الأميرة سمية بنت الحسن: العلوم من أجل السلام دعم للإنسانية في الأزمات

في أوقات الصراعات والأزمات، يتضخم الدور الحيوي الذي يلعبه العلم من أجل السلام، مع تدهور ظروف أولئك الذين هم في خضمّ الأزمات والصراعات. في ظل هذه الأوقات يستطيع العلم، بل يجب عليه، أن يقدم ما يخفف عنهم ويلاتهم، بما يمكنهم من إسماع أصواتهم للعالم. واليوم، ونحن نعيش بفزع الأزمة الإنسانية المتزايدة التي يعاني منها أشقاؤنا في فلسطين بعامة، وغزة بشكل خاص، يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتمكين العلم بالتحدث نيابة عنهم. والآن، وأهم من أي وقت، يجب على العلم أن يُمكّن الذين يعانون من ويلات الصراعات والأزمات من إسماع أصواتهم للعالم. ففي الليلة الماضية ناشد النشطاء على الإنترنت “إيلون ماسك”، لتفعيل شبكة ستارلنك للأقمار الصناعية لتوفير الإنترنت في قطاع غزة لمساعدة أهل غزة في ظل انقطاع الاتصالات عنها، حيث انتشر وَسْم (هاشتاغ) “ستارلنك لغزة” بصورة واسعة. إن ما يحدث في فلسطين الآن، وبالتحديد في غزة يؤكد لنا على ضرورة استثمار التطورات العلمية التي تكفل للإنسان كرامته وتحترم إنسانيته وتساعده في توفير مستلزماته الحيوية من: التواصل إلى الدواء والطعام والماء والمأوى، التي للعلوم دور أساسي وفعال لا غنى عنه في توفيرها وبخاصة في ظل الكوارث والأزمات، وبما يضمن تحقيق السلام والاستقرار من خلال فهم أفضل لكيفية استخدام العلوم بطريقة تعزز الحياة البشرية وتقلل من التوترات والصراعات بكافة أشكالها من: الاتصالات إلى الطب، والغداء، والماء، والمأوى، التي يمكن أن تؤدي العلوم الدور الأساسي والحيوي في توفيرها. إن لهذه العناصر الحيوية دورًا أساسيًا هامًا في حماية وتمكين المجتمعات في ظل الاضطرابات والنزاعات. من هنا علينا أن ندرك أهمية العلوم كأداة قوية في تحقيق السلام المستدام وحل النزاعات وإعادة الأمل للمتأثرين بالنزاعات والصراعات. وعندما تتوقف النزاعات والصراعات، تعود مهمة المجتمع العلمي إلى تعزيز عملية إعادة الإعمار والتأهيل والترميم، وتقديم كافة أنواع الرعاية، وتعزيز التنمية المستدامة.

لقد أسس والدي، صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، حفظه الله، الجمعية العلمية الملكية، عام 1970، نتيجة للأوضاع الجيوسياسية بين الأردن وإسرائيل على إثر حرب عام 1967، وردًا على التأثير المدمر الذي خلفته الحرب على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي آنذاك. وعليه فإن الجمعية العلمية الملكية تَعي تمامًا التحديات التي يواجهها إخوتنا في غزة وفلسطين – التي تفصل عنا مسافة تقدر بحوالي 150 كيلومترًا، وتدرك أهمية العلوم في مواجهة هذه التحديات، وضرورة أن تكون دائمًا على استعداد لتقديم الحلول الفعالة المستدامة للمساهمة في التقدم الاجتماعي والاقتصادي عن طريق تطوير الاستراتيجيات والسياسات اللازمة. فنحن نعلم أن العلم، المدعوم بالإرادة السياسية الصحيحة والتمويل الأساسي الذي يركز على الإنسان، سيكون ضروريًا لبناء المستقبل الذي تستحقه البشريّة.

وفي أوقات الأزمات، يمكن للعلم أن يشعل منارة الأمل، ويوفر المعرفة والآليات اللازمة لدعم السلام واستعادة الكرامة المسروقة. وستكون الشراكات التعاونية العابرة للحدود والتقدم العلمي أمرا حيويا لمعالجة القضايا المعقدة وتخفيف المعاناة الإنسانية. ومن واجبنا جميعا، نحن الذين ندافع عن العلم والتنمية والدبلوماسية، أن نجتمع معًا، وأن نعترف بالدور المحوري الذي يجب أن يؤديه العلم في بناء السلام. ومن خلال الاستثمار في العناصر الأساسية للعلوم، يمكننا أن نستبدل بالصراع الفرص وبالمعاناة الأمل، ذلك أن المعرفة العلمية تتيح حلولاً مستدامة تمكن البشرية من التغلب على أكبر التحديات.

في هذه الأثناء، وعلى أثر استجابة إيلون ماسك للدعوة للمساعدة في استعادة الاتصالات، دعونا لا نقلل من قوة العمل الجماعي وقوة الروح الإنسانية التي لا تقهر. ومن خلال التحدث بصوت موحد. كما يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لتوفير المواساة والدعم لمن هم في أمس الحاجة إليها. نحن نظهر إنسانيتنا الحقيقية عندما نوحد الإمكانات التكنولوجية مع التواصل الوجداني. هذه هي الطريقة التي يمكن بها بناء سلام جدير بالقرن الحادي والعشرين.

في هذه الأيام الصعبة والليالي الحالكة المريرة، نتوجه إلى العلي القدير أن يكون في عون أهلنا وأشقائنا، وأن ينزل عليهم السكينة ويلهمهم الصبر والثبات، وفي الوقت ذاته نكثف جهودنا الروحية والعلمية والتكنولوجية من أجل السلام، والسعي إلى تمكين البشرية من التغلب على التحديات. ولكن يجب علينا جميعًا أن ندرك أن معالجة هذه الأزمة الفظيعة، وبناء سلام دائم يتطلب التزامًا مستدامًا وتعاونًا طويل الأمد على مستوى دولي عام (عبر الحدود)، ومن خلال تعزيز شراكات جديدة وشُجاعة عبر الحدود، إذ يمكننا جمع الخبراء والموارد لمعالجة قضايا متنوعة مثل ندرة المياه، والتخفيف من آثار الزلازل، والتدهور البيئي، ومراقبة الأمراض المعدية. لا توفر عمليات التعاون هذه حلولاً مباشرة فحسب، بل تعمل أيضًا على إنشاء بنى تحتية معرفية، وتعزيز التفاهم وسد الفجوات، وتعزيز التعايش السلمي.

فالعلم، وبفضل قدرته على الابتكار وحل المشكلات القائمة على الأدلة، هو في وضع فريد يسمح له بتخفيف المعاناة الإنسانية وإحداث تغيير إيجابي. ومن خلال التقدم في مجالات الاتصالات والطب والزراعة والاستدامة البيئية، يمكننا معالجة الأسباب الجذرية للصراعات وتمهيد الطريق لمستقبل سلمي ومزدهر. ذلك أنه انطلاقًا من مقولة جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم اعزه الله ” أنه لا يمكن لأي دولة أن تزدهر ابدًا إذا كانت مبنية على أساس من الظلم”

وبما أن الأزمة المتفاقمة في غزة تستهلك أفكارنا وتؤلم قلوبنا، دعونا نتمسك بهذا الأمل وندرك إمكانات المعرفة العلمية لتمكين الجزء الأفضل من البشرية. وبالعمل معًا، يمكننا أن نبحر عبر الظلام ونبني مستقبلًا يسود فيه السلام والعدالة والكرامة. وهذا هو المستقبل الذي يستحقه شعبنا كله إن شاء الله. المصدر: عمون نيوز

مواضيع ذات صلة