أبو ريحان البيروني: مؤسس قواعد المنهجية العلمية في القرن الحادي عشر

أبو ريحان البيروني: مؤسس قواعد المنهجية العلمية في القرن الحادي عشر

الدكتور حسام الدين فياض

الأستاذ المساعد في النظرية الاجتماعية المعاصرة، قسم علم الاجتماع كلية الآداب في جامعة ماردين- حلب سابقاً

قالوا عن البيروني: إن البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ  ( المؤرخ الألماني: إدوارد سخاو ). في أية قائمة لأسماء كبار العلماء في الدنيا ينبغي أن يشغل اسم البيروني موقعاً سامياً، إذ لا يمكن أن يكتمل أي تاريخ للرياضيات أو الفلك أو الجغرافيا أو علم الإنسان أو مقارنة الأديان دون الاعتراف بإسهامه العظيم في تلك العلوم “ ( المستشرق الأمريكي: آرثر بهام بوب ).

” للعبقرية قوام، يشد أزره طراز من الخمائر فريد، ولقد تبدو الخمائر وكأنها في سبات عميق حقبة من زمان، فتظهر غارقة في حالة أشبه ما تكون بحالة بيات شتوي، ثم تصحو فجأة طالما صادفها مناخ ملائم لتكاثرها، فإذا بالعبقرية تشق زمانها كما يقطع النجم المذنب مدارات الأكر السماوية في مسار لا مركزي بعيد عن ذلك المسلك المنظم للكواكب والذي تستطيع العين الإحاطة به بنظرة واحدة… . ولهذا قد لا يستطيع العبقري أن يساهم إلا لماماً في مسيرة الحضارة التي يعيشها، بل يتعداها إلى المستقبل القريب أو البعيد حيث يشق حاجز الزمان والمكان إلى آفاق قد سبقته بمعايير أخرى لم يكن ليحلم بالوصول إليه. وتراث البيروني من هذا الطراز( من كتاب أحمد سعيد الدمرداش – البيروني ).

يقول السهروردي في كتابه نزهة الأرواح في تاريخ الحكماء، وياقوت الحموي في معجمه: ” إنه كان لا يكاد يفارق يده القلم، وعينه النظر، وقلبه الفكر إلا في يومي النيروز والمهرجان من السنة لإعداد ما تمس الحاجة إليه في المعاش من بلغة الطعام، وعلقة الرياش “ .

تمهيد:

 من هو البيروني: هو العالم، والمفكر، والفيلسوف، أبو ريحان محمد بن أحمد البيروني، أحد كبار العلماء الموسوعيين وعَلَم كبير من أعلام الفكر العلمي والاجتماعي والفلسفي، في الثقافة العربية والإسلامية، ولد في مدينة بيرون عاصمة خوارزم سنة ( 362 ه – 973 م ) توفي سنة ( 440 ه – 1048 م ) ، وهو فارسي الأصل عاصر ابن مسكويه وابن سينا وكان على علاقة وثيقة بابن سينا.

وقد تلقى ” البيروني ” تعليمه في بلدته، حيث حفظ القرآن، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وشيئاً من الفقه والحديث مثل غيره من الطلاب الذين يبدؤون  حياتهم العلمية. ثم اتجه ” البيروني ” إلى دراسة العلوم الطبيعية والرياضيات، بعد أن وجد في نفسه ميلاً إلى ذلك، فتتلمذ على يد ” أبى نصر منصور بن على بن عراق “، وكان عالماً مشهوراً في الرياضيات والفلك، وعمل تحت إشرافه في مرصده الفلكي .وهكذا درس البيروني الرياضيات والفلك والطب والتقويم والتاريخ والعلوم اليونانية والهندية، واشتهر بالفلسفة والجغرافيا والرحلات وتاريخ الشعوب والأقوام.

أولاً- شخصية البيروني: أجمع كل من كتب عن ” البيروني ” على أنه نبغ في كل علوم عصره، وهو مع تبحره في الأدب واللغة والتاريخ والجغرافيا، كان اهتمامه الأكبر يتجه إلى الرياضيات والفيزياء والفلك والفلسفة، إلى جانب إتقانه للغات كثيرة كاليونانية والفارسية والهندية.

نشأ البيروني في جو يحدث على طلب العلم ويدافع عن التعليم فحفظ القرآن الكريم ودرس الفقه والحديث النبوي الشريف، وفي بيرون خالط أن الريحان التجار الهنود واليونانيين وغيرهم، فتعرف على طباعهم وتعلم لغتهم فاتسع إدراكه وازدادت خبرته وتعمقت تجاربه. التقى أبو يريحان بمعلم أعشاب استطاع أن يتعلم منه شيئاً عن تحضير النباتات الطبيعية، وأن يعرف اسماء النباتات، الأمر الذي دفعه إلى الاهتمام بالعلوم الطبيعية.

بذلك وهب البيروني حياته كلها للعلم، ولم تشغله الدنيا في الانصراف عنه، وكان القلم لا يفارق يديه، وكان زاهداً في المال إلا ما يكفى حاجته، وقد أشاد بمكانة ” البيروني ” العلمية كبار مؤرخي العلم من أمثال : ” سخاو ” و            ” سارتون “. ولمكانته العلمية وبحوثه الرائدة في علوم الفضاء اختير من بين (18) عالماً إسلامياً، أطلقت أسماؤهم على بعض معالم سطح القمر.

ثانياً- أحداث السياق الاجتماعي وتفاعلاته التي عاصرها البيروني: تذكر لنا المصادر المراجع التاريخية والفكرية أنه عاش في عصر سادته الصراعات السياسية والاجتماعية والحروب الإقطاعية وغارات الأقوام البربرية، وهذا يعني أن الحياة الاجتماعية في مدينة خوارزم قد انعكست على تكوينه الفكري والمعرفي، ويظهر هذا التأثير بشكل واضح في مؤلفه الضخم الآثار الباقية عن القرون الخالية، حيث ارغمته تلك الأحداث على العودة إلى الماضي لدراسة وتحليل كيفية تطور المجتمعات الإنسانية. بالاعتماد على الدراسة الاجتماعية الاثنوغرافية للشعوب القديمة، ففتح البيروني مجالاً جديداً للمعرفة الاجتماعية، لذا يعتبر الأب المؤسس للانثروبولوجيا ( علم دراسة أصل الإنسان ) باعتباره أول من قام في الشرق العربي والإسلامي وربما في العالم كله بدراسة تاريخية اجتماعية اثنوغرافية.

ثالثاً- النتاج الفكري للبيروني: ترك البيروني 150 مؤلفاً وكتاباً ورسالة لم يصلنا منها سوى 22 مؤلفاً من أهمها، ما يلي:

  • الآثار الباقية عن القرون الخالية ولعله مع كتاب الهند الكبير من أشهر كتبه على الإطلاق.

  • كتاب القانون المسعودي في الهيئة والنجوم.

  • كتاب الصيدلة.

  • طريق الهند.

  • رسائل البيروني.

  • كتاب التوحيد في الجغرافيا.

  • كتاب التفهيم في التنجيم وهو رسالة في الرياضيات والفلك.

  • كتاب الجماهر في معرفة الجواهر وهو أقدم كتاب في علم المعادن.

  • تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن.

هذا وإلى جانب الكتب المؤلفة توجد للبيروني العديد من الكتب التي ترجمت من اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية والعكس، ولعل من أشهر ما ترجمه البيروني كتاب ” المجسطي” لبطليموس. والذي يعني الأطروحة الرياضية، وهو كتاب في الفلك والرياضيات.

رابعاً- منهج البحث عند البيروني: في حقيقة الأمر، شرح البيروني منهجه في البحث من خلال مقدمة كتابه الآثار الباقية. ويعتقد البيروني أن للعلم أسس ومبادئ تكمن في شعور العالِم وتتجلى من خلال معالجته ومواقفه في دراساته، وهي من تحدد مدى أصالته أو زيفه وتحدد أيضاً المدى والمجال الذى يمكن أن يكون قد قطعه لتحقيق صفة ” العلمية ” في هذه الأبحاث وتلك الدراسات. وقد وجدنا بالدراسة أن دفاع البيروني عن العلوم عامة والعلوم التجريبية المتصلة بالفلك والطبيعيات خاصة، مع توجيه الانتباه إلى المصطلح العلمي وتحديده, بإجادة اللغات المختلفة وإجادة الترجمة, كل ذلك يؤهله لأن يكون رائداً من رواد البحث العلمي وصاحب منهج علمي دقيق يضعه في مصاف أصحاب المناهج المحدثين إن لم يتفوق عليهم.

فالمعرفة العلمية الحقة عند البيروني: هي التي تعمل على الاقتصاد في المجهود والتفكير، ووظيفة الاستقراء، وهي وظيفة العلم في الوقت نفسه، تنحصر في محاولة فهم الطبيعة، وليس هذا الفهم ممكن إلا بشرط أن نربط الظواهر بعضها ببعض. أي ببيان أن تلك الظواهر التي تقترن في الوجود، أو التي يتغير بعضها تبعاً لبعض، أو يتبع بعضها بعضاً، تخضع لعلاقات مطردة أو قوانين.

يؤمن البيروني أن تحصيل المعرفة لا يمكن أن يتم بغير البحث والتجربة، وحارب اعتناق الآراء في تسليم ودون تمحيص أو تحقيق، وطالب بحسن استخدام العقل في إخضاع الأشياء محل البحث للعديد من التجارب.

وهناك جانب هام في البحث التجريبي لم يغفله البيروني وهو نزوع البحث العلمي إلى التكميم الرياضي. فالتقدم العلمي نقل مركز الاهتمام من الملاحظ الحسية التي تحوّل الكيفيات إلى كميات، والتعبير عن وقائع الحس بأرقام عددية، ولذلك أصبحت الظواهر المشاهدة تترجم إلى رسوم بيانية ولوحات وجداول إحصائية. وهذا ما فعله أيضاً الحسن بن الهيثم في الضوء، وجابر بن حيان والرازي في الكيمياء.

حذر البيروني من التقليد، وطالب كل صاحب رأي أن يستوثق جيداً مما يقول قبل أن يجاهر برأيه، ودعا إلى عدم التمسح بعبارة ” الله اعلم ” لمداراة الجهل بحقائق الأمور.

يتصف البيروني أنه كان يعود للمصادر الأصلية فيما يكتبه ويلتزم بما فيها التزاماً تمليه عليه أمانته العلمية، ولم يكن يطمئن أبداً إلى النقل عمن رجعوا إلى تلك المصادر وخصوصاً إذا ما استشعر ضعفاً فيما تحت يده من مراجع ومعلومات.

كما دفعت رغبة البحث الأصيلة المتوافرة لدى البيروني إلى تعلم اللغات الأصلية للأمم والشعوب التي يكتب عنها أو يدرسها، مثل اليونانية والفارسية السنسكريتية بل أجاد لهجاتها أيضاً.

اعتمد البيروني في طلب المعرفة على أسلوب الاستقصاء والاعتماد على الحس. ويتضح مدى عظمته وسبقه لو تبينا أن الأسلوب الإشراقي هو الذي كان منتشراً آنذاك، وهذا الأسلوب ركيزته التصوف، حيث لا تحصل المعرفة إلا عن طريق مجاهدة النفس ورياضتها بوسائل منها الزهد والانقطاع إلى التأملات الباطنية.

ولكن البيروني رفض منطق الإشراق الذي رأى أنه يجافي العقل ولا يستخدمه، وسلك البيروني طريقة الملاحظة الحسية ثم الاستنباط والتعليل وصولاً إلى المعرفة.  

* الملامح العامة للمنهج البيروني في البحث العلمي: يتصف بما يلي:

– الاعتماد على الملاحظة المباشرة دائماً والملاحظة المشاركة أحياناً.

– الاعتماد على التجارب المعملية والميدانية كلما كان ذلك ممكناً.

– استخدام العقل سواء في الاستنباط أو التعليل.

– رفض أية وسائل غير حسية أو ملموسة كسبيل للوصول إلى المعرفة.

– رفض تقليد الآخرين سواء من حيث أسلوب الكتابة أو من حيث المنهج المستخدم.

– الرجوع إلى المصادر الأصلية كلما كان ذلك ممكناً.

– التأكيد من عدم فساد الآراء من خلال التأكد من صحتها وثبات نتائجها وذلك قبل الجهر بها.

– الاعتماد على أساليب القياس الكمي والاستقصاء الحسي كلما كان ذلك ممكناً.

– الاستمرار في البحث والمواظبة عليه، لأن نجاح الإنسان ” موهبة من الله تعالى ” ولكن لا يمكن تحقيقها ” إلا بالمواظبة الدؤوب على الممارسة “.

* الإسهامات المنهجية للبيروني من وجهة نظر السوسيولوجيا، ما يلي:

– أرسى البيروني قواعد المنهج التاريخي والمقارن من خلال كتابه “ الآثار الباقية عن القرون الخالية ” من خلال الاتصال بمصادر مختلفة لجمع المعلومات ومقارنتها ومراجعتها للتأكد من صحتها والاستبعاد ما اعتمد منها على الهوى والتعصب.

– طبّق البيروني طريقة فريدة في البحث التاريخي زاوج من خلالها ما بين الفلك والتاريخ حيث كان يقدم لذكر الحوادث التاريخية بمقدمات فلكية باستخدام الجداول والرموز الفلكية التي تضم تواريخ وسير الأمم المختلفة.

– أرسى البيروني دعائم الملاحظة بالمشاركة بشكل خاص، والملاحظة العلمية بشكل عام من خلال كتابه ” الهند الكبير “. كما نجد قد تعلم لغة المبحوثين بكل أسراها وتعرف على عاداتهم وتقاليديهم وقام بتسجيل كل ملاحظاته ومشاهداته عن المجتمع المدروس حتى يتسنى للباحث تصنيف ما كتب وعرضه في تسلسل منطقي.

– أرسى البيروني قواعد المنهج الكمي واللجوء إلى الاستنباط والتعليل في تعامله مع مختلف الظواهر الاجتماعية ( أي البعد الاتجاه الإشراقي ).

– استخدم البيروني المنهج المقارن وذلك من خلال مقارنة الآراء والأفكار لأهل الحضارات المختلفة كالعرب والفرس واليونان.

– يعتبر البيروني بكل المقاييس الأب المؤسس للانثروبولوجيا من خلال قيامه بمجموعة من الإجراءات المنهجية التي تنحصر  بتعلم لغات المجتمعات الموضوع البحث، بالإضافة إلى دراسة دياناتها وفلسفاتها ومعتقداتها وشرائعها السائدة، كما سعى إلى عرض وتحليل أبنيتها الاجتماعية بما تضمه من ظواهر اجتماعية وأنماط ثقافية. وفي النهاية يمكننا القول إن ما فعله البيروني في القرن الحادي عشر ميلادي هو نفس الشيء الذي فعله علماء الغرب وباحثوه في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ميلادي مع اختلاف الهدف بينهما لأن علماء الغرب وظفوا الانثروبولوجيا بهدف استعمار الشعوب الأخرى وإحكام قبضة السيطرة عليها.

وهكذا نجد أن البيروني تعرض لمختلف الموضوعات التي يتناولها الاتجاه الانثروبولوجي المعاصر بكل اهتماماته، بما يضعه في مكانته اللائقة كمؤسس للانثروبولوجيا كاتجاه سوسيولوجي ومنهج علمي للبحث الاجتماعي.

– الإسهامات المنهجية للبيروني من وجهة نظر الانثروبولوجيا: نجد أن مقاربة البيروني الداخلية تحتم عليه، تعلم اللغة للتحاور مع الناس واستجوابهم وللاطلاع على كتبهم وتاريخهم، وعلى طريقة علماء الاجتماع المحدثين، لا يستحيي عالمنا، وهذه شجاعة معرفية ومنهجية لزم الإشادة بها، من ذكر ما تعرض إليه من مشاق لتعلم اللغة السنسكريتية والتعامل بها، فربما تلقف، وهنا يحكي عن نفسه بنوع من التهكم، من أفواه محاوريه كلاماً واجتهد في التوثق منه فإذا أعاده عليهم لم يكادوا يعرفونه إلا بشق الأنفس.

 نلمح هنا بجلاء النبرة الانعكاسية عند البيروني، أي السرد الانعكاسي الذي يحكي فيه الباحث علاقته الشمولية بموضوع وميدان بحثه. ففي معرض حديثه عن العراقيل التي تعرض لها في بحثه، والتي أشرنا إليها، يقول: ” يجب أن نتصور أمام مقصدنا الأحوال التي لها يتعذر استشفاف أمور الهند، فإما أن يسهل بمعرفتها الأمر وإما أن يتمهد له العذر… “.

 فالبيروني لا يستنكف عن ذكر عجزه وجهله، واعداً قرائه، على تقدم سنه، بمواصلة البحث الجاد لموافاتهم بالجديد. لابد من الإشارة، لتبيان شمولية هذه المقاربة، إلى أن البوادر الأولى للمنهج الذي اتبعه البيروني في الهند نجدها في كتابه ” الآثار الباقية عن القرون الخالية “، والذي يقر فيه بصعوبة البحث في ميدان تضاربت فيه الآراء. يقول في هذا الصدد: ” قد سألني أحد الأدباء عن التواريخ التي يستعملها الأمم، والاختلاف الواقع في الأصول التي هي مبادئها والفروع التي هي شهورها وسنوها، والأسباب الداعية لأهلها إلى ذلك، وعن الأعياد المشهورة، والأيام المذكورة للأوقات والأعمال وغيرها مما يعمل عليه بعض الأمم دون بعض واقترح الإجابة على ذلك بأوضح ما يمكن السبيل إليه حتى تقرب من فهم الناظر فيها، وتغنيه عن تدوُّخ الكتب المتفرقة وسؤال أهلها عنها، فعلمت أن ذلك أمر صعب المتناول بعيد المأخذ غير منقاد لمن رام إجراءه مجرى الضروريات….” .

 كما نلاحظ إلحاحه على المنهج المتبع في كتاب الهند والذي يجمع بين العيان والسماع والمقارنة أو القياس. ففي جوابه عن سؤال محاوره يبدأ البيروني باستعراض بعض الهفوات والخلل في التعاطي لموضوع كهذا. ويقول البيروني: ” وأبتدئ فأقول أن أقرب الأسباب المؤدية إلى ما سُئِلت عنه هو معرفة أخبار الأمم السالفة وأخبار القرون الماضية، لأن أكثرها أحوال عنهم ورسوم باقية من رسومهم ونواميسهم ولا سبيل إلى التوسل إلى ذلك من جهة الاستدلال بالمعقولات والقياس بما يشاهد من المحسوسات سوى التقليد لأهل الكتب والملل وأصحاب الآراء والنحل المستعملين وتصيير ما هم فيه أساساً يبنى عليه بعده ثم قياس أقاويلهم وآرائهم في إثبات ذلك بعضها ببعض بعد تنزيه النفس عن العوارض المردئة لأكثر الخلق، والأسباب المعمية لصحابها عن الحق، وهي كالعادة المألوفة والتعصب والتظافر واتباع الهوى والتغالب بالرئاسة، وأشباه ذلك” .

 تؤكد لنا الصعوبات الميدانية التي دفعت البيروني، لتحري أقصى ما يمكن من الموضوعية، إلى تنويع المداخل المنهجية. فلقد ارتكز، من جهة، على مراجع ومصادر” ثانوية ” عن دين الهند وأساطيرها وفلسفتها، مترجماً بعضها إلى العربية والفارسية، كما اعتمد ترجمات عربية وفارسية لمؤلفات هندية مع الأخذ بجميع الاحتياطات لعدم السقوط في انحرافات الترجمة. واعتمد، من جهة أخرى، على مصادر أولية، كملاحظاته المباشرة واستجواباته ومشاركاته، رغم صعوبات التواصل، مما يضطره أحياناً إلى توظيف معارفه الأخرى، في الرياضيات والتنجيم مثلا، كنوافذ تواصلية.

ولا مناص هنا من الإشارة إلى أن انتقاد البيروني للخبر بشقيه الشفهي والكتابي لا يعني البتة أنه يلغيه كأداة للتعرف والاستطلاع، بل إنه يؤكد على ضرورة مقارعته بالملحوظ على أرض الواقع وبالخبر الآخر المنقول عن الذات المدروسة (الهند في حالته). وهذا هو المعنى الحقيقي للمقاربة الانثرو- تاريخية والتي تقتضي قراءة التاريخ بنظرات انثروبولوجية والانثروبولوجيا بنظرات التاريخ، وذلك لزعزعة المعلومة التاريخية وجمودها من جهة، وفهم البُنا العميقة للواقع الانثروبولوجي من جهة أخرى.

في تتابع مراحله يعتبر هذا المنهج، بحق، منهجاً انثروبولوجياً حديثاً. فهو، كما رأينا، يمزج بين الملاحظة العينية      (العيان) والوصف العميق والمقارنة الثقافية، مع الميل المشهود إلى اعتبار السرديات والتمثلات الثقافية من داخل المنظومة المدروسة معتبرا إياها كبنية رمزية تحكم تمثلات ومعاملات العام والخاص.

ففي معرض التعريف بمنهجه، يشير باحثنا إلى أن كتابه هو كتاب حكاية يورد كلام الهند على وجهه، مضيفاً إليه، من باب المقارنة، ما لليونانيين ومتصوفة المسلمين، فإن فلاسفتهم وإن تحروا التحقيق فإنهم لم يخرجوا فيما اتصلوا بعوامهم عن رموز نحلتهم ومواضعات ناموسهم. فالبيروني، هنا، لا يُساءل فحسب الرموز الثقافية التي يشترك فيها أبناء المجتمع الواحد بجميع مستوياتهم ومشاربهم المعرفية، ولكنه يتوخى كذلك مقارنتها مع أنساق ثقافية أخرى، متحرياً، بذلك، الكشف عن البنيات العامة التي يشترك فيها الهنود مع غيرهم.

نستنتج مما تقدم أن البيروني سعى إلى ما يلي:

– الالتزام بمنهج علمي في الدراسة والبحث حيث امتزجت خلاله عقلية البيروني الرياضي والفيلسوف والمؤرخ والباحث السوسيولوجي والانثروبولوجي المدقق والمحلل والمفسر لكل ما يلاحظه.

– دقة المعلومات التي حوتها الدراسة، حيث أحاطت بكل جوانب الحياة الاجتماعية، فشملت دراسة وتحليل أحوال السكان ونظمهم الاجتماعية وطرائقهم في العيش وعلاقاتهم المختلفة وعاداته وتقاليدهم.

النظرة النقدية التي كان يعرض بها البيروني آراءه، مما يدل على سعة اطلاعه وتمكنه من مختلف فنون البحث التطبيقي، والسوسيولوجي والانثروبولوجي، علاوة على رغبته في عدم الاكتفاء بمجرد البحث والدراسة، وإنما ضرورة العمل على نقل المعلومات والنتائج المتوافرة إلى التطبيق حتى يتحقق حسن الاستفادة منها.

– عرض البيروني الظواهر التي سعى إلى دراستها في المجتمع الهندي بصورتها التي عايشها، ثم ذهب إلى تحليلها وتفسيره وإجراء المقارنات بين ما شاهده وبين نظيره من الثقافات الأخرى ولا سيما العربية والفارسية واليونانية.

خامساً- إسهامات البيروني في دراسة الحادثة التاريخية: تقدم علم التاريخ في القرن الرابع الهجري وأصبح له أصول وقواعد تدريس بعد أن كان ضرباً من الأخبار المتناثرة هنا وهناك. ولا نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن البيروني كان أيضاً من كبار مؤرخي هذا العصر، وإن كانت شهرته في هذا العلم كأحد عباقرته لم تلقى شهرةً واسعة مثل باقي العلوم. ولكن هذا لا يجعلنا أن ننكر عليه أو نجحد أبحاثه في التاريخ خاصة دراساته عن المجتمع الهندي.

منهج البيروني في الحادثة التاريخية: إن التطور ليس أكثر من الانتقال بموضوع ما من حالة إلى حالة أخرى أفضل. ذلك هو الأمر الذي نعتقد أن البيروني عمل عليه في ميدان الفكر التاريخي.

نجد أن نظرته للحوادث التاريخية تنم عن رؤية جديدة ترتقي بها من مجرد أخبار ماضية إلى وقائع تجعلها قابلة للدراسة العلمية شأنها في ذلك شأن الظواهر الطبيعية. وهذه النظرة تفرض مراجعة للزمن، ولكن لا الزمن في حد ذاته، وإنما الزمن التاريخي الذي يصبه فيه الحاضر بدل الماضي فقط، لأنه ( الحاضر) من الأدوات التي تساعد على الكشف والتفسير.

ذلك أن المؤرخ الحق هو الذي يسعى إلى إضفاء العلمية على مشروعه لا يكتفي برواية الأحداث، ولا بصحيح الروايات ونقد الوثائق التي تدل عليها، بل يستند إلى تعليل الوقائع التاريخية وتفسيرها حسب المفهوم الحديث للمعالجة التاريخية.

–  خصائص الحادثة التاريخية: في حقيقة الأمر هناك مجموعة من الخصائص للحوادث التاريخية، وهي كالآتي:

أ-  الحادثة التاريخية حادثة إنسانية، فالإنسان هو من يصنع تاريخيه وهو الكائن الوحيد الذي لديه وعي بالزمان.

ب- الحادثة التاريخية حادثة فريدة لا تتكرر وتدرس بطريقة مباشرة مادام الزمن تيار يتدفق.

ج- الحاثة التاريخية حادثة ذات معنى أي أن لكل حدث تاريخي مغزى وهدف ذلك أن أي وقائع ما لا تصبح تاريخية إلا إذا تركت أثراً بارزاً على سير الأحداث الإنسانية.

د- الحادثة التاريخية حادثة اجتماعية، يعني أن الحوادث الفردية لا مكان لها ضمن الحوادث التاريخية إلا بمقدار تأثيرها على الحياة الجماعة. فالإنسان التاريخي هو قبل كل شيء إنسان اجتماعي.

والسؤال الذي يطرح نفسه علينا: كيف نظر البيروني إلى الحوادث التاريخية؟ في حقيقة الأمر من خلال مناقشته للمفاهيم والمصطلحات التالية:

1) البيروني والمعقولية التاريخية: يعتني البيروني بالطريقة والمنهج، وهي خاصية جعلته يتميز بها عن غيره من المؤرخين، كما يهتم بالموضوع بدرجة لا تقل أهمية عن سابقتها المتربطة بالمنهج، وكأنه يريد أن يقول لنا إن الموضوع عندما لا يكون قابلاً للدراسة العلمية فلا فائدة عندئذ من اصطناع أدق المناهج.

ويظهر ذلك من خلال استجلاء الصفات التي تجعل الموضوع قابلاً للدراسة العلمية فيركز على اعتبار المادة التاريخية الواقعية منطلقاً أساسياً.

فمن دونها يكون التاريخ ضرباً من الوهم والخيال. والمعقولية التاريخية تقتضي أن يكون كل ما هو تاريخي قد حدث بالفعل في الماضي، فإذاً فهو معقول لأنه حدث.

2) البيروني والوعي التاريخي: لقد ظّل مفهوم الزمن في كل الأطوار مصاحباً للكتابة التاريخية، وهذا يعني أن هناك صلة وثيقة بينه وبين التاريخ. ولكن كيف نظر البيروني إلى التاريخ وعلاقته بالزمن؟

يرى البيروني أن المعرفة التاريخية أكثر من أن تتعلق بالماضي، فحين ظهر الإسلام وتشكل الحسي التاريخي وحتى خلال القرون الثلاثة الأولى الهجرية، فقد فُهمت فكرة الزمن فهماً أحادياً، بمعنى أن التاريخ هو دراسة الماضي من خلال استحضاره كقصص أو روايات، وأن الحاضر يظل صورة مطلقة خارج اهتمامها. إلا أن الحاضر برأي البيروني يساعد على فهم الماضي، فنحن لا نستطيع أن نفهم وضعاً تاريخياً ما، بنظر إليه في ذاته باعتباره ماضياً فحسب  – وهذه بكل تأكيد هي المهمة الأساسية للمؤرخ – ولكن بالنظر إليه من خلال الحاضر أيضاً.

ذلك أن حقيقة أي وضع تاريخي قد تنكشف لنا لا بفضل معطياته، التي كان فيها واقعاً راهناً فحسب، بل بفضل ما يترتب عنه من نتائج وعواقب وتطورات. إن الحاضر هو الذي يبرز أحياناً ما كان كامناً في الماضي.

وعليه يكون الحاضر من الركائز الأساسية في إبراز معقولية الوقائع التاريخية من حيث إنه معيار للحكم بإمكان الوقائع التي سنبحث عنها، ومن حيث إنه الامتداد الذي نتعرف من خلاله على ما كان كامناً في الماضي من تطورات وعلى ما كان ينبئ به من نتائج وعواقب. بذلك يرى البيروني أن المهمة الأساسية للمؤرخ لا تكمن في النظر إلى الوقائع ومحاولة فهمها على ضوء الماضي فقط ولكن بالنظر إليها انطلاقاً من الحاضر.

وهكذا يكون الحاضر مع البيروني من الثوابت الأساسية التي يجب مراعاتها في الكتابة التاريخية، فالحاضر هو المجال الزمني الذي تظهر لنا فيه بوضوح أكبر عوامل ومكونات الظواهر التاريخية التي حدثت في الماضي. ويكون أيضاً مركز التحليل التاريخي بالنسبة للمؤرخ من جهة أخرى.

إن مسألة التطوير التاريخي بالنسبة للبيروني تكمن في مراجعته الخاصة للزمن، أي إنه جاء بنظرة جديدة للزمن التاريخي، حيث أصبح يتحرك في إطار جدلي (ماضي – حاضر) الأمر الذي لا نجده عند الطبري وحتى المسعودي رغم أن هذا الأخير صاحب تنظير في حقل الكتابة التاريخية. فمع البيروني تغيرت الرؤية وأصبح ينظر للمعرفة التاريخية بأنها ليست هي تلك التراكمات الماضية، بل أصبحت أكثر من مجرد تذكر للماضي أو سجل للأحداث، هذا الماضي القريب منه أو البعيد. مما يعني أن الكتابة التاريخية باتت تتحرك انطلاقاً من وعي جديد في ظل رؤية جديدة للزمن التاريخي.

وفي النهاية يعتبر البيروني الحاضر مرآة عاكسة لمكونات الماضي، فالحاضر هو المخبر الذي تمر منه الحوادث التاريخية، حيث تتخمر فيه ثم تنقى من الشوائب التي علقت به لتشكل في النهاية حقيقة تاريخية تظمئن إليها النفوس وتتمسك بها العقول.

الخاتمة:

مما لا شك فيه، أن البيروني كان في بحوثه عالماً ومجرباً رائداً في شتى ميادين المعرفة، وموضوعياً بعيداً عن التحيز والتعصب، ودقيقاً أميناً، متحرياً الأمانة العلمية، والحقيقة الموضوعية. هذا ما دفع المستشرق الألماني إدوارد سخاو إلى أن البيروني أعظم عقلية عرفها التاريخ. كما قال الدكتور سارتون في مقدمة كتابه تاريخ العلم أن البيروني كان باحثاً مؤرخاً فيلسوفاً رياضياً جغرافياً، من أصحاب الثقافة الواسعة، بل من أعظم علماء الإسلام، ومن أكابر علماء العالم، بل أكثر من ذلك فقد سمى النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي بعصر البيروني.

وفي الختام، عاش البيروني زهاء ثمانين سنة كرسها في سبيل العلم والبحث عن الحقيقة. وقد بدأت رحلته في سبيل المعرفة منذ نعومة أظافره. وقد أبا ألا يفارق هذه الدنيا قبل أن يأخذ منها آخر قطرة علم في آخر لحظة من لحظاته، ليكون حتى في مماته مثالاً على حب المعرفة والتفاني في سبيل الحقيقة.

ويشير المستشرق الروسي كراتشكوفسكي عن البيروني: ” لا نملك إزاء هذا إلا الانحناء في خشوع واحترام أمام النتائج العلمية الباهرة التي توصل إليها، والتراث العلمي الحافل الذي أنتجه في ظروف الزمان الذي عاش فيه “. ما من شك أن الكثير من تلك ” النتائج العلمية الباهرة ” قد تجاوزها العلم الحديث وغدت من اهتمامات المتخصصين في تاريخ العلوم. لكن مناهج البحث التي ابتكرها أو تلك التي ساهم مساهمة كبيرة في بلورتها تخطت ” الزمن الذي عاش فيه ” لتصبح من المناهج العلمي الحديثة. ويقف في مقدمة هذه المناهج المنهج النقدي، الذي يعتبر بحق من أهم رواده.

وإذا كان البيروني أعظم عبقرية عرفها التاريخ، فإن أثمن وأهم العبر والدروس التي يمكن أن نستخلصها من سيرة حياة هذا الرجل هو أن العبقرية مهما عظمت فإنها، ومن أجل أن تتألق بإشعاع الفكر والمعرفة، تبقى بأمس الحاجة إلى روح نقدية متأججة وفكر مغامر، وقوة عزيمة وإصرار على تحدي الصعاب في سبيل بلوغ الحقيقة. لقد كان قدوة للباحث الموضوعي الصادق ليس في إنجازاته واكتشافاته الباهرة فحسب، بل وفي إخفاقاته وهفواته أيضاً.

ليس من الصعب على من يتتبع سيرة حياة هذا الرجل ويطلع على مؤلفاته أن يدرك أنه أمام شخصية فريدة من نوعها، جمعت بين العبقرية والشجاعة والصبر والمثابرة على العمل وتحمل الصعاب، وبين البساطة والتواضع والحب اللامتناهي للبحث العلمي، والاستعداد لبذل الغالي من أجل الحقيقة.

 – المراجع التي تم الاطلاع والاعتماد عليها:

  • أبو الريحان البيروني: الآثار الباقية عن القرون الخالية، دراسة وتقديم: أحمد سعيد الدمرداش وعلي الشحات، دار ومكتبة بيبليون السلسلة: مكتبة البيروني، باريس، 19 ديسمبر 2009.

  • أحمد سعيد الدمرداش: البيروني، سلسلة أعلام الإسلام (2)، دار المعارف، القاهرة، ط1، 1980.

  • صلاح مصطفى الفوال: المدخل لعلم الاجتماع الإسلامي، الموسوعة الإسلامية للعلوم الاجتماعية، دار غريب، القاهرة، 2000.

  • عمر فروخ: تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، دار العلم للملايين، ط4، 1983.

  • مجموعة مؤلفين: قضايا المنهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، تحرير: نصر محمد عارف، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة المنهجية الإسلامية (12)، ط1، 1996،

  • حمادي السايح: الفكر التاريخي بين التطوير والتنظير عند البيروني، رسالة دكتوراه، قسم الفلسفة، كلية العلوم الاجتماعية، جامعة وهران، الجزائر، 2012/2013.

  • نزار عيون السود: نشوء وتطور الفكر النفسي – الاجتماعي عند العرب، مؤسسة العلوم النفسية العربية، العدد: 10، 2014.

  • بركات محمد مراد: البيروني فيلسوفاً، المصدر لخدمات الطباعة، القاهرة، ط1، 1988.

  • علي احمد الشحات: أبو ريحان البيروني ( حياته، مؤلفاته، أبحاثه العلمية )، تقديم: علي احمد الشحات، دار المعارف بمصر، القاهرة، 1968.

  • عبد الله متولي: أعلام صنعوا التاريخ ( البيروني )، جريدة الرأي، العدد: 13146- AU، الاثنين، 2015.

  • زكريا غاني: البيروني في الهند… تأملات حول “النسبية الثقافية” ومناهج البحث الانثروبولوجي، مجلة الإحياء، المملكة المغربية، بدون تاريخ.

  • ميخائيل خوري: علماء العرب – ثابت بن قرة، الخوارزمي، ابن الهيثم، البيروني، بيت الحكمة، بيروت، ط1، 1970.

  • يمنى طريف الخولي: بحوث في تاريخ العلوم عند العرب، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط2، 2018.

  • خوليو سامسو: البيروني: ذروة في تطوير علم الفلك الإسلامي، مكتبة قطر الرقمية،17 أكتوبر 2014.

  • بركات محمد مراد: البيروني فيلسوفاً، الصدر لخدمات الطباعة ( سيسكو )، ط1، 1988.

  • عباس فاضل السعدي: أبو الريحان البيروني ودوره في الجغرافيا والفلك، مجلة كلية التربية الأساسية، جامعة بابل، العراق، العدد: 7، أيار 2012.

  • عاطف محمد: البيروني رائد علم الفلك، سلسلة أشهر العلماء في التاريخ (6)، دار اللطائف للنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2003.

  • إمام إبراهيم أحمد: تحديد نهايات الأقاليم للبيروني، سلسلة تراث الإنسانية، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1994.

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة