مجتمعات التعلم المهني للمعلمين

مجتمعات التعلم المهني للمعلمين

الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز المعيقل، المملكة العربية السعودية

شكل الانفجار المعرفي والثورة التقنية وتفجر المعلومات وتقدم وسائل التواصل، إلى جانب التنافسية العلمية والاقتصادية في المجتمعات الإنسانية، مع نشوء مجتمع المعرفة – شكل ضغوطاً متزايدة على العملية التعليمية لكي تكون بمخرجاتها قادرة على هذه التنافسية، ليس هذا فحسب بل إن التعقيدات التي تواجهها التربية والتعليم حالياً ومستقبلاً تشير إلى مهمات جديدة للعملية التربوية والتعليمية تتجاوز نقل المعرفة إلى استخدامها وتوليدها ونشرها، نظرا لما لها من مردود اجتماعي واقتصادي وثقافي، وبناءً عليه أصبح بقاء الدول والمجتمعات واستمرارها مرتبطاً ارتباطا وثيقاً بكفاءة وفاعلية أنظمتها التعليمية أكثر من أي وقت مضى، ومن هنا تعالت الأصوات لإصلاح التعليم من خلال تحويل مؤسساته إلى مجتمعات تعلم مهني (القحطاني، 1441هـ) و يشير الرشايدة (2013) إلى تأثر العاملين في المجتمع المدرسي بما تفرضه عليهم تحديات المستقبل، وأكثرهم تأثراً وتأثيراً المعلم، فلم يعد خافياً عن صانعي السياسات التعليمية اليوم تعقد دور المعلم وتعدد أبعاده؛ فالمعلم من أهم مدخلات العملية التربوية ـ إن لم يكن أهمها ـ فهو القادر على تحقيق أهداف التعليم وترجمتها إلى واقع ملموس، وهو الذي يعمل على تنمية القدرات والمهارات عند التلاميذ عن طريق تنظيم العملية التعليمية وضبطها وإدارتها واستخدام تقنيات التعليم ووسائله، ومعرفة حاجات التلاميذ وطرائق تفكيرهم وتعلمهم، وتحديد أهداف التربية في تطوير المجتمع وتقدمه، عن طريق تربية النشء تربية صالحة تتسم بحب الوطن والدفاع عنه والمحافظة على التراث الوطني الإنساني. فدور المعلم في التحدي الجديد ذو أهمية بالغة؛ بل هو الأساس في عملية التعليم؛ ولأجل بناء تعليم قوي لا بد من معلم عصري متطور، ومساير للحديث والجديد في مجال تخصصه، من خلال الدورات التدريبية التي تدعمه، واختبار قدراته، ومدى قدرته في إضافة الجديد للعملية التعليمية (هاشم، 2017م). وتعد مجتمعات التعلم المهنية من أساليب التطوير المهني الحديثة، حيث بدأت بالظهور في الأدب التربوي في العقد الأخير من القرن العشرين، وهي عبارة عن مجموعة من المعلمين تجتمع بانتظام للتعلم وتبادل الأفكار لتحسين التدريس، ونشأت لتلبي تزايد الاهتمام بتشجيع مشاركة المعلمين في التطوير المهني، وتفترض مجتمعات التعلم المهنية أن تعاون الأقران يمكن أن يحوّل ممارسات التدريس إلى طرق ترفع مستوى التحصيل الدراسي للطلبة ( الشراري، 2011). وترتبط مجتمعات التعلم المهنية كما يشير إلى ذلك طعبلي (2014) بنظريات: مشاركة التعلم، حيث يتشارك المعلمون، ويبنون عملهم بنظرية حدوث التعلم في مجتمعات الممارسة، التي تعد حلقة وصل حيوية بين التعلم والممارسة، كما ترتبط بنظريات تعلم الكبار، التي تفترض أن المعلمين الذين يتعلمون بتوجيه ذاتي، في مجتمع تعلم يركز على المشكلة، غالبا ما يجدون قيمة لتعلمهم، ويطبقون معرفتهم الحديثة في فصولهم.

ولقد أكدت نتائج دراسة فيسلر (Fisseler،2017) أن مجتمعات التعلم المهنية يمكن أن توفر للمعلمين بيئة مناسبة تشجعهم على تأمل ومناقشة مفاهيم طبيعة العلم، ووجهات نظرهم حولها، وممارسات تدريسها، ومشاركة خبراتهم مع المعلمين الآخرين، كما أن بيئة المدرسة يمكن أن تدعم هذه المجتمعات، وتيسر التفاعل بين المعلمين. ويرى ميرون (Myron ، 2016) أن الدور الأساسي لمديري المدارس في ظل مجتمعات التعلم هو توجيه المنشأة نحو تحقيق أهدافها، وتقع عليهم مسؤولية تجميع واستعمال مواردها لضمان تنفيذ هذه الأهداف، وتقوم الإدارة بدفع العاملين بها نحو تحقيق أغراضها أو أهدفها وتحديد النشاطات التي يقوم الأفراد بإنجازها، لذلك يجب أن تكون الإدارة قريبة من الأهداف التي يتوجب عليها تحقيقها، فالإدارة وضعت لتحقيق الأهداف. وقد أكدت نتائج دراسة الراشد (2011) على أهمية تطبيق مجتمعات التعلم المهنية في التعليم ويرجع ذلك إلى أنها عملية مستمرة يعمل فيها المعلمون بشكل تآزري في دورات متكررة من التقصي الجماعي والبحث الإجرائي من أجل تحقيق نتائج أفضل للطلاب الذين يخدمونها، وتعمل المجتمعات المهنية التعليمية طبقا لافتراض مفاده أن مفتاح تحسين تعلم الطلاب هو التعلم المستمر المدمج في الوظيفة بالنسبة للمربين، وكذلك محور مكونات المجتمع المهني المتمثلة في التركيز على التعلم، وثقافة التآزر مع التركيز على التعلم للجميع. كما أكدت نتائج دراسة عطية (2015) أن مجتمعات التعلم المهنية في المدارس تعمل على التقصي الجماعي لأفضل الممارسات والواقع الحالي، والتوجه نحو العمل لتحويل الطموحات إلى فعل والرؤى إلى واقع ملموس، إضافة إلى بناء مفردات مشتركة عن المجتمع المهني التعليمي ومتى تكوّن المدرسة مجتمعها المهني.

واهتمت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية (1437هـ) بتطبيق مجتمعات التعلم المهنية، وتوجهت في ذلك إلى إصدار برامج مميزة ومنها البرنامج الوطني لتطوير المدارس بمشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام بالمنطقة الشرقية، لكي تكون المدارس ملائمة لمتطلبات الحياة في القرن الحادي والعشرين، وقادرة على إعداد النشء والشباب لمستقبل مشرق ومتميز؛ حيث يعمل هذا البرنامج على مساعدة المدارس للقيام بدورها في تزويد الأجيال بجميع المعارف والمهارات وإكسابهم الاتجاهات الإيجابية بكل مهنية واحترافية. وتتسم مجتمعات التعلم المهنية بتوافر وتشجيع مستوى عال من التعليم والنمو المتزايد في قوى العمل التي تملك المعرفة وتحقق سرعة الابتكار والتجديد والتطوير، كما تتسم بالاحتفاظ بأشكال المعرفة المختلفة في بنوك للمعلومات وإمكانية إعادة صياغتها وتشكيلها أو تحويلها إلى خطط تنظيمية معقدة، بالإضافة إلى استغلال مراكز البحوث الموجودة في المجتمع بحيث تكون قادرة على إنتاج المعرفة على نطاق واسع وبشكل متكامل يحقق الاستفادة الشاملة من الخبرات المتراكمة بالمجتمع (سبيتان، 2012) وبهذا تبرز أهمية مجتمعات التعلم المهنية للمعلمين والمعلمات ودورها في التقصي الجماعي لأفضل الممارسات نحو العمل المهني التعليمي و متى تكوّن المدرسة مجتمعها المهني.  

  • لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية.

مواضيع ذات صلة