تمكين المرأة “التحديات والرهانات”

الدكتورة ليلى مفتاح فرج العزيبي

أثبتت المرأة دورها الفاعل والحيوي في كافة قطاعات الحياة على مر العصور والأزمنة على إحداث التغير والتطوير الايجابي؛ فالمرأة تمثل عامل أساسي في تحقيق الريادة المجتمعية وقد أكدت الدراسات العلمية أن المرأة أثبتت بجدارة دورها القيادي والريادي في كافة قطاعات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية والاجتماعية.

وللمرأة دورًا جوهريًا ومحوريًا وأساسيًا في المجتمعات نهضًة وتنمًية وتطويرًا وتحسينًا وتغييرًا إيجابيًا في تلك المجتمعات، بقوتها ودعمها وإصرارها على دعم الرجل ومساندته والأخذ بيده كعنصر بناء في إحداث التغييرات التي نسعى لتحقيقها فهي الأم والمربية والشريكة في تكوين وبناء الأسرة ورعايتها، وتربية وإعداد جيل المستقبل، وما تشاركه وزوجها في التربية والحفاظ على الأبناء وتماسك الأسرة، ودورها الفعال في المجتمع مرهون بمؤهلها العلمي والثقافي والاجتماعي ومدى تمكنها من أداء مهامها والدور المنوط لها في المجتمع، فيقال أنها كل المجتمع بتأثيرها في نشأة الأجيال ويقال نصفه بتكوينه، فهي أم وأخت وزوجة وجدة ومعلمة ومربية وعاملة.

ويتنوع تمكين المرأة من حيث مجالاته، فهناك التمكين القانوني الذي يوفر مختلف الضمانات التشريعية التي تمنح للمرأة حقوقاً وتدعم مساواتها أمام القانون وتضمن مشاركتها السياسية وولوجها الوظائف العمومية والخاصة على قدم المساواة مع الرجل. وهناك التمكين الاجتماعي الذي ينصب على تنشئة المرأة بصورة سليمة تنبني على تعريفها بحقوقها المختلفة وواجباتها أيضاً، وترسيخ ثقافة مجتمعية تؤمن بقدرات النساء وبأهمية إدماجهن في المجتمع .أما التمكين الاقتصادي فهو يرتبط بتوفير الشروط والمقومات التي تعطي للمرأة استقلالًا اقتصاديًا من حيث التحكم في قراراتها المرتبطة بهذا الشأن، ودعم قدرتها في الولوج إلى سوق الشغل وإحداث المشاريع الاقتصادية وتدبيرها، وتعزيز استقلاليتها المالية، بما يسمح بتجاوز العوامل التي تسهم في تأنيث الفقر.

ويرتبط التمكين السياسي بدعم وصول المرأة إلى مراكز القرار السياسي، وإتاحة الفرصة أمامها من أجل التأثير المباشر في صناعة القرارات المرتبطة بالسياسات العمومية، ثم فتح مجال المشاركة السياسية أمامها، من حيث انخراطها في الأحزاب السياسية ومختلف المؤسسات السياسية التمثيلية سواء عبر السبل الانتخابية أو عبر إجراءات وتدابير أخرى داعمة من قبيل «الكوتا». ويمكن إجمال مؤشرات التمكين السياسي في:

  1. التواجد في مراكز القرار والمجالس المنتخبة محلياً ووطنياً.

  2. الانخراط في الأحزاب السياسية والتموقع في هيئاتها التقريرية، ووجود نسبة هامة من المصوتات والمرشحات في الانتخابات.

أهمية حضور المرأة في مختلف مراكز القرار السياسي:

  1. يُمكنها من التأثير في السياسات العمومية الداعمة لتمكين المرأة والسعي لتجاوز مختلف الإكراهات والصعوبات الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي تواجهها في هذا الشأن..

  2. إن المشاركة السياسية للمرأة – متى توافرت شروطها ومقوماتها باعتبارها إحدى الركائز التي تنبني عليها الديمقراطية- تعد بمثابة تعبير عن المواطنة كما تعد شكلًا من أشكال المساهمة في تدبير الشأن العام وممارسة الحقوق السياسية والتعبير عن الآراء والميولات.

إن تحقيق هذا الرهان، تكتنفه العديد من الصعوبات والإكراهات الاجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية، مما يتطلب دعم هذه المشاركة في إطار مقاربة شمولية تستحضر كل عناصر وأبعاد التمكين، وتركيزها أيضًا على المحيط المجتمعي وداخل الأسرة وفي العمل.

أرخى الاستبداد بظلاله على أوضاع المرأة في عدد من دول المنطقة، الأمر الذي جعل جُل التدابير المتخذة في العقود الأخيرة محدودة الأثر، ولم تُسهم بصورة كبيرة في دعم وتعزيز حقوقها في عدد من أقطار المنطقة، ذلك أن تحقيق هذا الدعم وترسيخ تمكين سياسي حقيقي للنساء، لا يمكن أن يتم إلا في أجواء الممارسة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والتنمية.

ومن خلال ما سبق، يتضح إن انخراط المرأة في مبادرات التغيير والإصلاح والسعي إلى الاندماج ليست جديدة، ولم تكن وليدة الحراك الراهن، ذلك أن نضالات المرأة وتوقها إلى التحرر تمتد في عمق التاريخ. غير أن انطلاق هذا الحراك قوبل بتجاوب كبير في الأوساط النسائية التي وجدت فيه فرصة كبيرة للتعبير عن آرائها ومطالبها وتحسين أحوالها. وهو ما عكسه حضورها البارز والمكثف ضمن فعالياته. إن تحرك المرأة على اختلاف توجهاتها السياسية والثقافية والاجتماعية في هذه المرحلة، هو بمثابة رد صارم وقوي على كل الأصوات التي تربطها بالضعف والهوان والدونية، كما أنه مؤشر يعكس الرغبة العارمة في تجاوز الاختلالات التي خلفها الاستبداد في علاقته بهدر الحقوق والحريات وتهميش المرأة.

غير أن مسار الأحداث في دول «الربيع» أبرز أن هناك صعوبات جمة تواجه تمكين المرأة، وتزايدت هذه الصعوبات مع إطلاق بعض التيارات الإسلامية التي ولجت للحكم في ظل هذه المتغيرات لإشارات خلفت تخوفاً كبيراً في أوساط النساء، علاوة على المعاناة التي تكابدها العديد من النساء بفعل العنف المستشري في كل من سوريا وليبيا واليمن والعراق.

إن تمكين المرأة لا يمكن أن يتأتى بين عشية وضحاها، لأن تحقيق هذا الهدف يتطلب مقاربة شمولية وتوافر مجموعة من العناصر الذاتية والموضوعية، ذلك أن التمكين المطلوب لا يمكن أن يتحقق مع سيادة ثقافة نمطية تربط المرأة بالدونية والقصور وأشغال البيت.  كما لا يمكن أن يتحقق أيضًا في ظل منظومة تعليمية متردية وفي ظل أوضاع اجتماعية صعبة وترسانة قانونية متجاوزة بمنطق تطورات العصر. إن إشراك المرأة في رسم معالم المستقبل باعتبارها طرفًا رئيسيًا وشريكًا فاعلاً في التنمية، هو أمر ضروري وملح سيسمح بالاستفادة من كفاءاتها العلمية والعملية، كما سيسمح لها بتجاوز الإقصاء والتمييز الذي عانته على امتداد سنوات، ذلك أن الديمقراطية تفترض التشاركية والانفتاح وعدم الإقصاء واحترام حقوق الإنسان في شموليتها، كما هي متعارف عليها عالميًا، كما أن تطور المجتمعات وريادتها لا يمكن أن يتحقق إلا بمشاركة المرأة والرجل جنبا إلى جنب. 

مواضيع ذات صلة