بدران ومصادر النيران
أحمد سلامة
اول طلة للأستاذ الدكتور عدنان بدران على بوابة معرفتي بالرجال كان في أواخر الربيع او مطالع صيف سنة ١٩٧٣ في الجامعة الأردنية. ذلك العام حسمت المباراة النهائية في كرة السلة بين فريق كلية التجارة، وفريق كلية العلوم. ونحن أبناء الكلية المحافظة ( الآداب ) قد خرجنا من السبق مبكرا ، كانت تلك الأيام مليئة بالحياة والحب والايادي ممدودة نحو الشمس …
رحنا نفر المهتمين من كلية الآداب لنناظر النتيجة، وبحكم الجيرة، فإننا باليقين كنا منحازين لكلية التجارة ضد كلية العلوم. كلية العلوم انذاك فيها كل عناصر التشويق، فقد تربعت على رئاسة اتحاد الطلبة ( علي عامر ) وكانت جنباتها تنغل بأعضاء ملتزمين في الجبهة الديموقراطية ( حواتمة ) وفيها الموسيقار ولاعب العود وابطال الرياضة
وعميدها التي فاضت حركته عن قدرة الكلية لاستيعابها!! وصار عدنان بدران من المرموقين الأوائل في الجامعة على نحو عبدالعزيز الدوري ، وعلي محافظة ، وسري ناصر ،والبرت بطرس، ومحمد الحلاج ، وكامل ابو جابر ، وكامل العجلوني ومنيب الور ومحمود ابراهيم و محمود السمرة وابراهيم عثمان وصبحي القاسم وامين محمود والاخوين ياغي هاشم وعبد الرحمن، وفوزي غرايبة ومحمد فضة.
كان عالما من الصخب والضجيج يملاء الجامعة الأردنية حين تدفق الداعية عبدالله عزام ، وإبراهيم زيد الكيلاني ومصطفى الزرقا في مواجهة العلمانيين الذين كان صوتهم هو الاعلى واتباعهم هم الاوفر والأكثر ذلك اليوم …
تمحورت الجامعة الاردنية كلها بين نار كامل ابو جابر، ولهيب عدنان بدران؛ اذ على غير المألوف وصل الى موقع المباراة الذي كل شيء فيه يضحك كان كامل ابو جابر مثل طلة العيد يرحمه الله، وتحلق من حوله زمرة من طلاب وطالبات كلية التجارة ويحمل احدهم طبلا ضخما والعميد يصفق وسطهم واتخذ بين طلابه وزملائه موقعا على المدرج .
لحظات فقط. وإذ بزفة تفوق زفة عريس ابن زعيم قبيلة وبالونات وزهور وطبلة وعدنان بدران الذي كان فعلا بهيئته مثل حزمة من بدور ونجوم. طغى بهالته النورانية على المدرج تخفف من ربطة عنقه وكان دائم الانقضاض على غليونه يختلس منه ( مجة ) ويعيده الى غير مكان، وكان واثقا بالنصر وبهزيمة فريقه للتجارة ويرسل التحايا لكل طالب وطالبة علوم كأنه يحثهم على التصفيق والانفعال اكثر.
ذلك العرس ظل شهوة عندي احب ان ارى دولة ابو سمير في كل مرة تشرفت بلقياه فيها ومن خلالها. ومن تلك الصورة اجازف القول ان عدنان بدران لم يتغير فلقد كان بتحالفه الداعم والمكين ، لروح الجامعة وسياجها واول فخرها ( الباشا الذي لا استطيع ان اصفه باي صفة للغياب العم / الاب / المنجز والراقي عبد السلام المجالي . كان بدران سور الوعي واول التجديد رائدا ورياديا …
ولقد مضى الى قدره في الشمال حاملا رسالته بيد وفاردا قلبه على اليرموك بيد ولقد صمم ونفذ وصنع واعلى اعظم وابهى تجربة اكاديمية في تاريخ الاردن الحديث تخصه وحده ورعاها وحده وكان ايضا قد قاوم حتى اخر لحظة بضراوة حتى لا تتبخر كلها.
ان الذي صنعه عدنان بدران في اليرموك قد جسد معنى اقتسام الناس الى الفضيلة وليس انقسام الناس رغبة في رذيلة الانقسام وبهذا تمكن عدنان بدران في ان يجعل الاردن ينقسم او يدعم مدرستين فكريتين واصبحت دنيا الاردن ( الاردنية واليرموك ) لقد خلق تنافسا جاذبا للعقول ومحفزا للطلبة ان يعتزوا بانتمائهم لاحدى الجامعتين ….
ولقد ساقني قدري ان اشهد على قدرات عدنان بدران الخارقة كرئيس لاهم جامعة كادت ان تكون في كل الشرق الاوسط من خلال تجربتي في العمل الشبابي في منظمة المنتدى الانسان الاردني الذي كان كل وقوده و طلائعيه من جامعة اليرموك.
وكان اول احتكاك في الاولويات قد وقع بضراوة بين ( الامني ) و ( الاكاديمي ) ولقد تشبث عدنان بدران بحلمه وحين تدحرجت قطرات من دم ابنائه في ردهات الجامعة
مضى مثل كل شيء نبيل مضى الى قدره كنهايات صلاة بصمت وبنبل واسدل الستار على التجربة وراح الى عالم اخر …
في تلك اللحظات من شهوات الليالي في عمان أضحى فارس المجالس وموضوع كل الاحاديث عدنان بدران ؟!.
وكان السؤال ..؟
هل اخطاء فـ ( لز و الح كثيرا ) فبدد ما انجز ؟. ام انه كان واقعيا وحالما في صناعة شيء في الواقع الاردني يفوق الجامعة الامريكية في بيروت وكاد ان!. ذاك سؤال تركه عدنان بدران في اول تجربة له سيظل يبحث عن جواب عقودا كثيرة ….
الذي حفزني لكتابة هذا المقال ذلك الحنان الخاص والدفء والاستثناء الذي ظلل هاني البدري في مقابلته لأستاذه كانت ابتسامته بطعم التفاح وتختلف عن كل ابتساماته المواربة مع كل من سبق ( عدنان ). كيف لا؟ وهاني ابن التجربة اليرموكية في قمة القها …
ازعم ان الاردنيين لا يعرفون قادتهم ولا يحبون ان يعرفوا ثمة حاجة لدراسات تنبثق من وحي ( العازة الوطنية ) عندنا لنعرف من كانوا في كرسي القيادة للوطن لنتعرف على مزاياهم وهل يكون برنامج هاني البدري هو أول صورة تعارف لمن حكمونا في السنين الخوالي فعدنان بدران …. نموذج اردني يستحق ان يُكتب عنه بحث علمي متكامل
ذلك ان شخصيته قد تكرر معها دوما ترك سؤال لم يجب عليه ترك الاردنية وكان مرشحا ان يخلف الكبير عبد السلام وراح الى قلب مغامرة رهيبة!..
لماذا فعل ذلك؟ ثم رفع من شأن اليرموك الى الذرى وفي لحظة غير مفهومة ولم تقرأ من احد ترك اليرموك تجربة تبحث عن مبررات البقاء والاستمرار ليس الا.
وفي ذلك سؤال كله حيرة !! بالوصول الى سوال هاني البدري ان حكومته كانت الاضعف ورد بحزم على ذلك نافيا تلك التهمة لكن تهمة تظل اقوى من السؤال. لماذا كان صاحب اقصر تجربة حكومية بعد هزاع المجالي ومحمد داود ؟!
عدنان بدران لا يستطيع احد ان يتخيل المزاعم من ان شخصا بتجربة مروان المعشر او غيره من هو بمستوى خبرته المتواضعة جدا حين تقارن بتجربة عدنان بدران بقادر ان يسيره؟!
انا لا استطيع ان اتقبل مجرد التفكير بذلك ومع كامل الاحترام لتجربة الدكتور مروان فهي اقل تحربة من اي عضو هيئة تدريس تحت امرة عدنان بدران قبل قرابة الثلاثين سنة من لقائهما في حكومة واحدة !!!
لكن ما الذي ادى الى ان تكون حكومته الثالثة في مدتها من حيث القصر وفذلك سؤال متروك بعد ويبحث عن جواب وكما فعل بنا الدكتور ابو سمير في التجارب السابقة !!. ان احداثا امنية هي الاخرى كانت نتيجتها الاطاحة بتجربته الحكومية ( حوادث الفنادق وتفجيراتها)..
ومما هو محزن ان عدنان بدران لا دخل له في تمدد الاخوان المسلمين في اليرموك لأنه من مدرسة فكرية أخرى وكذلك لا دخل له في تفجير الفنادق وفي الحالين دفع ثمنا امنيا نحتاج ان يقول لنا احد عارف بالامور ذات يوم اردني تصح فيه الروايات …
لماذا كان قدر هذا الاكاديمي الجليل ان يتم اغتيال تجربته وان يدفع ثمنا لسبب هو غير مسؤول عنه دائما؟َ!.
مقابلة هاني البدري … تأخرت كثيرا مع دولة ( ابو سمير / بدران ) ولم اكُ راغبا الحديث عن برنامج نيران صديقة لان اغلب من قابلهم هاني من الاصدقاء ولم ارغب الدخول في تقييم التجربة اعلاميا اذ علينا الانتظار حتى ينتهي هاني مما هو فيه ان كان للبرنامج نهاية؟ لكن وجدت في طلة الدكتور عدنان بدران وابتسامته التي تشبه الدبكة الشعبية
ويقظة ذاكرته الطرية وفنيات الحوار الناضجة لديه وقناعاته وفلسفته في الحياة التي لم يغيرها واحلامه التي يمسك بها وصحته المبروكة قد حفزتني ان اثمن جهد هاني بالشكر واقول له ان وفاءك لجامعتك قد اكد حسن مهنيتك و تعاملك بخلق مع الرئيس الالمعي واقول للاستاذ الدكتور الرئيس عدنان بدران المحترم انك ومضة حق
وومضة علم وومضة تحضر ستمر فترة طويلة لتتكرر في حياتنا.
الله يطول في عمرك ، ويهبك ما تتمناه والقطبة المفقودة في سيرتك المهنية يعلمها الله سبحانه و تعالى و الراسخون في فكفكة الالغاز المحيرة.
المصدر: عمون نيوز