الفيلسوف والمفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري! 

الفيلسوف والمفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري! 

فيلسوف عربي مغربي متخصص في قراءة وتحليل العقل العربي، عمل على تحليل مكونات هذا العقل وأدوات اشتغاله والعوائق التي تجعله حبيس التقليد والاجترار والتخلف.  ولد محمد عابد الجابري عام 1935 في مدينة فكيك شرقي المغرب،  وتدرج في سلك التعليم، حيث حيث قضى فيه 45 سنة مدرسا ثم ناظر ثانوية ثم مراقبا وموجها تربويا لأساتذة الفلسفة في التعليم الثانوي،  ثم أستاذا لمادة الفلسفة في الجامعة.  حصل عام 1967 على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة،  ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط،  وعمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي والإسلامي بالكلية نفسها.  كان جده لأمه يحرص علي تلقينه بعض قصار السور وبعض الأدعية،  وألحقه بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن،  وما إن أتم السابعة حتى انتقل إلى كتاب آخر.  تزوجت أمّه من فقيه اَلْكُتَّاب،  فتلقى الجابري تعليمه على يده لفترة قصيرة،  ثم ألحقه عمّه بالمدرسة الفرنسية،  حيث قضى عامين في المستوى الأول.  وكان الانتساب للمدرسة الفرنسية في أيام الاستعمار نوعا من العقوق للوطن والدين،  فكان الآباء يخفون أبناءهم،  ولا يسمحون بتسجيلهم في تلك المدرسة إلا تحت ضغط السلطات الفرنسية. 

واظب الجابري وهو ما يزال في العاشرة على حضور دروس الشيخ محمد فرج -أحد رجال السلفية النهضوية بالمغرب- التي كان يلقيها بعد العصر.  انخرط الجابري- في خلايا المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي للمغرب بداية الخمسينيات من القرن الماضي,  وبعد استقلال البلاد اعتقل عام 1963 مع عدد من قيادات حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية،  كما اعتقل مرة ثانية عام 1965 مع مجموعة من رجال التعليم إثر اضطرابات عرفها المغرب في تلك السنة.  كما كان قياديا بارزا في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فترة طويلة،  قبل أن يقدم استقالته من المسؤوليات الحزبية في أبريل/نيسان 1981،  ويعتزل العمل السياسي ليتفرغ للإنتاج الفكري.  وكان له أيضا نشاط في المجال الإعلامي،  حيث اشتغل في جريدة العلم ثم جريدة المحرر،  وساهم في إصدار مجلة أقلام،  وكذا أسبوعية فلسطين التي صدرت عام 1968. 

عاش الجابري مهموما بسؤال مركزي أسس مختلف إنتاجه الفكري،  هو البحث عن مكمن الخلل في العقل العربي وأسباب تأخره في تحقيق النهضة التي ينشدها منذ قرون.  هذا الشغف بتحليل الثقافة والموروث العربي الإسلامي،  قاد الجابري لإصدار عدد من المؤلفات ركز معظمها على ثنائية الحداثة والتراث،  لينكب الجابري بعد ذلك على صياغة مشروعه الفكري نقد العقل العربي في ثلاثية حاول عبرها أن يدرس أنماط اشتغال هذا العقل وبنيته وظروف وتاريخ تكوينه السياسي والأخلاقي.  لم يكن محمد عابد الجابري مفكّراً عادياً،  ولم يكن كاتب رأي أو مؤلفاً لمجموعة من كتب الفلسفة،  بل كان في نظر الكثيرين مدرسة فكرية قائمة بذاتها،  ومختلفة عن غيرها من تيارات الفكر السائدة في العالم العربي. 

لقد حفر الجابري اسمه في ذاكرة الحقيقة كثائر فلسفي حقيقي رفضَ بشدة كل القوالب الموروثة عن منظومة التفكير التقليدية،  التي رسّخت لعقود وربما لقرون متعاقبة فكرة النقل المتواتر،  وأقصت العقل من كل أدواره الحيوية في الخلق والتجديد والسؤال.   بعد رحلة طويلة امتدت لأكثر من 30 سنة،  وأثمرت أكثر من 30 مؤلفاً مرجعياً في الفلسفة والتراث والفكر الإسلامي،  كان الجابري على موعد مع الرحيل أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2010.  غاب الجابري يومها وبقيت أسئلته المؤرقة حاضرة في فضاء النقاش العام والخاص،  على حدّ سواء.   

لقد دعا الجابري كثيراً إلى إعادة قراءة التراث على نحو حيادي متبصّر لا تحضر فيه العاطفة كعنصر مشوّه للحقيقة،  ولا يعني الحياد هُنا أن ننفصل عن وجودنا وكينونتنا الاجتماعية والوجدانية في علاقتنا الجدلية مع تراث الأسلاف،  كما لا تعني إعادة القراءة أن نقع في قطيعة مع التاريخ،  بل لعلها فرصة لبعث صلة الوصل من جديد بيننا وبين معطيات التاريخ التي نحن جزء من سياقها المتصل،  فالعقل العربي،  كما يرى الجابري،  عقلٌ ماضوي يحن للأصول بوعي. . .  ويحن إليها دون  وعي.  وحلّل الجابري في سلسلة نقد العقل العربي طريقة تفكير العقل العربي بتفكيك بناه الثقافية واللغوية،  وكذلك فعل في تحليل العقل السياسي الأخلاقي،  وهو مبتكر مصطلح العقل المستقيل الذي يعني به العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى.  ووصل في نهاية تلك السلسلة إلى أن العقل العربي بحاجة،  إلى عادة الابتكار،  وإعادة النظر في المفاهيم التي تشكله.

كما حلل العقل الأخلاقي العربي وأشار إلى أن تكوينه تم من خلال موروثات أخلاقية متنوعة ثقافيا وحضاريا وجغرافيا،  استقاها من الثقافة اليونانية،  والفارسية،  والصوفية،  والعربية،  والإسلامية،  واعتبر أن المودودي تحدث وفصل بشكل دقيق عنصر المروءة باعتبارها الموروث الأخلاقي الأساسي الذي أثر بشكل جلي في المنظومة الأخلاقية لعرب ما قبل الإسلام،  واستمر كعنصر ومحدد مركزي للعقل العربي وذهب الجابري بعيدا من خلال مشروعه الفكري،  في تقديم خطاب نقدي واقعي وعينه على توسيع مروحة البحث في الذات والعقل السياسي العربي كرهان للنهضة والابتعاد عن التفكير في المستقبل من خلال الممكنات والتشبث بها بعيدا عن الوقائع،  وهذا ما عبر عنه في كتابه الخطاب العربي المعاصر. 

اشتغل المفكر العربي بعمق على تفكيك النص وخلخلة الثابت في العقلية العربية الموجودة،  وهي التي لم تستطع التخلي عن عنصر الحلم في نمط تفكيرها،  ولهذا فهو يحسم القضية بالتأكيد على أن قياس الحاضر على الماضي بخصوص العديد من المسائل الأساسية،  لا بد من أن يراعي الفوارق،  والعقل السياسي لن يتغير بشكل سريع وحاسم أو بعمل هذا الكاتب أو ذاك،  فالأمر يحتاج إلى عملية تاريخية مستمرة ومتراكمة.  وبحث في التراث من خلال الثقافة المكتوبة التي تدرس ويعاد إنتاجها بأشكال مختلفة بواسطة القوة الفكرية،  ولهذا لم يتعامل مع هذا التراث من منطلق أيديولوجي انتقائي لأغراض شخصية أو فئوية،  لأن هذا التعامل قد يكون ضد أو مع التراث،  حيث ينتقل الإنسان إلى خلافات الماضي أو تنقل إليه ويتبناها ويصبح طرفا في نزاع قديم جديد،  فقد تعاطى معه في كليته بفرقه وآرائه ومذاهبه واستخدم منهجه النقدي ليفهم ما تم إنتاجه بشكل حيادي وموضوعي.  رحل الدكتور محمد عابد الجابري في الثالث من مايو 2010،  تاركا وراءه ترسانة من المنجزات الفكرية والنقدية تقدر بنحو ستة وعشرين مؤلفا أغنت الخزانة الفلسفية العربية والإسلامية في حاضرها ومستقبلها،  كما عُرف الجابري في فترة حياته بآراء وأطروحات أثارت الكثير من السجال الفكري والسياسي،  كونه مارس التدريس والتنظير والعمل السياسي.

المصادر:  الجزيرة نت: https://www.aljazeera.net   ،   العرب: https://alarab.co.uk   ،   الشرق الاوسط: https://aawsat.com    ،    وكالة الأناضول: https://www.aa.com 

مواضيع ذات صلة