تجربة المدارس الذكية في فنلندا

تجربة المدارس الذكية في فنلندا

الدكتور محمد طه الزيود، وزارة الشباب، الأردن

تعتبر التجربة الفنلندية من أكثر التجارب العالمية ريادة وتميزا،  وقد انطلقت من اعتبار التعليم مفتاح التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبنيت على التركيز بقوة على عمليات التعليم والتعلم لرفع مستوى تحصيل الطلبة، والمساءلة الذكية وتشجيع المدارس على صياغة بيئة التعلم المثلى، وتنفيذ المحتوى التعليمي الذي يساعد الطلبة على الوصول إلى الأهداف العامة للتعليم، وقد أدت المدارس دورا مهما في تحويل فنلندا من دولة صناعية تقليدية إلى اقتصاد حديث قائم على الابتكار والمعرفة (Sahlberg, 2010).

انطلق النظام التعليمي في فنلندا من مجموعة من المبادئ التي ميزته عن سائر النظم التعليمية في العالم، من أبرزها: الاهتمام بمخرجات تعليمية عالية تؤكده النتائج العالية في الاختبارات الدولية(PISA) وترتيب فنلندا في تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، العدالة كقيمة أساسية، نظام تعليمي مرن للتعلم مدى الحياة، الحرية على المستوى المحلي والمسؤولية، نظم الدعم للطلبة ولطلبة الاحتياجات الخاصة، سياسة التقييم وقيادة التحسين المستمر من أجل تعزيز الجودة،  معلمون مؤهلون مهنيا وبرامج تعليم المعلمين عالية الجودة، و نظام المساءلة اللاحقة للمدارس، فأداء المدرسة والمعلم والتقدم السنوي الملائم عامل أساسي لتخصيص الموارد المالية والفنية للمدرسة، وهو يرتكز على التعلم العميق وليس الفحص والمراقبة (Nemi, 2014, Aho, Pitkanen, & Sahlberg, 2006, Sahlberg, 2007).

بدأت فنلندا خططا جديدة لتطوير التعليم انطلاقا من مبدأ أن تحقيق كفايات ومهارات القرن الحادي والعشرين لدى طلبتها يستلزم إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة للتعلم والتعليم، وانطلقت من نتائج الدراسات التربوية التي أشارت إلى أن مجرد الاستثمار في الموارد التقنية والبنية التحتية لا تخلق ثقافات المدرسة الجديدة والتجارب التعليمية التي تعزز في الواقع مهارات القرن الحادي والعشرين، ففي عام 2010 نشرت الاستراتيجية الوطنية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الحياة اليومية للمدرسة، وبدأت العديد من المشاريع البحث والتطوير من اجل إيجاد طرق أكثر فعالية لتنفيذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعلم والتعليم، بحيث لا تكون مجرد عنصر إضافي في التعلم والتعليم ، بل تكون متكاملة مع إيقاع المدارس اليومي وجزء من ثقافة المدرسة (Nemi, 2014).

 وفي هذا السياق حددت الدراسات التي قام بها مجموعة من الباحثين من جامعة هلسنكي أن الخصائص الست للتكامل التكنولوجي الناجح في مدارس الابتكار الذكية تم تحديدها على النحو الآتي: إدراج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التخطيط الاستراتيجي كجزء من ثقافة المدرسة، طرق التعليم والتعلم تسهل المشاركة وتؤدي إلى التمكين، مناهج مرنة، ارتفاع الاستثمارات في الاتصالات، القيادة والإدارة الأمثل، وقدرات أعضاء هيئة التدريس القوية والتزامهم (Niemi et al., 2013).

في عام 2011 أصدر المجلس الوطني للتعليم(FNBE) خطة استراتيجية لتطوير التعليم حتى العام 2020، وقد ارتكزت على تحقيق مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، هي: بناء رأس المال الفكري الوطني، تعزيز المساواة والإنصاف في مجال التعليم، بناء فنلندا الرائدة في تطوير ثقافة التعلم، بناء مجتمع التعلم المزدهر، تعزيز كفاءات العاملين في التدريس، تعزيز الدراسات والبحوث وتوفير التعليم والتدريب وتحسين الشفافية  والانفتاح والفعالية في التعليم، والريادة والتأثير من خلال المعلومات(FNBE, 2011).

ساهمت مجموعة من العوامل الدولية والوطنية في خطط فنلندا للانتقال إلى نموذج المدرسة الذكية الابتكارية، من أهمها: حركة القرن الحادي والعشرين، دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم والبيئات الجديدة للتعلم(Vahtivouri-Hanninen et al., 2014)، حيث ساهمت الحاجة إلى مهارات وكفايات القرن الحادي والعشرين في التأثير على عملية إعادة صياغة وتطوير المناهج الأساسية لمرحلة التعليم الأساسي في فنلندا، وإعادة تعريف أهداف التعليم وكيفية تنظيمه من اجل تلبية مطالب القرن الحادي والعشرين، حيث يحتاج الأفراد إلى التفكير النقدي والإبداعي، وتعلم استخدام مجموعة واسعة من الأدوات الاجتماعية والثقافية والتكنولوجيا(تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) للتفاعل الفعال مع البيئة من اجل تطوير مستدام للمستقبل، وتحمل المسؤولية عن إدارة حياتهم الذاتية، والعمل بشكل مستقل، وذلك بالاعتماد على إطار مهارات القرن الحادي والعشرين المسمى(ACT21s) والذي قسم المهارات(الكفايات) إلى أربع مجموعات، هي: طرق التفكير(التفكير الإبداعي والنقدي والتعلم للتعلم، وما وراء المعرفة)، طرق العمل( مهارات الاتصال الشفوي والكتابي، العمل الجماعي، وأساليب العمل التعاوني)، أدوات العمل(الأداء، الكفاءة في استخدام وسائل الإعلام، ومهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) ،العيش في العالم(المواطنة العالمية والمحلية النشطة، التشاركية الفعالة كجزء من المجتمع والمسؤولية الشخصية والاجتماعية)(Finnish National Plan for Educational Use of ICT, 2010). وبدعم من المجلس الأوروبي والشبكة المدرسية الأوروبية، تم تطوير المناهج الفنلندية الجديدة بهدف إقامة بيئات تعلم تساهم في تعزيز قدرات الأطفال في عالم معقد، وتؤثر فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وأن تساهم المهارات والكفاءات النقدية والإبداعية والاجتماعية في استغلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بحيث تمكن الطالب من النمو السليم ليصبح عضوا نشطا في المجتمع، والتعامل معه كمتعلم نشط، وتمكينهم من حل المشكلات الحياتية بشكل مستقل وبالتعاون مع الآخرين ( VahtivouriHanninen et al., 2014).

في آب 2012 أطلق المجلس الوطني للتعليم في فنلندا المسودة الأولي لمنهج التعليم قبل المدرسي والتعليم الأساسي ، وتم الانتهاء من تصميم المناهج الأساسية الجديدة في نهاية 2014، وقد تم تحديد المجالات السبعة الآتية لعمل المدارس الابتكارية الذكية والتي استندت إلى القيم المحددة حديثا والأهداف الوطنية المنصوص عليها في قانون التعليم، وهي: التفكير والتعلم للتعلم، محو الأمية الثقافية والتفاعل والتعبير، رعاية الذات ومهارات الحياة اليومية والسلامة، محو الأمية المتعدد، كفايات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مهارات العمل الحياتية وريادة الأعمال، والمشاركة والتأثير والمسؤولية عن مستقبل مستدام  ( Vahtivouri-Hanninen et al., 2014).

إن التجربة الفنلندية في  بناء نموذج المدارس الابتكارية الذكية استندت إلى مجموعة من الأسس أهمها: إعادة بناء المناهج الدراسية الأساسية وفق متطلبات القرن الحادي والعشرين (ACT21s) والمجالات السبعة السابقة، تعزيز استخدام تكنولوجيا المعلومات وفق الخصائص الست السابقة، تطوير بيئات التعلم وفق احتياجات المتعلمين، التنمية المهنية والإعداد عالي الجودة للمعلمين، وإقامة الشراكات الفاعلة، التركيز على البحث العلمي لتطوير مجتمع المدرسة وأثر المبادرات المختلفة لإدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

إن التجربة الفنلندية  تهدف إلى بناء نموذج شامل لبيئة المدرسة التي تدعم تعلم وتعليم مهارات القرن الحادي والعشرين في المدارس المحلية من خلال التطبيق التعاوني للتكنولوجيا الجديدة، وتعزيز التعلم الشخصي وربط الطلبة بالمجتمع المحلي والمكتبات منى خلال أدوات جديدة، وتطوير مهارات المعلمين لمعرفة المزيد عن الابتكارات والتكنولوجيا الجديدة واستخداماتها المحتملة في التعليم (Neimi, 2014).

المصدر

 

مواضيع ذات صلة