تعزيز مساهمة المرأة في تحقيق التنمية المستدامة و إيجاد حلول لتحديات تغير المناخ
تؤدي المرأة دورا هاما في تحقيق التنمية المستدامة والحفاظ على البيئة وإيجاد حلول لتحديات التغيرات المناخية، ما انعكس اعترافاً بأهمية دورها في حماية البيئة في العديد من الاتفاقيات والسياسات البيئية.
خبراء في الشأن البيئي أكدوا في أحاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أنه بالرغم من أن النساء يواجهن تحديات بيئية حول العالم، إلا أنهن يلعبن دورا حاسما في مواجهة التغير المناخي، بوصفهن قائدات تغيير، يدمجن الحلول الذكية مناخياً في أعمالهن، مبينين أهمية دعم جهودها وتعزيز دورها وتمكينها وإشراكها في الخطط والسياسات البيئية.
وأشاروا إلى أن الدولة الأردنية أدركت أهمية تعزيز دور المرأة الأردنية في صنع القرار البيئي وأهمية مشاركتها في التصدي والتكيف مع التغيرات المناخية، مشيدين بالرؤية الملكية والتي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي عزز دعائم دولة سيادة القانون والديمقراطية من خلال توجيهاته الدائمة للحكومات المتعاقبة بضرورة إدماج المرأة في كافة القطاعات سيما قطاع البيئة.
وتعد المرأة أحد أهم الأطراف المساهِمة في تحقيق التنمية المستدامة والسعي من أجل بيئة نظيفة خالية من الكربون، ولا يقل دورها عن دور الرجل في إيجاد حلول لتحديات تغير المناخ ودعم الجهود من أجل مستقبل مستدام، يقول مدير قطاع البيئة والتغّير المناخي والحدّ من مخاطر الكوارث في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن الدكتور نضال العوران.
وأكد العوران أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبحكم مسؤولياته في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030، ومنها الهدف الخامس (تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات)، معني بشكل أساس بتمكين النساء في مختلف المجالات خاصة في مجال الحدّ والتخفيف من آثار التغّير المناخي أو التكّيف معها، مشيرا الى أن البرنامج يحرص على تحديث استراتيجيته المتعلقة بالنوع الاجتماعي سنويا.
وأوضح أن النساء هنّ الفئة الأكثر تأثرا بتداعيات التغيّر المناخي وحالات الطقس المتطرفة المرتبطة بها مثل الفيضانات وموجات الجفاف والعواصف الشديدة والصقيع، خاصة في ظل ارتفاع معدلات البطالة بينهنّ، لافتا الى أن النساء في المناطق الريفية والبادية ينتمين لأسر تعتاش وتعتمد على الموارد الزراعية وتربية الدواجن والمواشي كمصدر رئيس للدخل أو مكّمل له؛ وهذه الموارد معرضة للخطر بسبب حالات الطقس المتطرفة التي أصبحت متكررة وأكثر شدة في السنوات الأخيرة.
إن تداعيات التغيّر المناخي لن تطال فقط المداخيل المتأتية من الموارد الزراعية والثروة الحيوانية، بل يمتد تأثيرها كذلك على صحة الأفراد خاصة النساء والأطفال؛ فتكرار موجات الجفاف وزحف التصحر سيؤدي لتدهور التربة والغطاء النباتي، وبغياب المصدات الهوائية سيؤدي ذلك إلى موجات غُبارية تتسبب بارتفاع حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي التي تكون النساء خاصة الحوامل والأطفال أكثر عرضة لها ما يرفع الكُلف المترتبة على علاج هذه الأمراض. وفقاً للعوران.
وبشأن دور النساء في الحدّ والتخفيف من آثار التغيّر المُناخي والتكّيف معه، أكّد العوران أن للنساء دورا مهما يتمثل في أنهنّ وبحكم أدوراهنّ الاجتماعية يُمثلّن القدوة لأفراد الأسرة في كيفية المحافظة على الموارد والاستخدام الأمثل لها كالطاقة، والمياه، والغذاء وغيرها، والمحافظة على نظافة وسلامة البيئة المحيطة.
ولتحقيق ذلك لا بد من بناء قدرات النساء من خلال رفع الوعي والمعرفة بمفاهيم وأشكال التغيّر المناخي وتداعياتها على المجتمعات وطنيا وعالميا، يؤكد العوران، داعيا الى أن تكون حصة النساء من البرامج والمشاريع المخصصة للتغيّر المناخي في الأردن بين 40- 50 بالمئة.
وأشار إلى أنه من هذه المشاريع محطة فرز النفايات في الشونة الشمالية؛ حيث يعمل فيه 40 – 50 سيدة، وتم إنشاء جمعية تعاونية لهنّ لإدارة المشروع، وهناك أيضا مصنع معالجة السماد الطبيعي الذي تم إنشاؤه في لواء الكورة، ومصنع معالجة السماد الطبيعي (مخلفات الماشية والدواجن) في منطقتي الخالدية والحصينيات في محافظة المفرق؛ حيث تعمل النساء على تغليف وبيع منتجات المصنع من خلال جمعية نساء الخالدية.
كما أشار الى مشروع الحصاد المائي على مستوى المنازل الريفية في محافظات مادبا والكرك والطفيلة ومعان، بهدف دعم المحاصيل الزراعية للاستهلاك المنزلي حيث تم تخصيص 40-50 بالمئة منه للعائلات التي تترأسها امرأة، بالإضافة إلى مشاريع تتعلق بإدارة المناطق الساحلية والمحميات البحرية في العقبة ودور المرأة في حماية البيئة الساحلية وكيفية مضاعفته، وإيجاد حلول طبيعية وصديقة للبيئة لحماية المدينة من الفيضان.
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للعدالة البيئية الدكتور محمد عيادات قال: “يعتبر التغير المناخي أحد أبرز تحديات العصر الحديث، ولا يشكل الأردن استثناءً من ذلك، فالعالم أجمع يشهد الآثار الوخيمة لتغير المناخ، التي أصبحت مصدر تهديد للحياة، ومنها، تراجع هطول الأمطار، والفيضانات، والجفاف بموازاة تغيرات وتحديات مجتمعية مستمرة، كالنمو السكاني السريع والحضري، والتقلبات السياسية، والهجرة الناجمة عن الصراع، وهذا كله يعظّم من آثار تغير المناخ.
وأكد عيادات أن النساء سيما الريفيات وفي المناطق المهمشة، يتأثرن أكثر بالكوارث وتغير المناخ باعتبارهن منتجات للأغذية وعاملات في الزراعة كونهن النسبة الأكبر من أصحاب الحيازات الصغيرة ويتجلى هذا التأثر بنقصان الأمن الغذائي وتدهور الأراضي وزيادة محدودية توافر المياه والموارد الطبيعية الأخرى.
ولفت إلى أن هناك أدلة وتقارير أممية تؤكد أن الآثار المترتبة على انعدام الأمن في مجالات الغذاء والمياه وحيازة الأراضي تختلف حسب نوع الجنس، وأن المرأة هي الأكثر عرضة من الرجل للمعاناة من سوء التغذية في أوقات ندرتها، وتؤدي الأعباء الإضافية الملقاة على كاهل النساء نتيجة لذلك إلى استنزاف وقتهن وإرهاقهن وتبقى المشكلة الأكبر في هذا الصدد ضعف تمثيل المرأة في قطاع العلوم والبيئة والتغير المناخي بشكل خاص ما ينعكس سلبا على حياة النساء خاصة.
وعرض عيادات لأسباب ضعف مشاركة المرأة في صنع القرار البيئي منها عدم معرفتهن بالتشريعات الناظمة للعملية الادراية، والموروث الاجتماعي، ومنها ما هو متعلق بعدم قدرتها على الاستقلال المالي، وعدم التنسيق بين القيادات والمنظمات النسائية والمؤسسات الوطنية المعنية بالمسائل البيئية.
وأشار إلى أن الدولة الأردنية أدركت أهمية تعزيز دور المرأة الأردنية في صنع القرار البيئي وأهميتها في المشاركة في التصدي والتكيف مع التغيرات المناخية لما لها دور كبير في فهم أعمق لهذه التغيرات، فضلا عن الرؤية الملكية بامتياز، والتي يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي عزز دعائم دولة سيادة القانون والديمقراطية وتوجيهاته الدائمة للحكومات المتعاقبة بضرورة إدماج المرأة في كافة القطاعات، سيما قطاع البيئة كعنصر مهم وفعال في المشاركة في الحياة العامة.
وخلال السنوات الماضية وتحديدا بعد صدور قانون لحماية البيئة لعام 2017 الذي نظم أغلب الأطر القانونية والمؤسسية ذات الارتباط المباشر بالبيئية، وشجع إدراج منظور النوع الاجتماعي في خطط والبرامج المتعلقة بالبيئة، أصدرت وزارة البيئة نظام التغير المناخي رقم 79 لسنة 2019، وأطلقت الخطة الوطنية للتكيف مع التغير المناخي لعام 2022، والتي تهدف إلى بناء قدرات التكيف بشكل دائم من خلال الحد من هشاشة النظم المختلفة في الأردن مع مراعة جوانب النوع الاجتماعي، وفي عام 2017، بحسب عيادات.
ولفت عيادات إلى إقرار وزارة التخطيط برنامج التكيف مع التغير المناخي، والذي يهدف إلى زيادة مرونة المجتمعات الفقيرة والهشة لتأثيرات تغير المناخ في الأردن من خلال تشجيع المشاريع الابتكارية في قطاع المياه والزراعة وتعزيز القدرات لتشكيل قرارات بشأن المخاطر الناجمة عن التغير المناخي التي تؤثر على حياتهم.
واستكمالا للجهود المبذولة أصدرت اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة بتوجيه من رئاسة الوزراء الاستراتيجية الوطنية للمرأة في الأردن لعام 2020- 2025، والتي أكدت ضرورة تمكين المرأة في كافة المجالات بما في ذلك التكيف مع التغيرات المناخية، وشملت مؤشرات لقياس تقدم مشاركة المرأة في العمل المناخي، وتكللت الجهود الحكومية بإقرارها السياسة الوطنية للتغير المناخي لعام 2022- 2050 والتي عززت كافة الجوانب المرتبطة في التكيف والحد من الآثار الناجمة عن التغير المناخي، وشددت على التعميم للمساواة بين الجنسين والشباب في التغير المناخي، وتطوير خطة عمل بشأن استهداف النوع الاجتماعي لجميع الاستراتيجيات والمشاريع المتعلقة بالتغير المناخي.
وتعمل وزارة البيئة كنقطة اتصال وطنية لسكرتاريا الاتفاقية الاطارية للتغير المناخي، وكل ما ينبثق عنها من برتوكولات واتفاقيات مُمَثلةً بمديرية التغير المناخي، وتمثل حلقة الوصل بين الجهات الدولية المانحة والعاملة في التغير المناخي والجهات الوطنية المنفذة للمشاريع والبرامج.
ةاستحدثت الوزارة مديرية التغير المناخي ضمن هيكلها التنظيمي عام 2014 لإسناد الملف للمديرية المعنية وأصحاب الاختصاص، وتعمل الوزارة بحسب نظام التغير المناخي رقم 79 لعام 2019.
وأعدت الوزارة السياسة الوطنية الاولى للتغير المناخي (2013-2020) والمحدثة (2022-2050) لتكون الوثيقة التي تقدم إرشادات لبناء مجتمع مرن للمناخ ويكون جزءًا من التوجهات العالمية، فضلا عن وثيقة المساهمات المحددة وطنياً، وقد تم إشراك النساء والشباب خلال إعداد هذه الوثيقة لأخذ ملاحظاتهم حول تحسين جودة الحياة بالنسبة، إضافة إلى خطة عمل وثيقة المساهمات المحددة وطنياً وقائمة الأولويات، والتي تتضمن 35 مشروعاً ذات أولوية في القطاعات الأكثر تأثيراً وتأثراً بظاهرة التغير المناخي.
كما أعدت الوزارة الخطة الوطنية للتكيف مع تغير المناخ في الأردن، وتعتبر شاملة لجميع القطاعات وتراعي جميع الفئات بمن فيهم النساء والشباب، كما تم إعداد عدد من تقارير البلاغات الوطنية، آخرها البلاغ الوطني الرابع (2023) بالاعتماد الكلي على الخبرات والجهود الوطنية، وفي وقت سابق حدثت الوزارة تقرير الانبعاثات لسنتين الأول (2017) والثاني الذي تم تقديمه خلال الربع الأول من عام 2021 لسكرتاريا الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي.
وتمثل الخطة الوطنية للنمو الأخضر، خارطة طريق للتحول التدريجي نحو النمو الأخضر، وتركز على القطاعات الرئيسية الستة، وهي الطاقة والمياه والزراعة والسياحة والنقل وإدارة النفايات) للأعوام 2021-2025.
فيما تعطي خطة تعبئة الاستثمار المناخي الأولوية للمشاريع المستجيبة للمناخ لإشراك القطاع الخاص، وترسيخ الأردن كوجهة مستقطبة للاستثمارات المناخية ودعم تحقيق المساهمات المحددة وطنيا في الأردن، إذ تم تصميم هذه الخطة لعشرة مشاريع تتوافق تمامًا مع الأهداف العامة لرؤية التحديث الاقتصادي في الأردن (2023-2030)، والسياسة الوطنية للتغير المناخي (2022-2050)، والمساهمات المحددة وطنياً.
وجاءت رؤية التحديث الاقتصادي، والتي تعتبر خارطة طريق ومنهجية عمل عابرة للحكومات، وتستلزم تكاتف الجهود الوطنية لإتمام تطبيق الخطة؛ لتحقيق العديد من الأهداف التي تصب جميعها في تعزيز إدماج المرأة في العمل المناخي والعمل لرفع منعتها كونها قد صنفت من إحدى الفئات الهشة المتأثرة بالتغيرات المناخية بحسب تقرير البلاغات الوطنية الرابع.
ومن أهم البرامج والمشاريع التي أنجزت بغرض دعم العمل المناخي، وتعزيز دور المرأة في هذا المجال ورفع وعيها على المستوى الوطني: مشروع خلق وظائف خضراء للاجئين والمجتمعات المستضيفة، وبرنامج الاعتماد المتكامل للنقل الكهربائي، ومشروع مترابطة المياه والطاقة والزراعة، وتطوير مشروع تصميم وتوريد وتركيب وتشغيل واستلام أنظمة الخلايا الكهروضوئية الشمسية لتشغيل مضخات المياه السطحية في القطاع الزراعي وعددها 500 وحدة زراعية في منطقة وادي الأردن، ومشروع زيادة مرونة المجتمعات المضيفة للنازحين لتحديات المياه المرتبطة بتغير المناخ في الأردن ولبنان.
وكذلك برنامج زيادة مرونة المجتمعات الفقيرة والهشة لتأثيرات تغير المناخ في الأردن من خلال تطبيق مشاريع ابتكارية في المياه والزراعة دعماً للتكيف مع التغير المناخي، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ في الأردن من خلال تحسين كفاءة استخدام المياه في قطاع الزراعة، وإطلاق “التقرير التحليلي للمساواة بين الجنسين وتغير المناخ”، والذي يعد الأول من نوعه في الأردن.
ويعتبر الأردن واحدا من الدول التي وقعت على إعلان “التحول العادل المستجيب للنوع الاجتماعي” الذي تم اعتماده خلال مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين “كوب 28” في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يبرز التزام الأردن باتخاذ قرارات شاملة ومشاركة النساء والشباب في مختلف المبادرات.
أستاذ هندسة البيئة والتغير المناخي في جامعة الحسين بن طلال الدكتور عمر علي الخشمان، قال تعتبر المرأة جزءا هاما وكبيرا من استراتيجية المناخ وتحقيق التكيف والتعامل مع التغير المناخي.
وبين أن التمكين والتعليم والمشاركة في التعامل مع المناخ والترويج للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر وترشيد الاستهلاك والمحافظة على الموارد الطبيعية هي بعض الجوانب المهمة التي تسهم في تعزيز دور المرأة الهام في التغير المناخي.
ودعا الخشمان إلى دعم جهود المرأة وتعزيز دورها وتمكينها في جميع الجوانب، ومن أهمها ضرورة تحسين وتطوير التشريعات القانونية الخاصة بحماية البيئة والحد من التغير المناخي وفرض عقوبات على المخالفين الذين يسببون ضرراً للبيئة، وتعزيز دور المرأة في هذا الجانب من خلال ترشيد استهلاك المياه وهدر الطعام والمحافظة على الموارد الطبيعية وإعادة التدوير والانتقال إلى الاقتصاد الأخضر لمواجهة آثار التغير المناخي.
المصدر: وكالة الأنباء الأردنية -(بترا)