الدكتورة خولة محمد الراشد، الأردن
يرجع ارتفاع عدد المتصلين عالماً في العصر الرقمي خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من (350) مليون إلى أكثر من مليارين وكذلك ارتفاع عدد مستخدمي الهاتف النقال من ( 750) مليون إلى أكثر من ( 6) مليارات إلى انتشار أدوات التكنولوجيا التي يرافقها زيادة هائلة في سرعتها وقدرتها الحسابية، وبحسب قانون (مور) فإن سرعة رقائق المعالجات الرقمية تتضاعف كل (18) شهر، حيث أفادت التوقعات بأنه بحلول ( 2025) سيتمكن جميع البشر من الاتصال بالإنترنت، وهذا يشير إلى أن معظم مضامين الخيال العلمي ستكون حقيقة وسنجد أنفسنا في عالمين منفصلين العالم المادي والعالم الافتراضي (شميدت وجاريد، (2013). وبسبب الاتصال الرقمي يواجه المجتمع البشري متغيرات تؤثر على العلاقات الاجتماعية وعلى سلوكيات الأفراد وأخلاقهم في التواصل، ومن أمثلة التغيرات الاجتماعية عجز الأسرة عن القيام بأدوارها كما كانت سابقاً، فأصبحت مؤسسات عدة تقوم بتلك الأدوار كالمدرسة والنادي والإعلام مما يستدعي التركيز على أوجه الاتصال السليم لما لها من تأثير في بناء الشخصية السوية، وعلى تفاعل الأفراد مع الآخرين مستخدمين أجهزة رقمية متطورة قد تؤدي إلى تأثر شخصياتهم بالتفاعلات المختلفة وهذا يستدعي أحياناً التوجيه والتدخل والانتقاء بين العلاقات والتفاعلات، ومن التغيرات الاجتماعية كذلك قيام بعض الأفراد ببعض السلوكيات الجديدة عليهم كالقيام بأدوار اقتصادية أو سياسية أو أدوار تتعلق بالتطور التقني كإنشاء أندية الإنترنت وتأسيس جماعات جديدة تتفاعل فيما بينها، وكذلك توجه الشباب نحو اكتساب نوعية جديدة تكنولوجية ثقافية أو مهنية، رغبة بالتجريب والتغيير وهذا ما يمهد لتكوين شخصية جديدة المكونات تتآلف مع مجتمع المعرفة (منقريوس، (2009). وصاحب الاتصال الرقمي سلوكيات طارئة تستدعي التصدي لها منها، انتحال أسماء وهويات مزيفة من أجل التعبير عن الأفكار والآراء، شيوع روح التعصب وروح الاندفاع ونبذ أفكار الآخرين خاصة في ميادين الدين والسياسة، بالإضافة إلى انتشار أنواع من الألعاب التي تشجع على تقليص الاندماج الاجتماعي وزيادة انعزال الفرد عن مجتمعه الخاص مما يؤدي إلى التقصير في الواجبات اليومية الشخصية والاجتماعية، ويرافق السلوكيات الخاطئة لتكنولوجيا التواصل الحديثة العديد من الآثار السلبية ومنها: ظهور المشكلات النفسية والجسدية كالاكتئاب وسوء المزاج والقلق واضطراب النوم، الوسواس القهري وفقدان الهوية، إدمان مشاهدة مشاهد العنف والهوس، وعدم انتظام وجبات الطعام وإجهاد العين وآلام العضلات، ويُضاف إلى آثار الانغماس السلبي بالتكنولوجيا، المزج بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي والهروب من العالم الواقعي فتتولد لدى الفرد نزعة الهروب والوضع النفسي غير المستقر، بالإضافة إلى نمو العديد من اتجاهات الانحراف عند الشباب و أبرزها إدمان الإنترنت (بودهان، 2012).
إن المواطنة الرقمية تنظم التفاعل الاجتماعي القائم على الاتصال الرقمي وتؤمن تبادل المعلومات والأفكار والمشاعر وتوجه الأفراد نحو الاستخدام العقلاني للتكنولوجيا، وينعكس هذا إيجاباً على الاندماج الاجتماعي ويقلل من مظاهر الاتصال الرقمي السلبية. كما إن مصطلح المواطن الرقمي والذي أطلقه الأستاذ الجامعي (مارك برينسكي) يشير إلى الأفراد الذين نشئوا في عهد الرقمنة، حيث شكلت أجهزة الحاسوب والألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية أبرز مظاهره في ظل إتاحة للإنترنت في كل مكان من خلال الشبكات اللاسلكية كالواي ماكس Wi Max والواي فاي Wi Fi وخدمات الحوسبة السحابية Cloud Computing ، وأشارت أحدث معايير التكنولوجيا التابعة للجمعية العالمية للتكنولوجيا في التعليم (International society (for Technology in Education إلى أن المواطن الرقمي هو من يقوم بالاستخدام الواعي والمسؤول ويحافظ على اتجاه جيد نحو التعلم بالتكنولوجيا، إضافة إلى أنها بينت ثلاثة أن هناك أنواع للمواطنين الرقميين وهم:
أولاً، المواطن الرقمي المسؤول، وهو الفرد الذي يتحول من استخدام المراسلات الورقية إلى الإيميل الإلكتروني، حيث يتواصل باحترام عبر منتديات النقاش الالكتروني، ويشارك في المعلومات حول العمل التطوعي من خلال أدوات الويب كالمدونات والشبكات الاجتماعية،
ثانياً، المواطن الرقمي التشاركي، وهو الذي لديه القدرة على استخدام منتديات النقاش الإلكترونية أو الشبكات الاجتماعية للمشاركة بأعمال تعاونية كجمع التبرعات للجمعيات الخيرية،
ثالثاً، المواطن الرقمي المُوجَه نحو العدالة، وهو المواطن الذي يستخدم أدوات التكنولوجيا كالمنتديات الإلكترونية للتفاعل حول قضايا اجتماعية ولدعم الحراك نحو العدالة الاجتماعية وذلك بالاشتراك في الشبكات الاجتماعية الملائمة ( Richard,2010) .
وظهرت هناك بعض المحاولات لتنظيم استخدام التكنولوجيا الخاصة ببعض المنظمات والجمعيات، نذكر منها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية التي وضعت أدلة توضح فيها أخلاقيات المهنة، ومنها الوصايا العشر الصادرة عن معهد (الإيثيقيا الحاسوبية) في واشنطن والتي تنص بنودها على: عدم استخدام الحاسوب للإضرار بالآخرين، وعدم التدخل في الأعمال الحاسوبية للآخرين، وعدم التجسس على الآخرين وأعمالهم أو بياناتهم ،عدم استخدام الحاسوب للسرقة أو الإدلاء بشهادة زور،عدم نسخ برمجيات دون مراعاة حقوق الملكية، وفرضت أيضاً جمعية (Association of Computing Machinery) الأمريكية على منتسبيها مجموعة من القواعد الأخلاقية الواجب الالتزام بها وهي: الإسهام في إسعاد الآخرين والابتعاد عن الإضرار بهم، الصدق والإخلاص، النزاهة والابتعاد عن المحاباة والتمييز، احترام حقوق التأليف، والمحافظة على خصوصية الأفراد وأسرارهم، بالإضافة إلى أن هناك بعض الجمعيات التي طورت قواعد لأخلاقيات المهنة واحتوت فيما يخص التكنولوجيا العناصر الأربعة التالية: حرمة البيانات، الجوانب الخاصة، الآثار المعنوية والطبيعية للعمليات الحاسوبية، غايات التنظيم الخاصة بالحاسوب (طعيمة ، 2006). وتؤسس المواطنة الرقمية علاقة “مواطنية” جديدة تتيح للأفراد التعبير والتواصل وتتمحور حول جانبين رئيسين وهما التوجيه والحماية. أما التوجيه فهو للاستفادة من التكنولوجيا في مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. والجانب الآخر، وهو الحماية من أخطار التقنية التي أصبحت واقعاً يومياً يؤثر في جميع فئات المجتمع. ورداً على ظهور المواطنة الرقمية فقد ظهرت ثلاثة تيارات عدة للتعامل معها وهي، أولاً: تيار الانفتاح، ويدعو إلى استخدام التقنية بالشكل الواسع دون حدود وإلى الاستفادة الكاملة من الثورة التكنولوجية بلا رقيب ولا حسيب، على اعتبار أنها من بنود حقوق الإنسان الواجب مراعاتها. ثانياً، تيار الانغلاق، وهو التيار المتشائم من دخول التكنولوجيا فيحذر من الاستخدام غير المشروط لأدوات وقنوات التكنولوجيا، فيحذر من الجانب المظلم للتقنية، والذي يهدد القيم ويتحدى مبادئ التنشئة الاجتماعية. ثالثاً، تيار الوسط ويدعو لاستخدام التكنولوجيا بأدواتها ووسائلها بشكل ذكي عن طريق اتباع قواعد وقائية وتحفيزية تدعو للاستفادة وتحذر من المخاطر(الكوت، 2015).
وتشير المواطنة الرقمية إلى الانتماء للمجتمع الرقمي وإلى التوازن بين مجموعة من الحقوق والواجبات وتفعيلها، وعلى الرغم من تنوع الأدبيات التي أشارت إلى مكونات المواطنة الرقمية إلا أن معظمها قد اتفق على العناصر الآتية: السلوك الرقمي: وهو أن يُظهر المواطنين الرقميين قواعد سلوك مقبولة فيلاحظون قواعد السلوك المألوفة والتوقعات الخاصة بالعالم الافتراضي والتي يكون معظمها غير مكتوب، فالمواطنون الرقميون يتواصلون ويتفاعلون بتهذيب لدرجة تقديم أسباب للآخرين عندما يعارضون فكرة ما عبر الإنترنت، وكذلك المواطنون الرقميون لا يشجعون ولا يدعمون الخلافات عند المواجهة، إضافة إلى أنهم يلتزمون بعدم ارتكاب محاذير استخدام الهاتف ( Hollandsworth etal.,2011).
التجارة الرقمية: وتعني أن يُدرك المستهلكون العمليات الصحيحة للبيع والشراء عبر الإنترنت، فربما يكون الفرد فريسة سهلة للمتاجرة وعمليات الدفع غير المرخصة، ( Mossberger et al.,2012). فعند الشراء إلكترونياً يقوم المستهلكين والمهتمين بحماية أنفسهم بحيث يدفعون مراعين العملة المستخدمة والسعر الكلي للبضائع والخدمات المدفوع مقابلها، مع الانتباه للاسم والعنوان والبريد الإلكتروني ورقم الهاتف الخاص بالبائع، حيث تمنع هذه الإجراءات انتحال الشخصية والخداعات الإلكترونية (Ribble,2011).
المسؤولية الرقمية: وتعني أن يتحمل المستخدمين للتكنولوجيا الرقمية مسؤولية أعمالهم الإلكترونية، فهم يعرفون ما هو الصحيح وما هو الخطأ، وكذلك التصرفات الملائمة وغير الملائمة عند المشاركة بأنشطة عبر الإنترنت، بالإضافة إلى وعي المستخدمين بالتبعات القانونية المترتبة عند انتهاك الأنظمة والقوانين (Oxley,2010).
السلامة والصحة: وتشير إلى عناية مستخدمو التكنولوجيا بسلامتهم الجسدية عند استخدام الأدوات الرقمية، فمثلا عند استخدام جهاز الحاسوب يستخدمون مقعداً قابلاً للتعديل للتأكد من أن عيونهم بوضعية متوازية، ويحافظون على مسافة مناسبة بينهم وبين شاشة الحاسوب، فهذه السلوكيات المريحة تقلل مخاطر إجهاد العين من الوضعيات السيئة، والألم، والتخدر، وفقدان الإحساس والاضطرابات العصبية الناتجة عن استخدام الحاسوب ( Ohler,2011).
الأمن والحماية الذاتية: وتدعو إلى أن يكون المستخدمون على علم بالإجراءات الاحتياطية لحماية أنفسهم، لذا يقوم هؤلاء المستخدمين بتثبيت وتحديث برمجيات الحماية ضد الفيروسات. إن هذه الإجراءات مهمة لحماية البيانات الرقمية من السرقة أو التخريب وبخاصة البيانات السرية والحساسة التي تؤثر على راحة الأشخاص وسلامتهم ) Ribble & Bailey,2005).
التواصل الرقمي: وهو التبادل الرقمي للمعلومات بين المرسل والمستقبل في أي زمان ومكان. حيث أصبحت هناك صوراً وأشكالاً متنوعة للتواصل، وتقسم طرق التواصل إلى نوعين، الاتصال المتزامن: كإرسال الرسائل النصية والدردشات ويتضمن ردود فورية. والاتصال غير المتزامن، ويشمل استقبال المعلومات كالنصوص والأصوات والصور ومقاطع الأفلام. محو الأمية الرقمية: وهي عملية تعليم وتدريس التكنولوجيا، فيجب أن يكون هناك تركيز على ما هي التكنولوجيا التي يتم تعليمها للأفراد وعلى كيفية استخدامها، فقد يكون هناك أموراً تكنولوجية حديثة في بيئة العمل لم يتم تناولها مسبقاً ومنها مؤتمرات الفيديو، إن المواطنة الرقمية تطالب بأن يكون المتعلم على وعي واطلاع بمستجدات التكنولوجيا أولاً بأول وأن يعرف طريقة استخدامها.
الوصول الرقمي: وهو الوصول والمشاركة الإلكترونية الكاملة والمتساوية في المجتمع، حيث يعلم مستخدمو التكنولوجيا أنه ليس لدى الجميع فرصاً متساوية للوصول للتكنولوجيا. ومن الجدير بالذكر، أن من أهم ما تدعو إليه المواطنة الرقمية، العمل باتجاه الحقوق المتساوية ودعم الوصول الإلكتروني للجميع.
القانون الرقمي: ويدعو إلى أن يقوم المستخدم للتكنولوجيا باحترام قوانين المجتمع الرقمي وعدم تجاوزها، بالإضافة إلى أن يكون على وعي بأن هناك أعمالاً يعاقب عليها القانون ومنها: السرقة وانتحال الشخصية والتسبب بتخريب المعدات وأعمال الآخرين (Alberta,2012) .
- لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية.
المرجع: الراشد، خولة (2018)، مستوى المواطنة الرقمية لدى طلبة الجامعات الأردنية الحكومية وتصور مستقبلي لتطويرها، رسالة دكتورة، الجامعة الأردنية، عمان، الأردن.