السلم المجتمعي غاية إنسانية
السلم المجتمعي غاية إنسانية!
الدكتورة روان يوسف السليحات، الاردن
انطلاقا من معنى السلم بصفة عامة واستنادا لسعي كافة الحضارات منذ بدء البشرية للسلم والعدالة والمساواة والتي تدعو الى ايجاد الانسان القادر على حل مشكلاته مع الآخرين دون عنف أو نزاع فلا بد من غرس قيم الامن والسلام والمحبة والتسامح وتقبل الاخر لتصبح ممارسة حياتية إنسانية دون النظر للانتماء الديني أو العقائدي أو الاجتماعي أو الوظيفي للوصول الى السلم الاجتماعي، ومما لا شك فيه ان هذه الاختلافات هي من اسباب النزاع والعنف والصراع بين افراد المجتمع، اذ يسعى كل واحد بامكاناته وقواه على فرض رأيه على الآخر واعتبار كل من يخالفه عدو له. وهذا لا يعني أن السلم المجتمعي لا يتحقق الا بتطابق أفكار وأراء الجميع وانما يتحقق بإحترام أفكار واختيارات الآخر والعمل على تشكيل مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحترم هذا الاختيار وتسمح لجميع شرائح المجتمع العيش ضمن قواعد أخلاقية وفكرية وقانونية ووطنية محددة (باللموشي،2014).
ويستند السلم المجتمعي على مقومات السلطة والنظام وسيادة القانون، و العدل والمساواة، و التكافل الاجتماعي والتعايش، و ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع، و الحكم الرشيد، والمواطنة والشعور بالمسؤولية. وتشير السلطة والنظام الى السلطة الحاكمة والنظام السائد الذي يتحمل ادارة شؤون المجتمع، وتعمل القوى المختلفة تحت سقف هيبته، والا لكان البديل هو الفوضى وتصارع القوى والارادات على الصعيد العائلي. فلا يمكن الحديث عن سلم اجتماعي في غياب سلطة الدولة أو سلطة المجتمع. و سيادة القانون التي هي أصل من اصول الدولة الدستورية وينص على أن جميع الافراد متساوين أمام القانون ولا فرق بينهم، وأن من يخالف القانون ويتعدى على حقوق الآخرين سيتعرض للعقاب بغض النظر عن مكانته مما يشكل رادع للمتجاوزين، فعندما يسود القانون يشعر كل فرد من أفراد المجتمع ان حياته وممتلكاته بحماية القانون، فالهدف من سيادة القانون هو حماية امن وسلامة المواطنين وفك نزاعاتهم وتحقيق العدالة والتصدي للفوضى والحفاظ على آمن وسلم المجتمع.( القزويني، د.ت). ويشير العدل والمساواة الى ان المجتمع يتساوى فيه الناس أمام القانون وينال كل ذي حق حقه من دون تمييز فيه لفئات على اخرى، هذا المجتمع تقل فيه العداوات والنزاعات اما اذا ضعفت سلطات العدالة وحدثت ممارسات الظلم والجور وعانى البعض من الحرمان والتمييز والجور وأتيحت الفرصة لاستقواء طرف على أخر، فهنا لا يمكن توفر السلم الاجتماعي حتى ولو بدأت الامور مستقرة فانه استقرار زائف في المجتمع. فالمجتمع عائلة واحدة وكبيرة وعدم المساواة بين أبنائه وتمييز بعضهم على بعض سيؤدي لضعف المودة ويضعف ولاء الفرد لمجتمعه ووطنه.
و ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع ركيزة، ليعيش الانسان حياة تحترم فيها انتماءاته العرقية والدينية والمذهبية و يشعر الجميع وخاصة الأقليات بضمان حقوقهم ومصالحهم المشروعة في ظل النظام والقانون ( البديوي، 2011). اما الحكم الرشيد فيشير الى الحفاظ علي السلم المجتمعي وحماية المجتمع من القلائل والإضرابات التي تحدث من جراء غياب المشاركة وسرقة المال العام وغياب مساءلة اصحاب القرار. وتساعد الشفافية في تداول المعلومات على تحقيق المساءلة الجادة حين تتوفر الحقائق أمام المواطنين في المجتمع. وايضا توسيع قدرات الأفراد، ومساعدتهم على تطوير الحياة التي يعيشونها. ويشمل تمكين المواطنين وتحويلهم من متلقين سلبيين إلى مشاركين فاعلين، ويكون ذلك من خلال رفع قدراتهم، ومساعدتهم علي تنمية أنفسهم، والارتقاء بنوعية الحياة. وتعزيز المشاركة بكل اشكالها لدى الافراد، ومحاربة الفساد وكل هذا لتخفيف الاحتقان والكراهية الاجتماعية، وعدم لجوء بعض الفئات إلي العنف والجريمة. وتشير المواطنة والشعور بالمسؤولية الى شعور الفرد بانتماءه لوطنه وأن الوطن هو بيته وأنه مسؤول عن سلامته وأمنه وانه مسؤول اتجاه الاخرين واتجاه الهوية الدينية والوطنية التي يحملها فيقف للمسيء وينبذ التصرفات السلوكية غير المرغوبة، ويحرص على أن تكون مصلحة الوطن أولا بعيدا عن المسميات والتصنيفات المتطرفة التي تشوه مفهوم الوحدة الوطنية لدى أجيال المسقبل والتي سترث منا مفهوم الوطنية والمواطنة (القزويني، د.ت).
ويقوم السلم المجتمعي على عدة اسس ابرزها:
قبول التعددية : ظاهرة التعددية الدينية والمذهبية واللغوية والإثنية موجودة في كل مجتمع، وهنا يجب ان تتحول التعددية إلي قيمة أساسية في المجتمعات المتنوعة، بشريا ودينيا وثقافيا. التعددية في ذاتها لا تعني سوي ظاهرة اجتماعية، ولكل فرد داخل المجتمع الحق في التعبير عن ثقافته واراءه في أجواء من الاحترام المتبادل، وهناك تعددية سلبية تقوم علي اعتبار التنوع مصدر ضعف وليس مصدر غناء ، ويترتب علي ذلك العمل بقدر المستطاع علي نفي الآخر المختلف، لصالح الجماعات الأكبر عددا، أو الأكثر سلطة، أو الأوسع ثراء ونفوذا. ويؤدي ذلك إلي حروب أثنية، ومذهبية، ودينية، ويخلف وراءه خراب بكل مجالات الحياة، والأكثر خطورة ذاكرة تاريخية تتناقلها الأجيال محملة بمشاعر الحقد، وذكريات الكراهية، والرغبة في الانتقام (موقع ماعت للسلام والتنمية وحقوق الانسان، 2010).
التعايش والتكافل الاجتماعي: ان يشعر كل فرد من أفراد المجتمع بالمسؤولية اتجاه الآخر، اي انه محتاج للآخرين كما انهم بحاجة اليه وأنه لا يستطيع العيش بمعزل عنهم وأن أي ضعف في هذا المجتمع قد يؤثر سلبا عليه، أما التعايش فهو قبول الاختلاف برغم من وجود الاختلافات.
حرية التعبير : تعد حرية التعبير من اهم اسس السلم الاجتماعي في أي مجتمع. فمن الثابت أن المجتمعات تقوم على الاختلافات الثقافية والدينية والعرقية والسياسية. القاسم المشترك بين الجماعات المختلفة هو أساس بناء المجتمعات. ولا يتحقق السلم الاجتماعي دون أن تتمتع كل مكونات المجتمع من مساحات متساوية في التعبير عن آرائها، وهمومها، وطموحاتها. في مناخ عقلاني يسوده الانفتاح ويمكن الاستماع إلي كل الأطراف، وتفهم كل الآراء ، بهدف الوصول إلي الرأي الذي يلتقي عنده الجميع ( التميمي ،2012 ).
العدالة الاجتماعية : تعد العدالة الاجتماعية من اهم اسس السلم الاجتماعي، اذ لا يتحقق سلام اجتماعي في أي مجتمع إذا كانت أقليته تسيطر على كل شيء، وغالبيته تفتقر إلي كل شيء. وتقتضي العدالة الاجتماعية أن يحصل كل شخص علي فرصة حياتية يستحقها بجهده، وعرقه، وهو ما يعني القضاء على كافة أشكال المحسوبية والواسطة (ياسين ، 2010).
إعلام المواطنة: يحتاج المجتمع إلي إعلام تعددي، يساعده علي ممارسة التعددية من ناحية، ويكشف الأمراض الاجتماعية والسياسية والثقافية بهدف معالجتها، والنهوض بالمجتمع، يقصد بإعلام المواطنة أن تجد هموم المواطن مساحة في وسائل الإعلام. وتتنوع هموم المواطن حسب موقعه الاجتماعي والديني والسياسي والثقافي في المجتمع. هناك هموم للفقراء، وهموم للمرأة، وهموم للمسيحيين، وهموم للعمال، ومن الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في وسائل الإعلام. 6 – تعزيز قيم العمل المشترك : ان يبنى العمل في المجتمع على أسس سليمة من التجانس، والتلاحم، والاحترام المتبادل، بهدف الوصول الى العيش الكريم ونمو وارتقاء المجتمع.
ويواجه السلم المجتمعي معيقات ابرزها:
– معيقات اقتصادية : هناك عدة معيقات اقتصادية على المستوى الفردي تؤثر على السلم المجتمعي منها الفقر والبطالة حيث اظهرت دراسة لصندوق النقد العربي بعنوان «بطالة الشباب في الدول العربية تبين ارتفاع معدلات بطالة الشباب العرب لتسجل أعلى المستويات عالمياً (28 %) وفق إحصاءات منظمة العمل الدولية ، لاسيما في ظل الارتفاع القياسي لمعدلات نمو القوة العاملة العربية، التي نمت بنحو 3% سنوياً خلال الفترة (2000-2013) بما يعد واحداً من أعلى معدلات نمو قوة العمل المسجلة على مستوى. وتتسم بطالة الشباب في الدول العربية بتركزها في أوساط الإناث والمتعلمين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، حيث تبلغ معدلات بطالة الشباب من الإناث نحو 43.4 % مقارنة بنحو 12.7% للمتوسط العالمي، وكذلك تتركز بطالة الشباب في الدول العربية في أوساط المتعلمين الذين يشكلون في بعض الدول نسبة تصل إلى نحو 40%من إجمالي العاطلين عن العمل، وفي الداخلين الجدد لسوق العمل الذين يواجهون تحديات ملموسة في الحصول على فرص عمل وعدم اشباع رغبات الأفراد وهذا كله يزيد من الجرائم والنزاعات بين أفراد المجتمع الطبقي حتى أن العمل لساعات طويلة وأخذ رواتب ضئيلة تولد الحقد والكراهية وتشعر الافراد بعدم الثقة وعدم أخذ فرصتهم الطبعية لعيش كريم.( دريدي، 2015 ). أما على مستوى المجتمع بأكمله فان التفاوت الطبقي يزيد من الحقد ويشعر الناس بعدم العدالة فتظهر الفوضى وتكثر الجرائم وهذا كله لا يخدم ترابط المجتمع وحالة السلام فيه.
– معيقات سياسية : أن النظام السياسي السائد في دولة ما، ممكن أن يكون سبب من أسباب عدم الاستقرار عندما تمنع حرية الرأي وعندما يغيب تطبيق القوانين أو حتى خلل في تطبيقها وهذا يعني أن النظام السياسي مسؤول عن بناء حالة السلم المجتمعي من خلال سيادة القانون ومنع الرشاوة والفساد والقضاء على البطالة والفقر وتبنيه سياسة فكرية تقوم على العدل والمساواة واعطاء كل ذي حق حقه.
– معيقات ايدلوجيا وقومية : ان العنصرية والتعصب للدين أو العرق أو النسب أو لفكرة معينة يؤدي الى النزاع والصراع والى عدم قبول الرأي الآخر وبالتالي لجوء صاحبه الى العنف وبالتالي الاخلال بالسلم المجتمعي.
– معيقات اجتماعية : المعيقات الاجتماعية التي تتعلق بالفرد والاسرة والبيئة الاجتماعية من حوله. فعدم ثقة الفرد بنفسه وحبه لنفسه فقط وانعدام الحوار والتواصل مع الآخر والتعامل بفرض الرأي قد يصل الفرد الى استخدام العنف لتبرير موقفه حتى على المستوى الاسري، حيث أن تفكك الاسرة وعدم ترابطها وعدم توفيرها التربية الصحيحة لافرادها قد يؤدي بها الى انحطاط في الاخلاق والسلوك وتنشئة فرد غير متقبل للآخر وغير مؤمن بوجود اختلاف في المجتمع من حوله فيشيع الظلم والجشع والانانية والعنف. و يعد العنف والإنحراف والتطرف في العالم العربي من الظواهر المستجدة من حيث قوتها ونوعيتها وليس من حيث وجودها وحضورها في الواقع، فنسبها ارتفعت مع الزمن نتيجة للازمات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المجتمعات العربية وهو ما اصبح يهدد البنى الاجتماعية المختلفة ويؤثر بقوة في الأمن الإجتماعي ( دريدي، 2015).
إن السلم المجتمعي ضرورة للعيش والتطور والرخاء والتمتع بحياة تليق بإلانسان وتحقق الغاية من وجوده.
- لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية .
المراجع
البديوي، خالد (2011), الحوار وبناء السلم الاجتماعي, مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني,
ياسين، نعمه (2010), التربية والسلام, دار وائل للنشر, عمان, ط1.
باللموشي، عبد الرزاق (2014), دور المناهج التعليمية في تحقيق ثقافة السلم المجتمعي, مجلة جيل حقوق الانسان، الجزائر, ع 4, ص 405-416.
القزويني، محسن, د.ت, مقومات الامن الاجتماعي في الاسلام وآليات تحقيقه.
التميمي، عماد (2012) الأمن الاجتماعي في التصور الإسلامي ,جامعة ال البيت ,الاردن.
دريدي, فوزي (2015) معوقات الأمن الاجتماعي في الوطن العربي, على الرابط التالي http://asbar.com/ar_lang/?p=7245
مركز ماعت للسلام والتنمية وحقوق الانسان ,2010,على الرابط التالي www.maatpeace.org