التجربة الرائدة للمدرسة الداخلية الأردنية “كينغز أكاديمي” في ضوء جائحة كوفيد-19
التجربة الرائدة للمدرسة الداخلية الأردنية “كينغز أكاديمي” في ضوء جائحة كوفيد-19
الدكتورة فهمية محمد أبو سعادة، الأردن.
تظهر قدرتنا على العمل المؤسسي في الظروف الاستثنائية على نحو أكثر وضوحًا منه في الظروف والأحوال الطبيعية الاعتيادية ولعل جائحة كوفيد-19 التي بدأت أواخرعام 2019 وانتشرت في معظم دول العالم وأثرت على مختلف القطاعات وخاصة التربية والتعليم، أظهرت قدرات كل بلد وكل مؤسسة للقيام بعملها بمؤسسية ومهنية. ورغم قسوة الجائحة على قطاع التربية والتعليم محليًا وعالميًا إلا أن تجارب تستحق الوقوف عليها ومنها تجربة نشأت وتميزت في الأردن بمستوى عالي من المهنية لإدارة المدرسة ولكادرها التعليمي والإداري. ذلك أن تاثير الجائحة قد أوقف جميع الفعاليات والنشاطات التربوية والتعليمية في جميع مدارس المملكة كما هو شأن بقية دول العالم بلا اسثناء، وهذا نجم عنه التوجه نحو التعلّم عن بُعد الذي رتب نتائج غاية في السلبية على أولياء الأمور والطلبة والمعلمين على حد سواء، نظرًا لعدم استعداد المعلمين الفعلي لهذه المرحلة المفاجأة، وكذلك عدم استعداد أولياء الأمور والطلبة لهذا النوع من التعلّم، وعدم تقبله سواءً من قبل الطلبة أو المعلمين أو حتى أولياء الأمور، بالإضافة إلى عدم المقدرة لتطبيقه على المواد التي تتطلب أعمالاً تطبيقية أو ورش عمل، أو التي تحتاج أدوات ومعدات لإحداث التعلّم، ولصعوبة متابعة عملية التعلّم وغيرها من التحديات (اليونسكو، 2020). ولعل تسليط الضوء على تجارب وطنية مميزة تعتبر مسؤولية من عايش هذه التجربة لأجل إبرازها ولأجل الفائدة التي قد تُستفاد منها في مؤسسات تربوية وجهات تصنع القرار في مجال التربية والتعليم. فتجربة “كينغز أكاديمي” تستوجب الوقوف عندها لخصوصية المدرسة كونها مدرسة داخليّة بشكل أساس، حيث تعود فكرة إنشائها إلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين؛ فقد استلهمها من فترة دراسته في أكاديمية ديرفيلد الداخليّة الأمريكية، والتي كان لها دور في صقل شخصيته وتطوير قدراته، فأراد جلالته توفير نفس نوع التعليم لأبناء بلده والمنطقة، وتحققت هذه الرغبة في صيف عام 2007، عندما فتحت المدرسة أبوابها للطلبة من الصف التاسع (وفيما بعد من الصف السابع) وحتى الثاني عشر متبعة في تدريسها المنهاج الأمريكي (Advance Placement)، (كينغز اكاديمي، 2020). وفي بدايات انتشار وباء كوفيد-19، بدأت “كينغز أكاديمي” كغيرها من مدارس المملكة التعليم وجاهياً خلال الفصل الدراسي الأول من العام الدراسي 2020-2021، مطبقة الاحتياطات اللازمة للحد من انتشار الفيروس، واعتباراً من تاريخ 17-9-2020، استجابت المدرسة لتعليمات وقرارات وزارة التربية والتعليم الأردنية بتعطيل المدارس وبتحويل التدريس ليكون عن بعد للصفوف من السابع وحتى العاشر، مع بقاء التعليم وجاهيًا للصفين الحادي عشر والثاني عشر. إلا أنه ونظرًا لإيمان “كينغز أكاديمي” بأن قضاء الكثير من الوقت أمام الشاشات في الواقع يمثل تحديًا للطلبة، فقد قررت المدرسة تهيئة الظروف لبيئة آمنة وصحية للتعلّم الوجاهي للصفوف من التاسع ولغاية الثاني عشر، وعملت على إيجاد إجراءات لديمومة عملية التعليم داخل حرم المدرسة – الواقعة في قرية منجا بالقرب من مدينة مادبا – مع المحافظة على صحة وحياة الطلبة وفريق العمل من معلمين وإداريين وعاملين من خلال ابتكار بيئة آمنة خضراء (أطلق عليها اسم الفقاعة) لمن يرغب من الطلبة بالإنضمام لها وهو ما ترتب عليه إقبال شبه كامل من قبل جميع طلبة المدرسة. وجاءت الاجراءات بترتيب عودة الطلبة للمدرسة والبقاء في الحرم المدرسي المزود والمهيأ بكافة المتطلبات التربوية والصحية لإقامة الطلبة والكادر التربوي بعد أن تم اجراء جميع الاختبارات الصحية اللازمة التي أكدت خلو الجميع من الفيروس ووضع خطة اجرائية للتعامل مع أية حالات مصابة بصورة دقيقة وسليمة. هذه الاجراءات أدت لبدء المدرسة برحلة التعليم الرائدة التي ينخرط بها الطلبة بعملية التعلّم وجاهيًا عن قرب وحضور مختلف الفعاليات والأنشطة التربوية والرياضية والترفيهية في بيئة صحية مأمونة ومعزولة عن المجتمع الخارجي، حيث يبدأ دوام الطلبة بصورة اعتيادية من الصباح الباكر وحتى نهاية اليوم في ظل رقابة صحية وتربوية على مدار الساعة وبتواصل مستمر مع أسر الطلبة لضمان نجاح التجربة وتجاوز جميع التحديات التي تواجهها لاسيما التحدي النفسي والعاطفي الذي سيطر على بعض الطلبة وذويهم. إن تجربة “كينغز أكاديمي” رائدة نظرًا لملائمة ظروف المدرسة لتنفيذها وللتعاون المثمر بين فريق عمل المدرسة والطلبة وأسرهم لضمان استمرار العملية التعلّمية على أكمل وجه ممكن. *يجوز الاقتباس واعادة النشر للمقالات شريطة ذكر موقع شؤون تربوية كمصدر والتوثيق حسب الاصول العلمية المتبعة.
- لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية.