تعتبر قضية العدالة تحدي يواجه الإنسان منذ الأزل بحكم سعيه للتمتع بالعدالة في كل شأن من شؤون حياته وهو الأمر الذي لم يتحقق في ظل تعقيدات ترتبط بالسياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع وغيرها الكثير وعلى نحو جعل من تحقيق العدالة أمر بعيد المنال.
ويعود مصطلح العدالة إلى الزمن القديم، حيث تتضمن كتابات أفلاطون عن العلاقات غير متكافئة بين الناس وتمثل ذلك بالطبقة الأرستقراطية وما تمتلكه من حكم وفرض سياسات على الآخرين مع ذكر لكتابات أرسطو التي أيضا ً تضمنت مطالبات بالمساواة والحرية بشكل موسع أكثر من أفلاطون، وبشكل عام المفاهيم الخاصة بهؤلاء الفلاسفة هي مرتبطة بمجتمعاتهم التي كانت تحتوي على طبقية تميز بين الفئات (Jackson, 2005). ويقول الله تعالى إن الله يأمر بالعدل والإحسان وبداية القول بهذه الآية الكريمة التي يُلزمنا ديننا فيها على تحقيق العدالة الاجتماعية، ومما لا شك فيه أن الجميع يتفق على أن إحدى مظاهر تخلفنا عن الدول المتقدمة هو غياب مفهوم العدالة الاجتماعية، وما يندرج تحت هذه المسمى من تفاوت في توزيع الثروات بطريقة عادلة وتوفير ضروريات الحياة الأساسية للجميع دون استثناء ودون أدنى شروط. وتُعد فكرة العدالة الاجتماعية فكرة متكاملة ولا يمكن فصلها أو تجزئتها عن حقوق الإنسان فالإنسان كفرد في المجتمع يتمتع بالحقوق التي يتساوى فيها مع جميع الأفراد وهي الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والحرية السياسية والمدنية التي كفلها له الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالإضافة إلى أنها فكرة تأتي أيضا بالتكامل مع تلبية الحاجات الإنسانية للبشر من خلال مختلف طرائق الحياة والمؤسسات الاجتماعية الاقتصادية السياسية في المجتمع ( العيسوي، 2014 ).
وتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1948 في المواد (1. 2. 3) التأكيد على حصول الإنسان على حق المساواة والتمتع بجميع الحريات والحقوق التي يتضمنها الإعلان، وقد ركزت المادة رقم (7) على أن الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حَقّ اَلتَّمَتُّع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حَقّ اَلتَّمَتُّع بالحماية من أَيّ تمييز ينتهك هذا الإعلانَ ومن أَيّ تحريض على مثل هذا التمييز. والعدالة الاجتماعية مفهوم يحتاج إلى ترسيخ منذ الصغر وعن طريق المجال التربوي من خلال المعلم الأداة الفاعلة في تحقيق ذلك وبعدة طرق كأدوات التفكير النقدي، أدوات التفكير الشخصي، أدوات العمل والتغيير الاجتماعي بالإضافة لعامل التوعية وما إلى ذلك مما يوفره المعلم للحصول على التمكين والديقراطية لتشجيع العدالة الاجتماعية (Hackman, 2005 ). ومن المهم الإشارة إليه أنه على الرغم من خلق المناخ الفكري الذي يدعم الأسس الأخلاقية والنظرية لتطبيق العدالة الاجتماعية إلا أنه لا بد من وجود تأكيدات متناقضة حول طبيعة العدالة الاجتماعية وماهيتها ضمن الأطر المجتمعية وخصوصا في سياق وظيفة الدولة الشرعية القائمة على توفير الشروط اللازمة للحرية الفردية لتحقيق مفهوم العدالة المجتمتمعية (Prakash, 2005).
وراعى الإسلام العدالة تحت المفهوم الأوسع وهو الواجبات والحقوق للأفراد بدرجة من الانطلاق والحرية والإيجابية بالإضافة إلى المساواة بين جميع الأفراد سواء أمام القانون أو في تولي الوظائف العامة دون أدنى تمييز وأن يعاملوا بنفس الطريقة من حيث المؤهلات والشروط المطلوبة وليس بحسب القدرة أو القرابة أو بشكل غير موضوعي ( قمر، 2006 ). بشكل عام هناك مجموعة من الاشكال التي تعني العدالة وتندرج تحت المساواة في الحقوق الإنسانية والمساواة في اعتبارات الأفراد، مع تأكيدهم على أن الأغلبية الساحقة من البشر تعتبر المساواة هي المعاملة بنفس الطريقة ودون أدنى اعتبارات أخرى، مع أن هناك بعض استثناء لحالات يوجد فيها سبب مبرر كاف لمعالجتها بشكل مختلف ولكن الأغلبية تشعر بعدم الارتياح لما يندرج تحت هذه الاستثناءات وما يمكن أن يتم استغلاله ( Rees, 1971 ).
ويوجد ثلاث تفسيرات متضاربة للعدالة يمكن أن نلخصها بالعدالة لكل فرد حسب الحقوق، وحسب لكل فرد حسب الجدارة، وعدالة لكل فرد حسب الاحتياجات، وطبعا هناك تفسيرات مبسطة أخرى تندرج تحت العدالة المثالية والعدالة المعتدلة، وإذ حاولنا إيجاد نظام اجتماعي يتمتع فيه كل فرد بما يستحق أو بما يحتاجه، كان من الممكن إنشاء هذه المجتمعات العادلة تماما ً، ولم تعد لدينا أشكال وتفسيرات مختلفة للعدالة (Miller, 1976). وفي التعليم تأخذ العدالة صور أبرزها ممارسات وتصرفات تعليم العدالة الاجتماعية، وتعزيز التواصل بين العقل والجسد، وإجراءات تعزز التفكير الناقد ومحاولة تنشئة المجتمعات عليه، والانخراط في مناقشات صريحة حول الامتياز والقوة والظلم، وترسيخ فكرة أن تحقيق العدالة أمر ممكن، وممارسة الرعاية الذاتية للطلبة ( 2006, Hytten & Bettez). بالإضافة إلى ذلك فقد تنوعت مفاهيم وأشكال وأنماط ونظريات العدالة بحسب الفلاسفة ومنهم باولو فريري الذي تناول التعليم والعدالة الاجتماعية واكد فرير على أن التعليم هو مفتاح لسن العدالة الاجتماعية وهو ما يوفر للطلبة أماكن لتحقيق الحرية الفكرية، فهو يعتبر أن الهدف التربوي للتعليم هو ترسيخ مفهوم العدالة للجميع، مع تأكيده على دوره في إدامة الوضع القائم فهو إما يحرر أو يسجن الطلاب، أيضا اعتباره أن المعلم هو ركيزة أساسية في تشكيل العدالة من خلال تفاعله مع المتعلم ودمجه بالعملية التعليمية كجزء من مفهوم العدالة للطلبة ( Tapper, 2013).
كما جاء جون رولز وتناول العدالة وأشار إلى أن العدالة هي الهيكل الأساسي في المجتمع وبشكل أكثر دقة، الطريقة التي تقوم عليها هذه المؤسسات فيتم توزيع الحقوق والواجبات الأساسية من تعليم وصحة وخدمات عامة يشترك فيها جميع الأفراد وهي تقوم على مبدأين، مبدأ المساواة الأساسية في الحريات وتساوي الأشخاص فيه، والمبدأ الثاني الذي يقوم على جزأين، جزء تكافؤ الفرص العادل الذي يهتم بإعطاء الأشخاص ذو الكفاءة الواحدة نفس الفرصة التعليمية أو الاقتصادية بغض النظر عن أي خلفية، وجزء مبدأ الفرق الذي يتضمن توزيع الثروات بشكل متكافئ للجميع حتى نحصل على نتيجة تحسين حياة الناس بشكل مرضي وموزع بالتساوي (Banta, 2016 ).
وجاء جون ديوي وتناول العدالة الاجتماعية بين التعليم والتطبيق ويتحدث جون ديوي عن وجود نوعين من التعليم والنوعين يتكاملان في إيجاد العدالة الاجتماعية، الأول أن يعمل التعليم من خلال تقديم المعرفة وإيجاد المهارة المطلوبة للمتعلم، والنوع الثاني هو القائم على النشاط الفكري لدى الطالب لتطوير مهاراته وممارساته الذاتية حتى يستفيد من تطبيقها خارج المدرسة، وينظر ديوي للعدالة أنها ليست ملحقة بالتعليم، بل تندمج في الممارسة الفكرية ذاتها، مما يخلق لدينا جيل لديه القدرة على نقد المناهج والأساليب ومحاولة تعديلها، وهو أرجع كثير من المشاكل في التعليم إلى الافتقار للحيوية الفكرية مما أوجد ضعف بالعدالة الاجتماعية لدى المتعلم، بالإضافة لاعتباره أن هناك مسؤولية كبيرة على المعلم لإيجاد وخلق مفهوم العدالة التعليمية (2002 Bogotch).
أما جان جاك روسو فقد تناول العدالة الاجتماعية والحرية ويعتبر روسو أن الإنسان مخلوق يولد حر وان الحالة الطبيعية للبشر هي الحرية وهو يؤسس مجتمعه من خلال حريته، فيشكل ويغير مايراهما يراهمارياه مناسباً بشكل ينبع من هذه الحرية، وتوجهات روسو تصادمت بالواقع حيث يولد الفرد حر لكنه يندمج بالمجتمع القائم من قبل ولادته وليس لدى الفرد حينئذ مدخل وقدرة لتشكيل معايير سياسية أو ثقافية خاصة به بمعزل عن الوضع القائم، أي أن هناك معايير أخلاقية وسياسية تحكم هذا الفرد (Seitz, 2016). وتناول هيوم العدالة والمصلحة الشخصية وأشار إلى أن العدالة هي المصلحة الشخصية وأن تُعنى العدالة بتلبية الغرائز المادية والحاجات الطبيعية، أي أنه يعتبر العدالة نابعة من النفس البشرية التي تدفع الأفراد لتلبية رغباتهم ولكنه بهذا المنطق يلخص علاقة العدالة بالأنانية البشرية وأنها تقوم على الفردية، أي أن كل شخص يحق له تلبية ما يحتاج بأي طريقة كانت، وقد فشل هيوم بإيجاد مفهوم العدالة الصحيح لأنه ربطها بالفردية دون مراعاة للآخرين (Raidy, 1993).