التعليم المدمج كبديل فعال للتعليم عن بعد!

الدكتورة إسراء عبد الله

تشير الظروف الصحية على المستوى العالمي والوطني أن كورونا لن يغادرنا في المستقبل القريب، فهو لا زال ينتشر ويتحور ويصيب الدول وأنظمتها الاقتصادية والصحية والتعليمية بمقتل.

ولعل الهاجس الأكبر الذي يسيطر على الأسر وصناع القرار التربوي يتجلى بكيفية خلق التوازن بين استمرار التعليم والمحافظة على الصحة للطلبة وأسرهم. إن تجربة كورونا غاية في القسوة على أنظمة التعليم وبالتالي فإن الاطمئنان بأن كورونا سيزول لم تعد في حساب الدول والمجتمعات، لذلك فإن التوازن أصبح المخرج من خلال نمط تعلم شاع في العديد من دول العالم قبل جائحة كورنا بسنوات وعرف بالتعليم المدمج.

إن التعليم المدمج يشكل اليوم البديل الأوحد الذي يفرض نفسه على أنظمة التعليم في مواجهة وباء الكورونا، كونه يجمع بين التعليم الوجاهي والتعليم عن بعد ضمن ضوابط وشروط ومتطلبات غاية في الدقة. إن التعليم المدمج هو أحد أنواع التعلم الإلكتروني الذي يقوم على الجمع بين ميزات كل من التعليم الوجاهي في حجرات الدراسة التقليدية والتعلم الإلكتروني بأنماط وأشكال وآليات متنوعة.

ويتم تطبيق التعلم المدمج من خلال التعليم عبر الإنترنت “إلكتروني” ومن خلال اللقاءات الوجاهية الشخصية عند تدريس الطلبة. ففي التعلم المدمج، على سبيل المثال، قد يحضر الطلبة الحصص الصفية عند المعلم في بيئة الفصل الدراسي التقليدية، بينما يكملوا بشكل مستقل أيضًا موضوعات المنهاج الدراسي إلكترونيا عبر الإنترنت خارج أوقات الحصص الصفية. وفي هذه الحالة، قد يتم استبدال الوقت داخل الصف الدراسي أو استكماله بخبرات التعلم الإلكتروني عبر الإنترنت، وسيتعلم الطلبة نفس الموضوعات عبر الإنترنت كما يفعلوا في الصف- على سبيل المثال، وهنا ستكون تجربة التعلم الإلكتروني عبر الإنترنت والشخصية متوازنة ومكملة لبعضها البعض (1).

إن هذا النوع من التعليم لا يتطلب استخدام تقنيات معقدة، أو استخدام مداخل تدريسية جديدة، خاصة عند العلم بأنه يتم التخطيط للتعلم المدمج في ضوء الأسس النظرية للتخطيط للتعلم الإلكتروني والتعلم التقليدي، وهو بذلك إستراتيجية متكاملة تقوم على التداخل، والتكامل ما بين النوعين من التعليم والتعلم الإلكتروني بأنماطه المختلفة، وبين التعلم وجها لوجه في الفصول التقليدية مما يؤدي إلى تحقيق التكامل والتوازن بين حصول التعلم لكل طالب في أي وقت وأي مكان وبين متابعة أداء الطلبة وممارساتهم لعمليات ومهام التعلم وذلك من خلال العديد من المداخل، والاستراتيجيات التدريسية.

إن لهذا النمط من التعليم قيمة تربوية وتعليمية تتمثل بتوفر الوقت والجهد لجميع أطراف العملية التعليمية، كما يسعى إلى توفير سبل التعليم لأكبر فئة من الطلبة، فهو لا يستدعي من المعلم توظيف عدة استراتيجيات في التعليم إنما استراتيجية واحدة تفي بالغرض وتحقق نجاحا لافتا؛ إذ تجعل الطالب يعيش الأحداث بشكل متزامن بقيادة المعلم بالتشارك بنفس الوقت حجرة الدراسة الافتراضية؛ مما يزيد من دافعيه الطالب للتعلم وإشباع حاجاته، كما يتيح للطالب تحمل المسؤولية تجاه الأنشطة التعليمية التي يختارها؛ فهو بمثابة تعلم نشط يسهل على الطالب التواصل المستمر في ظل بيئة تعليمية تفاعلية، وتزويده بالمادة العلمية بصورة واضحة ومستمرة من خلال التطبيقات المختلفة، فضلا عن وضوح أهميتها في تنمية روح الإبداع والابتكار وتوفير بيئة تعليمية جاذبة، كما أنه يعكس نوع من أنواع التعليم الذي يقوم على تفريد التعليم؛ كونه يقدم الخبرات التعليمية للمتعلم وفق إمكانياته ووقته الخاص بحيث يكون التفاعل بين المعلم والمتعلم عن طريق الإنترنت وباستخدام أي من الوسائل التكنولوجية المتاحة، وبذلك يحقق قدر من التواصل مع الآخرين، وعن طريقها يقاس مدى فاعلية التعلم وفيه تتم عملية التقييم أيضا.

كما تبرز أهميته في توفير تغذية راجعة يمكن أن تحيط بعملية التعليم، وإتاحة العديد من فرص التعلم السمعية والبصرية بما يتناسب مع قدرات الطلبة واحتياجاتهم. وفي ضوء جميع المعطيات الصحية الراهنة فإن الانتقال من التعليم التقليدي أو التعليم عن بعد إلى التعليم المدمج يحتاج إلى تخطيط علمي وتوفير للإمكانيات التكنولوجية كأداة أساسية في العملية التعليمية، وحسن تقسيم للطلبة للتناوب لحضور الدروس بالشكل الوجاهي بما يتناسب وإمكانات المؤسسات التربوية وبما يحقق الاشتراطات الصحية ووضع الجداول الزمنية للازمة لعقد للقاءات الإلكترونية ويجب العمل كذلك على بدء العمل على خطط طويلة المدى لتطوير المناهج لتصبح قابلة للتنفيذ وفقا لنمط التعليم المدمج.

إن الحاجة اليوم ماسة لوضع خطة شاملة طويلة الأمد لدمج التكنولوجيا في التعليم بشكل فعال، وتدريب نوعي للمعلمين على استخدامها بالشكل الأمثل. كما إن التحول للتعليم المدمج يتطلب تخصيص ميزانية كافية للتعليم المدمج لتغطية كلفة الأجهزة والبرامج والتدريب، مع توفير الدعم الفني وصيانة الأجهزة بصورة مستمرة، وتوفير بنية تكنولوجية حديثة لجميع المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات، مع إعطاء أولوية قصوى للمناطق التي تعاني من بنية تحتية وتكنولوجية ضعيفة بتوفير جميع المستلزمات التعليمية والتكنولوجية لها بما يضمن تعليم مدمج نوعي للجميع.

1. www.edglossary.org