تقرير السعادة العالمي لعام 2025: فنلندا تتصدر العالم في السعادة للعام السابع على التوالي… والإمارات الأولى عربيًا في المرتبة 21، والأردن يحل في المركز 128 بين دول عربية تتفاوت بين التقدم والتراجع
أصدر مركز أبحاث الرفاه في جامعة أكسفورد، بالتعاون مع شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة ومؤسسة “Gallup”، تقرير السعادة العالمي لعام 2025، وذلك تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي للسعادة الذي يُصادف 20 مارس من كل عام. ويُعد التقرير المرجع الدولي الأهم في قياس جودة الحياة ورفاه الأفراد، ويغطي في نسخته الحالية 147 دولة حول العالم.
يعتمد التقرير في تصنيفه على بيانات جُمعت بين عامي 2022 و2024 من خلال استطلاعات رأي ميدانية، وتحليل مؤشرات كمية ونوعية تشمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية والسياسية. ويرتكز التقييم على مقياس “سُلّم كانترل”، حيث يُطلب من المشاركين تقييم حياتهم الحالية على مقياس من 0 إلى 10، بالإضافة إلى ستة مؤشرات رئيسية تشمل: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (المعدل بالقوة الشرائية)، الدعم الاجتماعي، العمر الصحي المتوقع عند الولادة، حرية اتخاذ قرارات الحياة، الكرم، ومدى انتشار الفساد في مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
فنلندا في الصدارة للعام السابع… والدول الصناعية تتراجع
احتفظت فنلندا بالمركز الأول عالميًا في قائمة الدول الأكثر سعادة للعام السابع على التوالي، تلتها الدنمارك، آيسلندا، السويد، وهولندا، بينما جاءت كوستاريكا، النرويج، إسرائيل، لوكسمبورغ، والمكسيك ضمن المراتب العشر الأولى. وتتمتع الدول الإسكندنافية بمزيج من الثقة المجتمعية المرتفعة، وأنظمة الرعاية الصحية والتعليم المتقدمة، وفعالية مؤسسات الدولة، إلى جانب انخفاض مستويات الفساد.
وقد لاحظ التقرير أن الدول العشرين الأعلى ترتيبًا سجلت فروقات طفيفة تقل عن نقطة واحدة في متوسط تقييم السعادة، بينما تفاوتت نتائج الدول العشرين الأخيرة بأكثر من ثلاث نقاط. في المقابل، تراجعت بعض الدول الصناعية الكبرى مثل الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، حيث خرجت جميعها من قائمة العشرين الأوائل، ويُعزى ذلك إلى تراجع مؤشرات الترابط الاجتماعي والثقة العامة، وارتفاع العزلة، لا سيما بين فئة الشباب.
أفغانستان ولبنان واليمن في ذيل القائمة
جاءت أفغانستان في المرتبة 147، وهي الأخيرة عالميًا، بتقييم بلغ 1.36 نقطة، في أدنى معدل يسجله التقرير منذ انطلاقه، بينما سجلت النساء في أفغانستان معدلًا أقل بلغ 1.16 نقطة. كما تذيلت دول مثل لبنان (المرتبة 145)، واليمن (المرتبة 140) القائمة، متأثرة بالأزمات السياسية والاقتصادية والنزاعات المستمرة.
الإمارات الأولى عربيًا… وتراجع في دول عربية أخرى
سجلت الدول العربية تباينًا كبيرًا في ترتيبها ضمن تقرير السعادة العالمي لعام 2025؛ إذ جاءت الإمارات العربية المتحدة في الصدارة عربيًا والمركز 21 عالميًا، محافظةً على موقعها المتقدم بفضل ارتفاع مؤشرات الدعم الاجتماعي، والثقة في المؤسسات، وحرية اتخاذ القرارات. تلتها الكويت في المرتبة 30، ثم المملكة العربية السعودية في المركز 32، وسلطنة عمان في المركز 52، والبحرين في المرتبة 59. في المقابل، حلّت الجزائر في المركز 84، والمغرب في المركز 112، وتونس في المرتبة 113، والأردن في المركز 128، ومصر في المرتبة 135، واليمن في المرتبة 140، فيما جاءت لبنان في المركز 145، مما يعكس تفاوتًا واضحًا في الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين دول المنطقة.
وتعكس هذه النتائج تفاوت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية، ومدى تأثير الاستقرار والثقة المؤسسية على تقييم الأفراد لحياتهم.
الرعاية والمشاركة: محاور جديدة في التقرير
سلّط التقرير الضوء على محور “الرعاية والمشاركة” كمفتاح لتعزيز السعادة، حيث أظهرت البيانات أن الأفعال الإيجابية مثل التبرع، التطوع، ومساعدة الغرباء تعزز رفاه الفرد والمجتمع، بشرط أن تكون نابعة من دافع صادق وغير قسري. وأبرز التقرير أن “توقع الخير من الآخرين”، مثل إعادة المحفظة المفقودة، يُعد مؤشرًا قويًا على مستوى السعادة، ويتفوق أحيانًا على بعض المؤشرات الاقتصادية التقليدية.
وأظهرت البيانات أن الناس غالبًا ما يقللون من تقدير الكرم الفعلي في مجتمعاتهم، وأن مجرد الاعتقاد بأن من حولهم سيتصرفون بأمانة يسهم في رفع مستوى الرضا الشخصي، حتى دون تجربة فعلية لذلك.
الروابط الاجتماعية والغذاء المشترك يعززان السعادة
أبرز التقرير العلاقة بين تناول الوجبات مع الآخرين والشعور بالسعادة، حيث تبين أن الأفراد الذين يتناولون الطعام مع أسرهم أو أصدقائهم يسجلون تقييمًا أعلى لرضاهم عن الحياة. كما أن الأسر المكونة من أربعة إلى خمسة أفراد كانت الأكثر ارتباطًا بمستويات السعادة المرتفعة، لا سيما حين تضم أطفالًا أو أقارب من العائلة الممتدة. في المقابل، تؤدي العزلة أو العيش بمفرد إلى انخفاض في مؤشرات السعادة.
وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، ارتفعت نسبة الأفراد الذين يتناولون وجباتهم بمفردهم بنسبة 53% منذ عام 2003، وهو ما انعكس سلبًا على مؤشرات الانتماء الاجتماعي والرضا، خاصة بين الشباب.
انخفاض في “وفيات اليأس” عالميًا… وتفاوت بين الدول
ناقش التقرير ما يُعرف بـ”وفيات اليأس”، التي تشمل الانتحار، والإدمان، والوفاة نتيجة تعاطي الكحول والمخدرات. وأظهرت البيانات تراجعًا في معدلات هذه الوفيات في ثلاثة أرباع دول العالم خلال العقدين الأخيرين، بينما لا تزال مرتفعة في بعض البلدان مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. وبيّن التقرير أن المجتمعات التي تشجع على الكرم والعمل التطوعي تسجل معدلات أقل من تلك الوفيات، مما يعزز دور المشاركة المجتمعية في الوقاية النفسية.
العوامل السياسية وتأثيرها على مؤشرات الثقة والسعادة
في بُعده السياسي، أوضح التقرير أن انخفاض مستويات السعادة يساهم في تصاعد التيارات الشعبوية. فالأفراد غير الراضين عن حياتهم والذين يثقون بالآخرين يميلون إلى التصويت لتيارات يسارية، بينما أولئك الذين لا يثقون بالآخرين يتجهون نحو اليمين المتطرف. كما ناقش التقرير العلاقة بين المساعدات الخارجية ورضا شعوب الدول المانحة، حيث تبيّن أن المساعدات غير المشروطة تعزز تقييمات السعادة، في حين أن استضافة اللاجئين دون توافق مجتمعي وتخطيط كافٍ قد تؤدي إلى تأثيرات سلبية على بعض المجتمعات المضيفة، ليس بسبب اللاجئين، بل نتيجة التحديات المصاحبة للنزوح غير المنظم.
الاستنتاج العام: السعادة تتجاوز الماديات
في ختام التقرير، أكّد الخبراء أن السعادة لا تُبنى فقط على الثروة أو النمو الاقتصادي، بل ترتكز على شبكة من العوامل المتداخلة تشمل الثقة المتبادلة، والعلاقات الاجتماعية القوية، والإيثار، وتمكين الأفراد من اتخاذ قرارات حياتهم بحرية.
ودعا التقرير صناع القرار حول العالم إلى تبني سياسات تراعي البعد الإنساني والاجتماعي في خطط التنمية، وتعزز التماسك المجتمعي، والشفافية، والكرم، باعتبارها مفاتيح أساسية لبناء مجتمعات سعيدة ومستقرة على المدى الطويل.
المصدر: worldhappiness.report