التربية الرقمية!
التربية الرقمية!
الدكتورة مريم احمد زعل ابو زيد، اصول تربية
يمر العالم اليوم بمرحلة جديدة تؤدي فيها التطورات التكنولوجية الرقمية والإتصالات وتقانة المعلومات دوراً حيوياَ ومؤثراَ في كافة مجالات الحياة، إذ تغيرت كل أنماط العمل والترفيه والتعليم والاعلام متحولة إلى الرقمية الكاملة وتعددية الوسائط والتفاعلية والشخصنة وغدت التربية الرقمية أسلوب حياة يركز على المعرفة والتعلم والثقافة وتوظيف التقانة في التنمية والتقدم والنفعية على المستوى الفردي ،أو على المستوى الاجتماعي (السيد ،2016 ). ومن هنا يكمن أهمية الحديث عن موضوع التربية الرقمية بوصفه منهج تثقيفي توعوي يهدف إلى إكساب الأفراد ثقافة حديثة ذات بعد رقمي تتمحور حول الاستخدام السليم والفعال لما توفره تقنيات البيئة الرقمية من وسائل اتصال، وبصورة إيجابية وضمن الأطر القانونية والقيمية .
وقد برزت الرقمية في مجال التربية والمهارات بشكلٍ متزايد ، فقد أصبحت التكنولوجيا تُستَخدَم تدريجياً لتوصيل التربية والمعرفة والمهارات بطرقٍ جديدةٍ ومبتكَرَة. ويقترن هذا التغلغل بتغييراتٍ مستقبليةٍ في أسلوب العمل ونمطه، اللذَين يتأثران هما نفسَيهما بالمناخ الحاليّ الاقتصاديّ، فضلاً عن التحولات السياسية، نظراً للاستخدام المتزايد للتكنولوجيات الرقمية السريعة التغيّر في مكان العمل، فقد برزت حاجاتٌ لمهاراتٍ جديدة، لقد ساهم استخدام هذه التكنولوجيات في تحويل التعلّم وتطوير المهارات إلى عمليةٍ تستمر مدى الحياة، حيث يتحتم على الناس الآن أن يُواصلوا تطوير وتجديد مهاراتهم ومعرفتهم لكيّ يُجاروا الابتكارات المستمرة والتطورات الجديدة في العالَم الرقميّ ( كليمان،2017).
لقد كان لدخول التكنولوجيا الرقمية للحياة الآثار العميقة ،حيث أدت إلى ظهور ما يعرف بعصر المعلومات والمعرفة، عصر أصبحت فيه المعلومات موارد لا تقل أهمية عن باقي الموارد التي تحتاج إليها المؤسسة حيث تجسدت هذه المعلومات في استخدام تطبيقات الثورة الرقمية بأنماطها المختلفة كاستعمال الأنترنت، الهاتف المحمول، الفضائيات التلفزيون التفاعلي فضلاً عن أجهزة الإدارة والحماية ، وقد إنعكست هذه الثورة الرقمية على الحياة الإجتماعية بشكل عام وعلى المؤسسة بشكل خاص، حيث أصبحت المؤسسة التعليمية مطالبة بالتكيف مع هذه التطورات والتأقلم معها بتوفير بنية تحتية قوية ومتماسكة ( ومان وزوزو ،2017 ).
إنّ الثورة الرقمية مثلما أحدثت تغييراً في طبيعة وملامح الأنشطة الحياتية بصفة عامة فإنّ تأثيرها إمتد أيضا إلى إحداث تغييرات مماثلة في طبيعة وملامح البيئة التعليمية ومفاهيمها، الأمر الذي أدى إلى ظهور مفاهيم وأنماط جديدة في التربية تتناسب مع تلك الثورة، أطلق عليها البعض مصطلح أو نمط (التربية الرقمية) التربية على الرقمية يسعى إلى تكوين مواطن رقمي فعّال مسيّج بأطر أخلاقية تحميه من مخاطر الفضاء، من خلال تربية هدفها تمكين الطلبة من التعامل مع منتجات تلك الثورة، وكيف تؤثر الثورة الرقمية في حياتهم ومجتمعاتهم، وكيف يستفيدون منها بطريقة صحيحة وآمنة، تربية تسهم في تنمية مهارات استخدام تقنياتها وتصفّح الشبكات الرقمية بجانب تنمية مهارات التفكير الناقد لمحتوى تلك التقنيات والشبكات فهي التوجيه المخطط من قبل المعلمين والتلاميذ أو الآباء والأبناء، والاستخدام الفعلي للمصادر والتقنيات الرقمية بهدف تنمية المهارات والسلوكيات التي تمكنّهم بأن يصبحوا مواطنين رقميين يتفاعلون مع الآخرين عبر الاتصال المباشر أو أثناء التدريس (أم الرتم،2019). وتشير الحمداني (2015) للتربية الرقمية بأنها :” ثقافة وآداب التعامل المناسب والأمثل مع التقنيات الحديثة للإعلام والإتصال، من خلال تنظيم محاضرات وندوات وحلقات نقاشية وورش عمل لجميع أفراد المجتمع، وخاصة بين الأطفال والشباب في المدارس والجامعات، تتناول إيجابيات وسلبيات الإتصال وكيفية الإستفادة المثلى من التقنيات الحديثة وآداب التعامل معها، وذلك من حيث حماية والحفاظ على الحياة الخاصة للآخرين، والمسؤولية وحدود حرية الفرد، ومراعاة حقوق الآخرين، والتثبت من صحة المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت، وحقوق الملكية الفكرية، وإحترام القوانين، مع ضرورة إستخدام هذه الأجهزة والهواتف الذكية الحديثة في إرسال رسائل توعوية للأفراد، لإستخدامها الأمثل، وتجنب إستخدامه في إيذاء وتتبع وإنتهاك خصوصية الآخرين والتجسس عليهم، لأن الكثير من جرائم المعلوماتية يتم إرتكابها عن جهل بالقواعد والنظم أو تتم من دون قصد الإساءة، وذلك للإستخدام الخاطئ لأجهزة الإتصال الحديثة، فالكثير من الأفراد قد لا يقومون بالإطلاع الكافي على ما ستقدمه البرامج والتطبيقات المختلفة بالأجهزة والهواتف الذكية من خدمات، وتكون المفاجأة أن هذه التطبيقات والبرامج قد تتوغل أكثر في خصوصياته، وتصبح متاحة على الإنترنت. كما أشار عبدالحميد ومحي (2019) إلى أن التربية الرقمية هي بمثابة القانون الأسمى والدستور الذي يحدد قواعد العمل في العالم الرقمي الافتراضي، فهي مجموعة من قواعد العمل التي تحدد المهارات والسلوكيات والمعارف الخاصة بالتعامل مع التكنولوجيا الحديثة والمطورة، مما يجعلها منهج ووسيلة لا غنى عنها في أنشطة الإنسان وفي مجال التنشئة الرقمية . فالتربية الرقمية تسعى إلى خلق توأمة ودمج بين القيم التربوية المجتمعية التقليدية والعالم الرقمي لأجل مواكبة المستجدات على الساحة العالمية وخلق درجة متقدمة من الوعي بها، فإذا كانت التربية الأسرية تهتم بتنشئة أبناءهم على القيم الدينية والمجتمعية والتعرف على الأخلاقيات الإيجابية في التعامل مع الأخرين (غرباء أم أقارب)، فان تلك المهمة –مع دخول العالم للثورة الرقمية- تحتاج للإلمام بالمبادئ والقيم الرقمية ودمجها ضمن المهام الأسرية في تربية وتوعية الأبناء، لشرح إيجابيات وسلبيات هذا التطور في العالم الإفتراضي، وخلق جدار حصين ضد المخاطر التي قد تنتج عن إهمالها في مجال الحقوق والآداب العامة . وتشير أم الرتم (2019) الى التربية الرقمية هدفها تمكين الطلبة من التعامل مع منتجات الثورة الرقمية، وأن يفهموا كيف تؤثر الثورة الرقمية في حياتهم ومجتمعاتهم، وكيف يستفيدون منها بطريقة صحيحة وأمنة، تربية تسهم في تنمية مهارات استخدام تقنياتها وتصفح الشبكات الرقمية بجانب تنمية مهارات التفكير الناقد لمحتوى تلك التقنيات والشبكات فهي التوجيه المخطط من قبل المعلمين والتلاميذ أو الآباء والأبناء ، والإستخدام الفعلي للمصادر والتقنيات الرقمية بهدف تنمية المهارات والسلوكيات التي تمكن بأن يصبحوا مواطنين رقميين يتفاعلون مع الأخرين عبر الاتصال المباشر أو أثناء التدريس.
لقد أسهمت التربية الرقمية بشكل كبير وواضح في النهوض بالتعليم من خلال الوسائل الحديثة التي تُعين على تجويد التعلمات وتشغيلها، بحيث تجعل المتعلم أكثر ارتباطًا بما يدرسه، لجاذبيتها وارتباطها بعالمه وواقعه، ما دامت هذه الوسائل قد أصبحت جزءًا من الحياة، وصارت مشاهدة شريط أو الاستماع إليه، أو مشاهدة أفلام تربوية أجدى بكثير من عمل ملخص من طرف المدرس، ذلك أن الصورة تعتبر، دون شك، أكثر جاذبية من غيرها، ولذلك فضلت كثير من الدول المتقدمة الإرتقاء بالتعليم إلى الرقمية. فضلا عن ذلك. فإن الوسائط الحديثة قد أسهمت في تطوير بناء الدرس من خلال السيناريوهات التعليمية ، وهو ما يمكن معه، الانتقال الرقمي في وسائط التعليم والتعلم من التعليم التفاعلي، حيت يربط المدرس المفاهيم المنجزة مع عوالم متعددة تجمع وسائط متعددة تشارك في العملية التعليمية التعلمية، بحيث يمكن في درس للتاريخ مثلاً أن ننقل الطالب إلى مشاهد تاريخية حية عبر الصورة، وإلى أفلام قصيرة تاريخية، وإلى لقطات متعددة وشهادات وسيناريوهات ومشاهد تتفاعل فيها الكتابة، والصورة، والصورة المتحركة، والفيديو؛ وتتعدد فيها الحواس الموظفة في التعلم، مما يخلق إقبالاً أكبر على التعلم (سهمي،2019) .
و ساهمت التربية الرقمية في نشر المعرفة الإنسانية بشكل كبير، وذلك من خلال الإنفتاح على عالم المعلومة ودخوله من بابه الواسع، فقد صار بإمكان الجميع اليوم التعرف على المستجدات السياسية والإقتصادية والثقافية وغيرها، بدون تزييف أو تشويه، بعيدًا عن الرقابة التي كانت ممارسة على المرء من قبل وكالات الأنباء الدولية، وأصبحت الحقيقة تتسرب إلى الجميع قبل أن تصل إلى وكالات الأنباء نفسها، وذلك بفضل الهواتف الذكية التي أصبحت الرفيق الدائم للإنسان. وهو ما يعزز الشفافية والديمقراطية كمبدأين أساسين من مبادئ الرقمية. لم تعد أماكن التعلم والجريدة المكتوبة والكتاب وحدها وسائل نشر المعلومات، بل أصبح كل من لديه هاتف ذكي بإمكانه أن يصور وأن ينشر، وهو ما أسهم في نشر المعارف، بحيث أصبح بإمكان المرء أن يتعرف على ما يجري في العالم بضغطة زر، عبر ولوج محركات البحث ودخول مواقع التواصل الاجتماعي. وبعيدًا عن المخالفات التي قد يقوم بها الناشر أو المتداول للمعلومة، والتي تتطلب وعيًا قانونيًا وترشيدًا من ذوي الاختصاص، فإن التربية الرقمية بحاجة إلى تعزيز الوعي التربوي بما يجري، ولم تعد المعلومة قصرًا على أحد مهما كانت سرية (سهمي ،2019) .
كذلك تساهم التربية الرقمية بعدة طرق في إكتساب معارف في مختلف مواد التعليم وتطوير الإمكانيات والسلوكات ذات الصلة بالمعرفة، وتوظف التكنولوجيا في المجال التربوي خدمة للعملية التعليمية لقدرتها على تسهيل عملية الحصول على المعلومات العلمية، وإمكانية الرجوع إليها للإستفادة منها في تنمية العملية التربوية. واستخدام هذه التكنولوجيات الحديثة في عملية التعلم يكون في أغلب المواقف التعليمية دعماً للنظري أو اعتماداً في الإلقاء أو الإلقاء نفسه، كما أن تأثير هذه الوسائل على نوعية التعليم هو ما جعل سياق التفكير عند الحديث عن توسيع استخدام التربية للتكنولوجيات المتقدمة منذ نهاية القرن العشرين يتوجه نحو “التربية بوسائل الإعلام المتقدمة” بمعنى التربية الرقمية بشكل واضح وصريح والمطلب التربوي الحديث يفرض واقعاً علمياً جديداً وهو التفكير في كيفية توظيفها من أجل الاستفادة منها في المواقف التعليمية الأساسية والحيوية في التعليم، بتوجيه سياق التوظيف لهذه الوسيلة المتقدمة من تدريب إلى كيفية الارتقاء بها إلى أعلى مستوى في التوظيف من خلال نظام قائم على أساس تدويل المعرفة وفرضها كنمط تعليمي ومطلب أساسي في فضاء عالمي يأخذ به كنموذج، يجمع التيارات النظرية كعلم النفس المعرفي بالتربية المعاصر، من خلال ربط التكنولوجيات المتقدمة بما يسمح تطوير قدرات الطلبة الفكرية مما يمكنهم من التحكم المعرفي لتفعيل ونجاح العملية التعليمية على جميع المستويات (بوكريسة ،2013).
كما تسهم التربية الرقمية في نشر الوعي الإنساني بشكل غير مسبوق، وذلك من خلال الإنفتاح على عالم المعلومة ودخوله من بابه الواسع، فقد صار بإمكان الجميع اليوم التعرف على المستجدات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، بدون تزييف أو تشويه، بعيدًا عن الرقابة التي كانت ممارسة على المرء من قبل وكالات الأنباء الدولية، وأصبحت الحقيقة تتسرب إلى الجميع قبل أن تصل إلى وكالات الأنباء نفسها، أصبح بإمكان المرء أن يتعرف على ما يجري في العالم بضغطة زر، عبر ولوج محركات البحث ودخول مواقع التواصل الاجتماعي. وبعيدًا عن المخالفات التي قد يقوم بها الناشر أو المتداول للمعلومة، والتي تتطلب وعيًا قانونيًا وترشيدًا من ذوي الاختصاص، فإن الرقمية أسهمت في تعزيز الوعي الإنساني بما يجري، بل إن الارتقاء المعرفي والعلمي قد صار ممكنًا للجميع بفضل الرقمية، فأصبح بإمكان الجميع ولوج العوالم الإلكترونية والإطلاع على الفيديوهات وغيرها لمعرفة الواقع والحقائق، وللتعلم والمعرفة من خلال المحاضرات والدروس المبثوثة على اليوتيوب وغيره من المواقع، فصار بإمكان المرء حل مشكلاته الحياتية بالإنخراط في محاضرات وتوجيهات المتخصصين، وصار بإمكان المرء أن يطور معارفه بمشاهدة ومتابعة الدروس عن بُعد، وهو ما أسهم في نشر الوعي وفي تنمية المعرفة لدى الجميع (سهمي ،2019) .
المراجع
أم الرتم ، سحر (2019)، التربية الإعلامية والرقمية ضمن متطلبات التنشئة الاجتماعية ، مجلة الآداب والعلوم الاجتماعية/ مجلة العلوم التربوية ، جامعة فرحان عباس ، 16( 1 ) ، 89-103 .
بوكريسة ،عائشة ( 2013 )، توظيف التكنولوجيا الحديثة في الإعلام التربوي : الاتجاه نحو التربية الرقمية، جرش للبحوث والدراسات- جامعة جرش، 15 (عدد خاص)، 249 – 267 .
الحمداني ، بشرى حسين (2015) ، التربية الاعلامية ومحو الامية الرقمية ، (ط1 ) ، عمان : دار وائل للنشر والتوزيع.
عبدالحميد ، حسن سعد ومحي، جميل (2019) دراسة التربية الرقمية ، مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية ، جمهورية العراق ، مجلس الامن الوطني ، https://alnahrain.iq/post/478
السيد، محمود (2016) ، طبيعة العصر والمحتوى الرقمي العربي ،المجلة العربية للثقافة – المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ، 33(62 ) ، 333 – 372 .
سهمي ، سعيد (2019)، الرقمية والتنوير: كيف تسهم الرقمية في محو الامية ونشر الوعي و المعرفة ، مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، الجوبة،(62)،125-130.
كليمان ، ساره غران (2017) ،التعلم الرقمي: التربية والمهارات في العصر الرقمي ، الندوة الاستشارية المعنية بالتعلّم الرقميّ التي عُقِدَت كجزءٍ من برنامج معهد كورشام للقيادة الفكرية ، المملكة المتحدة ( UK ) ، 3 – 23.
ومان، محمد وزوزو، رشيد ( 2017 ) ، التكنولوجيا الرقمية ودورها في تنمية المورد البشري الخاص بسلك الأمن لولاية بسكرة ،مجلة علوم الإنسان والمجتمع، جامعة محمد خيضر بسكرة – كلية العلوم الاجتماعية والانسانية ، (24) ، 15 – 32 .