التربية الوسطية للحد من العنف وتحقيق الأمن المجتمعي

الدكتورة ريم مشرف العيفان، دكتوراة في أصول التربية

يُلاحظ في الآونة الأخيرة انتشار ظاهرة العنف في المجتمع الأردني، وهذا ليس حكراً على المجتمع الأردني وإنما أصبحت ظاهرة عالمية تًعاني منها جميع الشعوب وبنسب متفاوتة تختلف باختلاف الثقافات والقيم والقوانين المتبعة في كل بلد، وهنا العنف يرد الى عدة عوامل منها سياسية واجتماعية،واقتصادية ،كانتشار الفقروالبطالة، والجهل، وغياب العدالة والإستقرار، وضياع مقدرات الأوطان، ، مما يؤدي الى تأخير عجلة التنمية اللازمة لتطور الشعوب وبناء الأمم، وقبل ذلك تنمية الإنسان الذي على يديه يحصل التقدم والتطور، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأفراد في المجتمعات وخصوصا الشباب، مما أدى إلى حالة من السلبية، فوَلَّدَ اتجاهاً متطرفاً لدى بعضهم، سواء أكان متشدداً أم متساهلاً بحيث ابتعد عن جادة الحق.

وتلجأ المجتمعات إلى التربية لتوجيه سلوك أفرادها وتعديل اتجاهاتهم، فالتربية عملية ضرورية للإنسان، لأنها تمكنه من تدريب صغاره على طرق العيش، كما تمكنه من المحافظة على أهداف حياته، وهي عملية ضرورية لمواجهة الحياة ومتطلباتها، وتنظيم السلوكات العامة في المجتمع من أجل العيش بين الجماعة عيشةً ملائمة. وضرورة التربية لكل من المجتمع والأفراد تظهر في نقل التراث الثقافي، والاحتفاظ به، وتنقيته من الشوائب، وتعديله، وبالتالي استمراره وازدهاره وتطوره وبقائه (ناصر، 2011).

ويتم ذلك من خلال عدة مؤسسات تربوية ومنها الجامعات، التي تقوم بالنهوض بالشباب وتنمية أفكارهم وتسليحهم بالعلم والمعرفة، وتحصينهم من كل الأفكار الدخيلة عليهم، وتأسيس مبادئ الحوار، وتقبل الآخر، واحترام الآراء المختلفة دون تشدد، لأن الشباب في هذه المرحلة تتشكل لديهم القناعات والإتجاهات. والجامعات مؤسسات تربوية تعليمية ، تسعى لتعزيز القيم الإيجابية والبناء عليها، فهي تحمل على عاتقها إعداد كوادر بشرية تعمل على تربية الفرد وتأهيله علمياً وأخلاقياً وأخلاقياً،فهي مؤسسة مجتمعية تعمل على بناء المواطن الصالح المتميز بسلوكه الأخلاقي والتي توجهه قيم الأمانة والأخلاق والصدق (العقيل والحياري،2014).

نُلاحظ أهمية نشر قيم الوسطية بين شباب الأمة،لأنهم يشكلون جزءاً كبيرا في المجتمع الأردني وذلك من خلال التعليم المدرسي والجامعي، الذي يبني جيلًا يؤمن بالفكر الوسطي ويمارسه سلوكاً. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (143: البقرة).

  والوسطية تشير الى منهج تقوم عليه الأمة في حياتها، فيتوجب أن تتضمن المناهج التربوية والتعليمية في المدارس والجامعات والمؤسسات الأخرى، الأسس التي تبني فكر الوسطية نظرياً وعملياً، في عقول أبناء هذه الأمة ونفوسهم، ويكون عن طريق هدم الفكر المضاد للوسطية من تعصب وانغلاق، وبناء الشخصية المتوازنة الممثلة للحضارة الإسلامية فكراً وسلوكاً (الخطيب).

ولأن القيادة في الأردن تولي جُل اهتمامها لنشر الفكر الوسطي والاعتدال والتسامح، فإنه يقع على عاتق الجامعات دور كبير في تشكُل الإتجاهات الفكرية والسياسية لدى طلبتها وتوجيههم التوجيه السليم والصحيح وتوضيح المفاهيم المغلوطة من خلال نشر قيم التسامح والحوار البنّاء ونشر ثقافة الوسطية بين الطلبة والإبتعاد عن الأفكار الهدامة التي تفتك بالشعوب والمجتمعات وتؤخر عجلة التنمية والإزدهار وصرف الطاقات في الإبداع والنهضة المنشودة في سبيل رفاهية الشعوب وأمنها وازدهارها

والوسطية من أهم خصائص المنهج الإسلامي، وهي كما يراها عمارة (2009) تمثل الفطرة الإنسانية في بساطتها وعمقها وتجسيد لفطرة الله التي فطر الناس عليها، فهي الحق بين باطلين والاعتدال بين تطرفين والعدل بين ظلمين.

والأمن الفكري بعتبر أعلى مراتب الأمن لحمايته لأهم المكتسبات وأعظم الضروريات بالأمن في الفكر والمنهج والسلوك والغاية المستمد من عقيدة الأمة ومسلماتها ويحدد هويتها  ويحقق ئاتها. ( السديس،2012).

والأمن المجتمعي هو :”حماية وتأمين عقول وأفكارأفراد المجتمعمن أي انحرافات وأفكار سلبية دخيلة، زمعتقدات خاطئة وثقافات مستوردة من خلال القيام بمجموعة من الإجراءات والأعمال التي تسهم في تنمية الأفراد دينيا واجتماعيا وقيميا وتحصين عقولهم وحمايتها م الإنحلااف الفكري والتطرف”.الطعاني(19:2015).

وتحقيق الأمن المجتمعي:يتم عن طريق عدة مراحل وهي كالآتي( المالكي،2009):

مرحلة الوقاية من الانحراف الفكري ، مرحلة المنااقشة والحوار، مرحلة التقويم، مرحلة المسائلة والمحاسبة، مرحلة العلاج والاصلاح.

وفي الختام يمكننا القول أنّه تقع على المجتمع  ومنها الجامعات مسؤولية كبيرة ومهمة في تكوين وتشكيل الفكر الوسطي لدى الطلبة، ذلك الفكر المعتدل الذي يوازن بين المتناقضات والأطراف المتباينة بما يخدم مصلحة الفرد والمجتمع بآن واحد، والتركيز على استثمار طاقات الشباب، مما يخلق جيلًا يحمل فكراً مستنيراً يمكنه من خوض تجارب الحياة ويكون مِعْوَل بناء في نهضة المجتمعات.

المصادر و المراجع:

القرآن الكريم

الخطيب، محمد (2009)، آليات نشر الفكر الوسطي، الندوة الدولية الأولى المنتدى العالمي للوسطية. ترسيخ الفكرالوسطي في العالم الإسلامي سلسلة الفكر الوسطي (28): عمان، الأردن، 12-15،5.

 السديس،ع.(2014). لشريعة االاسلامية وأثرها في تعزيز الأمن الفكري ، ماتقى الامن الفكري في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية،الرياض، السعودية

الطعاني، و.(2015).دور مديري المدارس في تعرير الأمن الفكري لدى طلبة المدارس الثانوية الحكومية في لواء فصبة اربد وسبل تفعيله.رسالة غير منشورة،الجامعة الأردنية،عمان.

العقيل، عصمت والحياري، حسن(2014)، دور الجامعات الأردنية في تدعيم قيم المواطنة، المجلة الأردنية في العلوم التربوية، عمان،الأردن،(4)10:517-526.

عمارة، محمد (2009)، معالم المنهج الإسلامي، ط2، القاهرة: دار الشروق.

المالكي، ع.(2009).الأمن الفكري :مفهومه وأهميته ومتطلبات تحقيقه، مجلة البحوث الأمنية، العدد(43):54-57.

مواضيع ذات صلة