة التي يُمكن استخدامها في عمليات التعليم والتعلم، ومن بين هذه الأنظمة بيئات التعلم الرقمية والتي تمنح الطلبة والمعلمين وأولياء الأمور الفرصة للوصول إلى الأعمال الفصلية والمعلومات والأدوات والمصادر لدعم عمليتي التعلم والتعليم، وتُشكل هذه البيئات شبكات تعليمية آمنة تمنح المعلمين طرقًا بسيطة لإنشاء وإدارة الفصول الدراسية، وتوفر بيئة خصبة للتفاعل بين المعلمين والمتعلمين تتخطى حدود الزمان والمكان، وتشبه بيئات التعلم الرقمية إلى حد كبير أنظمة إدارة التعلم Learning Management System  التي تمثل مجموعة متكاملة من البرامج لإدارة وتنظيم البرامج الدراسية والمحتوى المعرفي وتوفر مجموعة من الأدوات للتحكم في عملية التعلم .

وتتميز بيئات التعلم الرقمية بقدرتها على عرض المحتوى الرقمي بطرق سلسة تبتعد عن الأسلوب التقليدي الذي تعتمد عليها أنظمة التعليم الإلكتروني الأخرى كالبرمجيات والمقررات الإلكترونية، حيث تعتمد على عناصر وأساليب الألعاب الرقمية في محتويات التعلم التي يتم تقديمها على شكل مهام معينة، وتنفيذ كل مهمة من قبل المتعلمين يقابله مكافآت ومحفزات محددة لكل متعلم؛ فتعتمد على الشارات والنقاط والمستويات ولوحات المتصدرين لمكافأة وتحفيز المتعلمين لإتمام المهام.

 وتُعرف  محفزات الألعاب(Gamification) بأنها استخدام عناصر الألعاب في سياقات غير سياقات اللعب، حيث تقوم على تحويل عملية التعلم بأكملها إلى لعبة، وتأخذ ميكانيكا الألعاب وعناصرها وتقوم بتطبيقها على محتوى التعلم وتزيد من دافعية المتعلمين وانخراطهم في التعلم. ويختلف مفهوم محفزات الألعاب(Gamification) عن مفهوم التعلم القائم على اللعب، فالتعلم القائم على اللعب يحقق نتاجاته وغاياته التربوية باستخدام لعبة رئيسية أو عدة ألعاب تكون هي الجوهر الأساسي للموقف التعليمي، بينما لا تعتمد محفزات الألعاب على لعبة محددة؛ بل توظف بعض عناصر الألعاب أو مبادئها مثل: الشارات Badge ، والنقاط Points، والهدايا Gifts، ولوحات المتصدرين Leaderboards، داخل الأنشطة والمهمات التعليمية؛ بهدف تحفيز المتعلمين ومكافأتهم بما يضمن الحفاظ على مستوى عالٍ ومستمر من الدافعية والرغبة العالية لإكمال أحداث وفعاليات التعلم.

 وتلعيب البيئات التعليمية يعني وجود تحديات داخل الموقف التعليمي، وأن هناك مهامًّا وأعمالًا محددة يجب أن ينفذها المتعلمون، من خلال المرور بمستويات معينة، وهذا يعتمد على ما يجمعه المتعلم من نقاط محددة نتيجة إكمال المهام المطلوبة منه، إضافة إلى وجود شارات للإنجاز تكون بمثابة مكافأة لاستكمال الإجراءات والمهمات، كما يتم ترتيب المتعلمين وفقًا لمعدلات إنجازهم. وتكمن قوة محفزات الألعاب بعناصرها والتي تُمكن المتعلم من المشاركة الفعّالة في التعلم من خلال إنجاز أو إتمام مهمة معينة، والتغلب على التحديات وحل المشكلات التي تواجه خلال تعلمه، والحصول على التغذية الراجعّة وهذا ما يساعد في تنمية خبرات التعلم المختلفة.

وتعد تقنية التعلم باستخدام تقنيات الألعاب التحفيزية (Gamification) أحد أنماط التعليم الإلكتروني التي تهدف إلى تنمية مهارات المتعلّم واستعداداته وزيادة دافعيته للتعلّم، وإمكانية تطبيق المعرفة داخل العالم الافتراضي ودعم عمليات التعلّم وتسهيلها. وتعتبر محفزات الألعاب من أحدث تقنيات التعليم التي أثبتت البحوث والدراسات فاعليتها في التعليم مثل دراسة (Arnab & et al,2016;  Hanus & Fox, 2015).

وتبرز أهمية التعلم باستخدام محفزات الألعاب بكونها تقدم نهجًا فريدًا في الجمع بين تعليم المحتوى ومهارات القرن الواحد والعشرين، وتدعو إلى الاستفادة من عناصر الألعاب وتوظيفها كدافع جاذب للمتعلمين بما يتناسب مع ميولهم واهتماماتهم ومساعدتهم على الاندماج في تعلّمهم وإتمام المهام التعليمية المطلوبة منهم على أكمل وجه في إطار تلعيبي يتسم بالمرح والحماسة وبالتالي تحقيق الأهداف التعليمية المنشودة.

وتستند  تقنيات الألعاب التحفيزية (Gamification) على العديد من نظريات التعلم وعلم النفس التربوي التي من شأنها أن تُفسر السلوك التعلّمي لدى الطلبة مثل نظرية الدافعية الداخلية والخارجية، ونظرية التدفق (Flow Theory) ونظرية موراي، ونظرية التوجهات السببية، ونظرية التكامل العضوي، ونظرية رايجلوث التوسعية، والنظرية المعرفية البنائية، ونظرية التعلم الاجتماعية ونظرية النشاط، وتتماشى مع خصائص دورة النمو للطفل واليافع، كما يُمكن من خلالها توظيف العديد من استراتيجيات التدريس الحديثة بأسلوب عملي وحياتي  أكثر تركيزًا وواقعية مثل استراتيجية التفكير البصري، واستراتيجية الصف المقلوب (المعكوس)، والخرائط الذهنية والمفاهيمية، وحل المشكلات، والاستقصاء، والنمذجة، والمحاججة، والاستقصاء الموجه، كما توظف استراتيجيات التقويم الواقعي وأدواته؛ مثل المهمات التعليمية، الاختبارات الإلكترونية، الرصد، وصف سير التعلّم، وتقديم التغذية الراجعة، وملف الإنجاز والتقويم الذاتي، من هنا يمكن القول بأن هذه التقنية يمكن تكييفها حسب الفئة العمرية المراد دعم تعلمها عبرها.

 إن من مبررات استخدام محفزات الألعاب في العملية التعليمية أنها تُعد وسيلة لتصميم الأنظمة التي تحفز المتعلمين على المشاركة، وتعزيز رغبتهم في تنمية علاقتهم بالموسسة التعليمية أو عملية التعلم. وتُتيح محفزات الألعاب إمكانية التجريب؛ فمن المتوقع مواجهة بعض الفشل، ولكن يمكن البدء مرة ثانية وثالثة حتى يتم إكمال ما هو مطلوب، وهذا يشجع المتعلمين على الاستمرار بالتعلم واستخدام أساليب جديدة ومختلفة لإيجاد حلول أفضل. كما أن محفزات الألعاب تؤتي ثمارها من العائد المرجو منها، فعلى الرغم من حداثة هذه الممارسة، إلا أن عددًا من الشركات قد شهدت نتائج إيجابية كبيرة من دمج عناصر الألعاب في عملياتها التجارية  مثل: نايك ومايكروسوفت وسامسنوج ومن هنا تأتي أهمية استخدام محفزات الألعاب في العملية التعليمية.

                                                       

مواضيع ذات صلة