في يوم الطِّفل العالمي.. أطفال غزَّة يودّعون الحياة سحقاً بصواريخ الغُزاة
في كل زقاق من مدن غزة تتكدس جثث الشهداء الأطفال. وبعضهم يختصر الحياة في حاضنة الخداج ولم تر عيناه النور بعد لانقطاع الأوكسجين والأدوية، وهناك من كتبت عليه المذبحة الصهيونية أن يتدبر أيام حياته المقبلة بلا أم أو أب إذا نجا من الهجمة الشرسة التي اراد لها عسكر “الدولة المتحضرة!” أن لا تبقي ولا تذر، وفي ظل هذه المآسي الإنسانية وغيرها الكثير يحتفي العالم بيوم الطفل في يوم توشح هذا العام بلون دم الأبرياء.
45 يوما انقضت على الحرب الأكثر بشاعة ولما تنته بعد فيما مواثيق حقوق حقوق الطفل العالمية تقف خجولة وتنطق بالخذلان حين تتعلق المسألة بحقوق الطفل الفلسطيني سوى من عبارات للاستهلاك المحلي أو الدولي لا تسمن ولا تغني من ألم وموت.
خبراء ومعنيون بينوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إلى أن اليوم العالمي للطفل الذي يصادف الاحتفال به اليوم الاثنين يجب أن يكون مناسبة للمجتمع الدولي، لتقف خلاله كل دولة أمام واجباتها والتزاماتها القانونية والأخلاقية أمام الممارسات العنصرية وانتهاكات حقوق الأطفال لا سيما في الأرض الفلسطينية المحتلة، فما يجري في قطاع غزة كارثة إنسانية ربما لم يذكر التاريخ الإنساني مثيلا لها.
فبحسب أرقام وبيانات وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفعت حصيلة الشهداء الأطفال حتى الآن الى أكثر من خمسة آلاف، أما الأطفال المفقودون خاصة تحت أطنان من ركام الأنقاض فلا أحد يستطيع تقدير عددهم، فيما يكافح أكثر من 1.7 مليون نازح، من بينهم 700 ألف طفل، من أجل الحصول على شربة ماء وكسرة من خبز دون إغفال تزايد خطر انتشار الأوبئة على أجساد الأطفال الغضة، بحسب منظمة “اليونسيف” التي اكد المتحدث باسم مكتبها الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا سليم عويس، أن “كل حقوق الأطفال انتهكت بشكل جلي في هذه الحرب”.
وأشار عويس إلى أنه الأمم المتحدة حددت عبر مجلس الأمن ستة انتهاكات جسيمة في الحرب والنزاعات المسلحة بحسب القانون الدولي، والتي يجب حماية الأطفال منها، وهي “قتل الأطفال وتشويههم، وتجنيدهم، أو استغلالهم من جانب القوات المسلحة والجماعات المسلحة، والهجمات على المدارس أو المستشفيات أو الطواقم، أو الخطف أو المنع من الوصول إلى المعونات الإنسانية، أوالانتهاكات الجنسية أو غيره من أشكال العنف”، مشيرا إلى أنه بناء على ذلك يتم إعداد تقارير سنوية صادرة عن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، فيما يتعلق بالأطفال والنزاعات المسلحة.
وأكد أن الانتهاكات التي حصلت في قطاع غزة في ضوء ما نرى من الأعداد المهولة من القتلى والجرحى،، وبحسب عدد من التقارير، فإنها ترقى لتكون انتهاكات جسيمة بحقوق الأطفال، عدا عن الهجمات على المدارس والمستشفيات، ومنع الوصول إلى الخدمات الإنسانية.
المركز الوطني لحقوق الإنسان، قال في بيان، إن اليوم العالمي للطفل مناسبة دولية للتأكيد على حقوق الأطفال في شتى بقاع الأرض وضرورة قيام الدول الأطراف بتفعيل هذه الحقوق على أرض الواقع، مشيرا الى أن هذه المناسبة تأتي في ظل ما نشهده من حرب على قطاع غزة أدت وبسبب الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي إلى إبادة جماعية والحاق بالأطفال وبمختلف ضروب الأذى الجسدي والنفسي، وتدمير منازلهم ومدارسهم ومستشفياتهم وتهجيرهم ومنع دخول المساعدات اليهم.
وتشكل هذه الانتهاكات الإسرائيلية، بحسب المركز، مخالفات صارخة للمواثيق الدولية، لا سيما اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 واتفاقيات حقوق الإنسان، وهو ما يستدعي تدخلا سريعا وفعالا لإنهاء هذه الحرب.
الخبيرة في مجال حقوق الإنسان الدكتورة نهلا المومني، بينت أن اتفاقية جنيف بشأن حماية السكان المدنيين والبروتوكولات الملحقة بها أكدت على تدابير خاصة لحماية الأطفال في أوقات النزاع أو الحرب أبرزها ضرورة اتخاذ الأطراف التدابير اللازمة لتوفير سبل العناية والعون اللازمين للأطفال اضافة الى عدم جواز إجلائهم.
وقالت، إن من المفارقات أن يحتفل العالم اليوم بهذه المناسبة في ظل ما نشهده من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ترتكب بحق أطفال قطاع غزة من قبل الكيان الصهيوني؛ وهو التاريخ ذاته الذي أقرت فيه اتفاقية حقوق الطفل، لافتة إلى أن هذه الاتفاقية حظيت بأعلى نسبة انضمام وتصديق من قبل الدول، ذلك أن الطفولة وحقوقهم لم تكن موضع خلاف يذكر من قبل المجتمع الدولي يوما ما الا في الحالة الراهنة التي نشهدها اليوم؛ فأطفال قطاع غزة وضرورة تمتعهم بحقوقهم الأساسية ثبت أنها موضع تجاهل وإنكار واضحين من المحتل الاسرائيلي والدول الداعمة للهجمة الشرسة التي يشنها على القطاع.
جمعية “تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان” طالبت المجتمع الدولي في بيان لها حمل عنوان “أطفال غزة.. جرائم حرب أمام صمت العالم”، بالتحرك العاجل والفاعل بداية لوقف الحرب على غزة، ووقف الانتهاكات التي تستهدف الأطفال الفلسطينيين، وحمايتهم من آثار وتداعيات الممارسات الصهيونية التي تحرمهم من حقوقهم.
وأشار البيان إلى أنه قبيل بدء الحرب، كان ثلث أطفال غزة بحاجة إلى الدعم في مجال الصدمة المتصلة بالنزاع، إضافة الى حاجتهم لخدمات الصحة العقلية والدعم النفسي- الاجتماعي مثل الكوابيس واضطرابات الأكل، والخوف الشديد، والتبول اللاإرادي نتيجة الحروب المتكررة، والآن يدفع أطفال غزة أرواحهم بسبب حرب شرسة يشنها الاحتلال الصهيوني على القطاع منذ 45 يوما دون أي اعتبار للقوانين الدولية أو القرارات الأممية.
وقالت “تمكين” في بيانها، إن الأطفال يشكلون 47 % من سكان القطاع البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، ويستشهد في غزة كل ساعة 6 أطفال وبإجمالي 5 آلاف شهيد من مجموع الشهداء الكلي الذي تخطى حاجز 13 ألف شهيد، إلى جانب إصابة أكثر من 15 ألف طفل معظمهم مصابون بجروح بليغة ستترك لهم إعاقات طويلة الأمد، مشيرا الى أعداد كبيرة من المفقودين تحت ركام المنازل المدمرة، ومن لم يمت أو يصب سيعيشون واقعا صادما لكل معاني الحياة الإنسانية أحد عناوينه المأساوية فقدان الأم أو الأب أو كليهما، أو فقدان الأسرة بكاملها.
وقال البيان، إن هناك حالات ولادة تتم في ظروف صعبة في غياب المساعدة الطبية والعناية الصحية والأدوية اللازمة في ظل خروج العديد من المستشفيات عن الخدمة، وإخلاء بعضها من المرضى.
مسيرة صمت تضامنية مع أطفال غزة نظمتها مؤسسة إنقاذ الطفل- الأردن ومركز هيا الثقافي، رفع خلالها الأطفال يافطات دعت الى وقف إطلاق نار فوري ووقف الجرائم بحق الأطفال.
وقالت “إنقاذ الطفل” ومركز هيا في بيان مشترك “بعد مرور أكثر من 45 يوما على القصف المستمر على قطاع غزة وعدم الاستجابة للمطالبات المستمرة بضرورة وقف إطلاق النار وحماية المدنيين بمن فيهم الأطفال والمنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس، جاءت المسيرة اليوم صامتة بالتزامن مع اليوم العالمي للطفل والذكرى 64 لإعلان حقوق الطفل لعل الصمت أن يكون أبلغ من الكلام”.
وفي رسالة لها عبر الموقع الإلكتروني قالت الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح فيرجينيا غامبا، إن القرار الذي صدر عن مجلس الأمن بالرقم (2712) والذي يدعو إلى هدنة إنسانية “عاجلة وممتدة في غزة، ووقف مؤقت وممرات إنسانية عاجلة وممتدة لتوفير الاحتياجات الأساسية للأطفال على الفور، وإعطاء الأولوية لإنقاذ الأطفال الذين قد يكونون مدفونين وعالقين تحت الأنقاض في غزة”؛ هو خطوة أولى في الاتجاه الصحيح لضمان حماية الأطفال أثناء النزاعات المسلحة ومنع الانتهاكات الجسيمة ضدهم.
ورحبت غامبا بالقرار الذي يعتبر في غاية الأهمية في منطقة مكتظة بالسكان مثل غزة حيث تقل أعمار نصف السكان تقريبا عن 18 عاما، داعية الى جلب السلام لجميع الأطفال، والعمل على حمايتهم ورعايتهم.
وبينت أنه على مدى الأسابيع الستة الماضية، يتم قتل الأطفال وتشويههم يوميا، في حين تعرضت المستشفيات والمدارس للهجوم ما جعلها عديمة الفائدة للغرض الذي بنيت من أجله، واصفة الوضع في غزة بـ “المروع”، إذ يعاني الأطفال من خطر الموت والإصابة والحرمان من المساعدات الإنسانية والوصول إليها؛ بينما يتم تدمير المستشفيات والمدارس، وهذه كلها انتهاكات جسيمة في جدول أعمال الأطفال والنزاعات المسلحة، مطالبة بوقف هذه الأوضاع والانتهاكات في غزة.
المتخصص بعلم النفس نائب عميد كلية العلوم التربوية في جامعة مؤتة الدكتور احمد الطراونة، قال إنه منذ العام 1990 يحتفل العالم باليوم العالمي للطفل، والذي يتضمن التأكيد على حقوق الطفل ومنها حقه في الحياة والصحة والتعليم واللعب وإبداء الرأي، وكذلك الحق بحياة أسرية خالية من العنف والذي أكدت عليه منظمة الصحة العالمية؛ حيث اعتبرت العنف الموجه للأطفال هو “كل سلوك يقصد به الإيذاء بشكل مقصود”.
لكن عندما نقرأ ما نصت عليه اتفاقيات حقوق الطفل والتي بموجبها نحتفل باليوم العالمي للطفل، يقول الطراونة؛ نتساءل ماذا يحدث لأطفال غزة من عنف وتشريد وتجويع وقتل، فمنذ بداية الحرب على غزة تم قتل آلاف الأطفال وتم تشريد الآلاف أيضا، وحرمانهم من التعليم والصحة وحق الحياة وحق العيش في أسرة آمنة.
وأضاف، إن الأطفال في الأردن يتفاعلون مع مشاهد العنف التي يتعرض لها أطفال غزة بالبكاء والحزن والكآبة، وهذا ما تم ملاحظته على مجموعة من الأطفال من خلال تعبيرهم بالرسومات التي توضح التعاطف مع أطفال غزة وقسوة الاحتلال تجاههم، داعيا العالم الى “عدم ترك حقوق الأطفال حبرا على ورق و.. انقذوا أطفال غزة”.
يشار إلى أنه يتم الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الطفل في 20 تشرين الثاني، وهو اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل عام 1959 واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، بوصفه يوما للتآخي والتفاهم على النطاق العالمي بين الأطفال وللعمل من أجل تعزيز رفاههم في العالم.