خطر المخدرات الرقمية!
خطر المخدرات الرقمية!
الدكتور طارق وليم عودة
تعددت وتنوعت المشكلات والأخطار التي تهدد حياة الإنسان وتعرضه للخطر، بفعل التقدم العلمي والتقني والسعي إلى المنفعة والربح المادي، وبفعل تعقد الحياة الاجتماعية وضعف التوجيه والإرشاد والمتابعة من قبل الأسرة والمؤسسات التربوية والاجتماعية. لقد تحولت الانترنت في جانب منها إلى مصدر للخطر والضرر المتمثل بما ينشر على مختلف المواقع والصفحات الالكترونية من مظاهر للقتل والتنكيل واثارة الغرائز والعنف والجريمة والاتجار بالبشر. ولعل آخر مظاهر الخطر التي أخذت تنتشر في السنوات الأخيرة ما أطلق عليه بظاهرة المخدرات الرقمية أو الإدمان الرقمي او الإدمان الالكتروني او الإدمان الافتراضي.
وتشير المخدرات الرقمية أو الإدمان الرقمي او الإدمان الالكتروني او الإدمان الافتراضي إلى ظاهرة التعاطي عن طريق الأنترنت لمواد مخدرة غير كيميائية، والحديث عن هذه الظاهرة من الناحية التقنية، ليس جديدا في نظر المختصين في تكنولوجيات الإعلام والاتصال، باعتبار أن الظاهرة قد ذاع صيتها في بعض الدول الغربية والشرق الأوسط بشكل متذبذب، وأطلق التقنيون على مروجيها بلقب “وحوش إلكترونية” يتمتعون بدقة في اختيار نوع المخدرات الصوتية عن طريق الشبكة العنكبوتية، ويعرفون جيدا كيف يصطادون ضحاياهم البشرية ممن يفكرون في البحث عن مخدرات جديدة أقل تكلفة، وغير معرضة للمراقبة للوصول إلى النشوة التي يبحثون عنها دون مواد كيميائية (ميسوم، 2016).
وترجع نشأة المخدرات الرقمية” إلى العام 1839 عندما اكتشف العالم الألماني الفيزيائي هينريك فيلهيلم دوﭪ تقنية “النقر بالأذنين – الرنين الأذني“، والتي تقوم على تسليط ترددات او ذبذبات معينة على الأذن بحيث يكون هناك فارق في التردد مختلف لكل أُذن عن الأخرى، وذلك يؤدي إلى إفراز مواد منشطة كالدوبامين وبيتا أندروفين اللذين يعطيان للمتلقي مفعولاً يحاكي مفعول المخدرات الطبيعية. وقد استخدمت الموسيقى المستندة على تقنية “الرنين الأذني” في مستشفيات الصحة النفسية، نظراً لأن هناك خللاً ونقصاً في المادة المنشطة للمزاج لدى بعض المرضى النفسيين، ولذلك يحتاجون إلى استثارة الخلايا العصبية لإفراز تلك المواد، ويكون ذلك تحت إشراف طبي ولعدة ثوانٍ، ولا تستخدم أكثر من مرتين في اليوم. واستمرت عمليات البحث العلمي من قبل العلماء الذين كان لديهم الفضول المعرفي تجاه عملية الرنين الأذني، حيث توالت دراساتهم وتجاربهم العلمية المخبرية بهدف التوصل إلى الحقائق العلمية، وفي عام 1973 نشر أوستر دراسة حول الرنين الأذني في مقالة علمية حددت المعلومات المتناثرة والمتبعثرة حول ماهية الرنين الأذني ومدى حقيقتها، حيث قدمت رؤى ونتائج مخبرية جديدة من خلال عمليات البحث والتجربة (ميسوم، 2016).
إن الرنين الأذني وسيلة وأداة تتصف بالقوة المؤثرة، يمكن استخدامها في مجال البحوث المعرفية والعصبية، كما يمكن استخدامها في مجالات عدة، كمعالجة كيفية قيام الحيوانات بتحديد الأصوات في عالمها الخاص ضمن بيئتها الثلاثية الأبعاد، وكيفية قدرتها على التركيز وتحديد أصوات معينة ضمن بيئة تمتلىء بالأصوات المتعددة والتي تتصف بالضوضاء. كما تعتبر أداة يمكن استخدامها في عمليات التشخيص الطبي، من خلال تشخيص وتقييم حالات الإعاقة السمعية، والحالات العصبيةً، كما أكدت التجربة العلمية أن هناك بعض الحالات التي لم تستطع سماع الرنين الأذني، حيث كان السبب في ذلك أنها تعاني من الإصابة بمرض يدعى الشلل الرعاشي، ومن خلال التجربة الموجهة على إحدى هذه الحالات والتي تعرضت لعدة جرعات من الرنين الأذني لمدة أسبوع كامل، تبين أن المريض بالشلل الرعاشي لم يستطع أن يستمع للرنين الأذني، ولكن مع نهاية الأسبوع (فترة التجربة) استطاع هذا المريض سماع الرنين الأذني (Wahbeh, et al., 2007).
وتقوم ظاهرة المخدرات الرقمية على نقل المواد الصوتية والنغمات التي يتم تصنيعها من قبل المتخصصين، وبإشراف شركات عالمية متخصصة بهدف الربح المادي البحث. ، فأصبح بإمكان كل فرد في جميع أنحاء العالم أن يحصل عليها وبكل سهولة، بل ويتفاعل معها في ظل وجود التكنولوجيا المتفاعلة، ويتمثل الخوف الحقيقي هنا فى التعددية في التنويع، وفي العمق في أنواع وصيغ الأصوات (النغمات) التي يتم تصنيعها، لا سيما إذا إرتبط هذا التنوع بتجارتها وتنظيماتها، وفي الحقيقة فإن خطراً فعليا في طبيعة عمليات صناعة الأصوات وتركيبتها (ماندي، 2003). والمخدرات الرقمية عبارة عن مؤثرات صوتية مكونة من نغمات موسيقية مختارة ذات ذبذابت ثنائية لها مسميات متعددة، وتوجد في مواقع الكترونية محددة ، ووجدت في الأصل ضمن مجال العلاج النفسي وتطبق في بعض المراكز النفسية في الدول الغربية، تحت مسمى المعالجة بالموسيقى، وتستخدم على نطاق ضيق لدى مدمني المخدرات للبحث عن مزيد من النشوة ولها تاثير سلبي على المخ (رضوان، 2015).
ان توظيف الصوت بشكل عام والموسيقى بشكل خاص في العلاج والتأهيل النفسي والاجتماعي للمرضى، امر مثبت منذ القدم من خلال التجارب العلمية والطبية، وذلك لتحسين الحالة السيكولوجية والعقلية والفسيولوجية لبعض المرضى، وقد أطلق علماء النفس والمختصون على هذا التوظيف العلاجي للموسيقى مصطلح الرنين الأذني، وقد بقي مقتصراً على الاستخدامات الطبية حتى غدا الإنترنت واسع الانتشار، واصبحث التجارة الالكترونية جزءاً من حياة ملايين البشر، فظهر في الفضاء الافتراضي وعالم الانترنت والتجارة الإلكترونية العلاج النفسي بالمؤثرات الصوتية، وهو يقوم على صناعة عدة أنواع من الأصوات والنغمات، لمساعدة المتلقي لها على الوصول إلى حالة من الاسترخاء أو النشوة التي يرغب في الظفر بها، الأمر الذي قد يؤول إلى إحداث أثر نفسي وعصبي لدى المتلقي يشبه أثر المخدرات التقليدية بكافة صورها وأشكالها. وتبلور هذا الأمر في السنوات الأخيرة وعرف بالمخدرات الرقمية، حيثُ أصبح جزءاً من الواقع الحياتي المعاش للكثيرين وخصوصاً فئة الشباب والمراهقين الذين يبحثون عن المتعة والنشوة (Wahbeh, et al., 2007).
تعتبر المخدرات الرقمية نوعاً جديداً من المخدرات، ويعتقد أن بداية ظهورها كان في مدينة “أوكلاهوما” في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انتشر عبر وسائل الإعلام خبر أمؤداه أن عدداً من الطلبة ظهرت عليهم أعراض النشوة والتعاطي، رغم أنهم لم يتعاطوا المخدرات، وإنما استمعوا إلى نوع معين من الموجات الصوتية، وبدأت المخدرات الرقمية تنتشر من خلال تداول الوسائل الإعلامية لها، ثم ظهرت بعد ذلك العديد من المواقع التجارية المتخصصة، تمتلكها بعض الشركات و تعمل بالتعاون مع متخصصين على إنتاج مثل هذا النوع من المخدرات الرقمية، والترويج لها عبر مواقعها (أبو دوح، 2016). و تتكون المخدرات الرقمية من ملفات صوتية، يتم الاستماع لها على نحو محدد، باستخدام سماعات الأذن، وتحتوي هذه الملفات الصوتية على موجات صوتية مختلفة التردد بين كلتا الأذنين، تعمل على التأثير على خلايا الدماغ من خلال استثارتها في إفراز بعض المواد الكيميائية وحسب نوع الموجة وقوة الفارق في التردد، مما يجعل المتلقي لها يشعر بحالة من الاسترخاء أو النشوة أو الانفعال أو الخدر أو الدخول في حالة من اللاوعي نتيجة الاستجابة البيولوجية للدماغ للمحفزات والمثيرات الصوتية (أبو دوح، 2016).
إن خطورة هذا النوع الجديد من المخدرات، تكمن في صعوبة ضبطها، كما أنها قد تقود المدمن إلى طرق أخرى من الانحراف لا يستطيع أحد التكهن بها، لأن كل شيء يجري في عالم افتراضي، كما احتلت أخبار هذا الوباء القادم أغلب المواقع الإخبارية في العالم، مع الإشارة إلى أن الخوف الأساسي يكمن في إمكانية تطوير هذه الأفكار لتصبح وباءً يخرج عن السيطرة، وفي الوطن العربي، فقد أكدت بعض المواقع أن الكثير من المنتديات العربية بدأت تروج لهذا النوع من المخدرات، حتى أن بعضها قدم للمشتركين جرعات مجانية (ميسوم، 2016).
إن إلمخدرات الرقمية تقوم على إستخدام الإستماع للموسيقى بطرق تتنافى مع إستخداماتها الطبيعة بغرض المتعة وتهدئة النفس والراحة والاسترخاء إلى إستخدام يعتمد الإستماع للموسيقى بترددات متباينة بغرض الانتقال بالفرد إلى عالم اللاشعور واللاوعي وبالتالي الانقطاع عن الواقع والدخول الى عالم الهلوسة والنشوة.
المصادر:
أبو دوح، خالد (2016). المخدرات الرقمية وتأثيرها على الشباب العربي، ورقة مقدمة إلى الندوة العلمية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، المملكة العربية السعودية.
ميسوم، ليلى. (2016). المخدرات الرقمية: ظهور إدمان جديد عبر شبكة الإنترنت، مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية – مركز جيل البحث العلمي – الجزائر، ع21 ، 163 – 174. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/755655
رضوان، رضا. (2015). تتلاعب بأدمغة النشئ: المخدرات الرقمية، مجلة الوعي الإسلامي – وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت، س52, ع604 ، 6 – 7. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/730190
Waebeh، H.، Calabrese، C.، and Zwickey، H. 2007. Binaural Beat Technology in Humans: A Pilot Study to Assess Psychologic and Physiologic Effects.The Journal of Alternative and Complementary Medicine,13،25-32.