قراءة في نظام التفاهة
قراءة في نظام التفاهة
أميرة خالد جميل مسمار
نظام التفاهة كتاب للفيلسوف الكندي “آلان دونو” يعرض واقع حال المجتمعات المعاصرة وما وصلت إليه من ترد قيمي وأخلاقي وغياب للضوابط الأخلاقية ومن سيطرة لفئة وصولية تتكئ على الابتزاز والشللية وامتلكت القوة والسطوة والنفوذ والمناصب على حساب أصحاب العلم والمعرفة والخبرة والنزاهة والكفاءة، وسيادة القانون، والعدل والمساواة. ويمكن تعريف نظام التفاهة بأنه نظام اجتماعي يسيطر فيه الأشخاص التافهون على جميع نواحي الحياة، وتتم مكافأة التفاهة والسخافة عوضاً عن مكافأة العمل الجاد الملتزم المنتج المبدع.
يُعزي “آلان دونو” انتشار التفاهة إلى النظام الرأسمالي وتضخم النزعة المادية والاستهلاكية. مما أدى بالتافهين إلى تبوأ مواقع السلطة وبالتالي نشأة التفاهة على مستوى العالم. يشير آلان دونو إلى أن النظام السائد اليوم في العالم يغلب عليه سيطرة التافهين على المواقع المهمة في المجتمع، سواء في السياسة أو الفن أو الإعلام. كما أدى نظام تقسيم العمل اليدوي والفكري أدى إلى ظهور سلطة التفاهة، وأسهم في ظهور خبراء فارغين لا يعرفون ما هو الهدف النهائي من المنتج.
وبأن التسليم للتفاهة يعني تسليم البشرية إلى مصير كارثي، فهي مسألة حياة أو موت بالنسبة للمجتمعات. ويدعم التافهون بعضهم البعض ويشجع كل منهم الآخر ليصبحوا قوة أكبر في المجتمع.
إن التفاهة تشجع الفرد على الإغفاء والنوم بدلاً من التفكير. نظام التفاهة أصبح يعني سيطرة الأشخاص التافهين بعد أن كان يعني قديماً قوة الطبقة الوسطى أو الذي كان يعني “المتواضع” أي المتوسط في فكره الذي لا يملك موهبة أو لا يبرز في أي مجال.
ويتم بهذا النظام تلويث العقل وتدنيسه من خلال عادة الاهتمام بالأمور التافهة. ويقسم “آلان دونو” الشخصيات التي يفضلها نظام التفاهة إلى خمس شخصيات وهي: التافه بطبيعته، الذي يحب أن يصدق نظام التفاهة. والتافه المتعصب، الباحث عن تمثيل له ضمن لنظام التفاهة والمدافع عنه، وأن أي تهديد للتفاهة هو تهديد لوجوده. والتافه رغماً عنه، كالقيام بعمله وبالواجبات ضمن عمله في نظام التفاهة لأي مؤسسة تافهة، لإعالة أسرته مثلاً، أو الوصول إلى مناصب ومواقع اجتماعية. والطائش، الذي ينتقد على الدوام نظام التفاهة ولكن هو في الحقيقة يساهم في إبرازه ويكرسه في الواقع. والكسير، الذي يرفض نظام التفاهة بالانسحاب منه.
يشير “آلان دونو” إلى أن الجامعات والمنظومة الأكاديمية بالعالم أجمع أصبحت رهينة التفاهة والتافهين حتى في أميركا وأوروبا، وذلك لأن بحسب رأيه أن الأكاديمية أصبحت تخضع لقوانين السوق، والعلم أصبح خدمة لأصحاب المليارات الممسكين بزمام الأمور. كما أن الاقتصاد اليوم أصبح يحركه روبوتات وخوارزميات نحن غير قادرين على استيعاب سرعتها وطبيعة عملها ولكننا مضطرون لدفع ثمن أخطائها، وأن السلطة الرأسمالية تساهم في سلب خيرات الشعوب من خلال قانونها الحر، وظهور الجشع والإسراف والطمع، كل ذلك ساهم في نظام التفاهة. كما أسهم تحويل الفن والثقافة إلى صناعة للتفاهة تهيمن فيها السوق الاقتصادية على المنتجات الفنية التي تسخرها لاستمرار عمل النظام الرأسمالي من خلال ملكية أصحاب رؤوس الأموال لوسائل الإعلام وسوق الإعلانات.
إن نظام التفاهة ساد وأصبح مسيطراً على كافة موارد الأرض، وأصبح الفساد هو السائد، من خلال سيطرة مؤسسات عسكرية وحربية وقوى ناعمة من إعلام وفنون وتعليم أكاديمي. وبذلك يعيش العالم في ظل حكم الأقلية بدلاً من نظام ديمقراطي يراعي التوجهات والمصالح، فالشركات العالمية والمنظمات غير الحكومية هي التي تنهب موارد الدول تحت مصطلحات مثل “الحكومة”.
أنا عن كيفية التصدي ومواجهة هذا الحال الذي آلت إليه المجتمعات، فيكمن برأي “آلان دونو” من خلال ثورة “النخب المثقفة” والتصدي لموجة التفاهة السائدة لأنهم برأيه استطاعوا حماية أنفسهم من التفاهة والابتعاد عنها وعن مؤسساتها، فهم بالتكاتف فيما بينهم قادرون على الوقوف في وجه تدمير الأرض اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً وأكاديمياً وبيئياً وفنياً. فهو يدعوهم لرفض نظام التفاهة ورفض أنظمته التي تستغل الشعوب وتدمرها وتستنفد مواردها وخيراتها وتدمر العقول.