استراتيجيات التّدريس الحديثة: دورها وآثارها على تعلّم الطّلبة

الآء صيتان الزيوت، برنامج الدبلوم العالي لإعداد المعليمن، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

خلال خبرتي المدرسية الأولى وأثناء حضوري كمعلمة طالبة عند المعلّم الموجّه في حصّة العلوم للصّف الرابع، بدأت المعلمة الموجهة الحصّة بعنوان الدرس “العلاقات بين الكائنات الحية”، وكانت تتنقل بين مواضيع الدّرس المختلفة بعرض نصوصها على اللوح التفاعلي وقراءتها، وتكلّف الطالبات بتكرار ما تقوم بذكره، كان التّفاعل مع المعلّمة يقتصر  على الطالبات  اللّواتي يجلسْنَ في المقاعد الأماميّة، لاحظتُ أنّ الطالبات  يشعرْنَ بالملل، حتى أنّني شعرتُ بالملل أيضًا، وبينما كان الصفُّ هادئًا قاطعتِ الملعلمةَ طالبة تجلس في المقعد الخلفي – تُعاني من ضعف بالسمع – وقد أخرجت دفتر رسم تريد إطلاع  المعلمة على رسمها للعلاقات بين الكائنات الحيّة، رفضت المعلّمة رؤية دفتر الرسم، وقالت للطالبة: “إنّها حصّة علوم وليست حصة فنّ “وطلبت منها وضع الدفتر في حقيبتها والتركيز بالحصة، وعادتْ إلى الدّرس، وأنا أراقب الطالبة التي جلست حزينة، والمعلمة مستمرّة في تنفيذ الحصة لم تُلقِ لها بالًا، شعرتُ بالأسى حيالها، وفي نهاية الحصة قامت المعلمة بطرح سؤال عن الفكرة الرئيسة للدّرس ولم تعرف الإجابة سوى بعض الطالبات، مع أنّ المعلمة تمتلك خبرة طويلة في التدريس لنفس الصفّ.

تأملتُ في الموقف، فبالرغم من خبرة المعلمة في التدريس، وأنّ الفئة المستهدفة تمتاز بالنشاط والحيوية، وتوفير المدرسة لمصادر التعلّم التي تحتاجها؛ إلّا  أنّ أسلوب المعلمة الحازم في ضبط الصف وعدم قدرتها على التواصل مع جميع الطالبات، وعدم مراعاتها التمايز، وتركيزها على بعض الطالبات، وإهمالها لباقي الطالبات خاصةً تلك الطالبة التي تعاني من ضعف السمع، إضافة إلى تركيزها على هدفين من هرم بلوم المعرفي، وعدم ربطها للتّعلم الحالي مع الخبرات السّابقة ، وعدم ربطها للمفاهيم مع بعضها، وعدم ذكرها للأمثلة العملية عليها، أنّها اعتمدت أسلوبًا واحدًا في التدريس، وعدم التنويع في استراتيجيات التدريس والتقويم، كل ذلك حال دون تحقيق أهداف المعلّم في عمليّة التّعلّم والتّعليم.

تُساعد الخبرة الطويلة في التدريس المعلمة في امتلاك المعرفة الكافية للمحتوى، وتَميّزت طالبات الصف الرابع بالمرح والدافعيّة لعمل الأنشطة الصّفيّة المتنوّعة، كما أنّ توفير المدرسة لمصادر التعلّم المتنوعة يساعد المعلّمة في تنفيذ الحصص الصفيّة المتكاملة. ولكن اتباع المعلّمة أسلوب الحزم والعقاب في ضبط الصّف حال دون توفير بيئة داعمة وآمنه للطّلبة، كما أنّ عدم قدرتها على التواصل مع جميع الطالبات يحول دون بناء علاقة إيجابية معهن. مما ينعكس سلبًا على الدافعيّة وحب التعلّم.

إنّ عدم  تحديد المعلمة للأهداف المعرفيّة والمهاريّة والوجدانيّة، وعدم استدعاء المعرفة القبلية للمتعلمين، وعدم ربط مفاهيم الدرس مع بعضها وغياب الأمثلة العمليّة تَسبب في افتقاد عنصر التشويق، ممّا انعكس على الدّافعيّة عند الطالبات، وكان اعتماد المعلّمة على أسلوب التلقين في التدريس دون الاهتمام بتطوير مهارات التفكير العليا لدى الطالبات، ولم تنوّع في استخدام الأنشطة الصفيّة التي تراعي أنماط التعلّم المختلفة والفروق الفرديّة لدى المتعلمين، وعدم التخطيط للتمايز الّذي يتطلّب التنويع في استراتيجيات التدريس والتقييم التي تراعي ميول واهتمامات ومستوى الذكاء لدى الطالبات، أسهم في عدم تحقيق المعلمة لنتاجات الدرس.   

إنّ تحليلي للموقف دعاني لفهم أهميّة اختيار استراتيجيات تدريس حديثة تراعي التمايز وأثرها على تعلّم الطلبة، والّذي من شأنه توفيرِ جوٍّ ممتعٍ ومشاركةٍ فاعلةٍ للطلبة وبناء علاقات إيجابية معهم، ويساعد في فهم المفاهيم العلمية وربطها وتمثيلها مما يساهم في تحقيق أهداف الدرس.

لو كنت مكان المعلمة كنت سأقوم  بتصميم اختبارات تشخيصية لمعرفة أنماط التعلّم والمعرفة السابقة والمهارات التي تجيدها كل طالبة في بداية الفصل وتحديد الحالات الخاصة، بحيث أقوم بحصر الأهداف التي تراعي احتياجات كل طالبة، واختيار الطّرائق والأساليب والاستراتيجيّات  المناسبة لتحقيقها، وكنت سأُقدم الحصة على النّحو الآتي:  أولًا: سأقوم بتنظيم جلوس الطّالبة التي تعاني من ضعف في السّمع في المقعد الأمامي لمساعدتها على السمع بشكل أفضل، كما أنّني سأوزّع الطالبات في مجموعات غير متجانسة،  واستخدم استراتيجية KWL في بداية الدرس؛ ثانيًا: سأبدأ الدرس بنشاط ترتيب بطاقات السلاسل والشبكات الغذائية لاستذكار المعرفة السابقة، ثالثًا: سأقوم بتوضيح العلاقات بين الكائنات الحية من خلال عرض صور وذكر أمثلة من الحياة، رابعًا: سأقوم بنشاط لعب الأدوار باستخدام أقنعة الحيوانات ومجسمات للنباتات ، وسأقوم بتكليف كل مجموعة بتمثيل علاقة معينة ، وأكلّف  باقي المجموعات بتمييزها، خامسًا: باستخدام استراتيجيّة فكّر-زاوج-شارك سأطرح عليهم سؤالًا: ماذا لو اختفت النباتات؟ وأخيرًا: سأطلب من كل طالبة بطاقة خروج للتعبير عن أي علاقة من العلاقات بين الكائنات الحيّة بالكتابة أو الرسم، ثمّ أستخدم تقويم الأقران ، بحيث تقوم كل طالبة بتقييم بطاقة زميلتها.

وهذا ما يركّز عليه  برنامج الدبلوم العالي لإعداد المعلمين، وكان الاهتمام واضحًا ببناء علاقة إيجابية مع الطلبة من خلال استخدام أنشطة كسر الجمود، والعمل في  مجموعات واتباعه فلسفة ربط العلوم بالحياة في التّدريس، ودعوتنا في التدريس المصغّر إلى اختيار  استراتيجيات التدريس التي تراعي التمايز وتجعل الطالب محور العمليّة التعليميّة، مثل: فكّر-زاوج-شارك، والتعلّم باللعب، والتلعيب، والأنشطة المتدرّجة، والفورمات، والطاولة المستديرة، واستراتيجيات الذكاءات المتعددة وأشار عناقرة (2011) إلى أهميّتها في زيادة فهم الطلبة واستيعابهم لمفاهيم العلوم. والتركيز على استراتيجيات التدريس التي تُسهم في تنمية التفكير ما وراء المعرفي وفقًا لحاجات الطلبة مثل: KWL، والتساؤل الذاتي، وإعادة صياغة أفكار الآخرين، والتدريس التبادلي، والنمذجة وتآلف الأشكال. والتأكيد على أهمية التنويع في استراتيجيات التقويم من خلال الكتابة، أو الرسم، أو التحدّث، أو التقويم الذاتي وتقويم الأقران، وتصميم المشاريع وغيرها؛ لما لذلك من صقل لشخصية الطالب وتنمية مهارات التفكير والتواصل والتعاون وحل المشكلات لديه. وهذا ما نصّت عليه معايير المعلمين (2022) رقم (2.1.2).

ويتم اختيار استراتيجيات التدريس الحديثة التي تؤدّي إلى التنوّع بين الطلبة وفق “التعليم المتمايز” الذي أشار له الدوسري (2018) من خلال ممايزة عناصر التدريس كالمحتوى والعمليات والمُنتج في ضوء خصائص الطلبة كالاستعداد ونمط التّعلم، بهدف رفع مستوى الطلبة جميعهم وتحقيق العدالة. مع أهمية مراعاة كل طالب وما يحتاجه، فأشار جفيد (Javid,2022) إلى أهمية اتباع المعلم مجموعة من الخطوات في التعامل مع الطلبة ضعيفي السمع مثل: إبقائهم في المقدمة، وعدم الصراخ عليهم بصوت مرتفع، وإدراج المؤثرات البصرية خلال تدريسهم مثل الصور ومقاطع الفيديو وغيرها لضمان حصولهم على التعليم الجيد.

نستنتج مما سبق أهمية امتلاك المعلم لمهارات القرن الحادي والعشرين؛ كمعلّم مدرَّب ومُبدع يستطيع أن يقوم بصياغة أهداف تتصف بالسمات الذكيّة وتتلاءم مع بيئة التعلم في المراحل التعليمية والحالات الخاصة المختلفة التي قد تواجهه، وإعادة تنظيم المعلومات وتقديمها بطرق مختلفة لتلبية احتياجات وقدرات كل متعلم لتحقيق العدالة من خلال التنويع في استخدام استراتيجيات التدريس والتقويم الحديثة، واتباع الخطوات اللازمة للتعامل مع أي طالب يعاني من إعاقة سمعيّة من خلال تقديم المساعدة له، وتثبيت جلوسه في المقعد الأمامي، والتنويع في استخدام مصادر التعلّم مثل: الصور، القصص، الفيديو، الرسوم المتحركّة، وتوظيف الأنشطة الصفيّة الهادفة المنهجيّة واللامنهجيّة؛ لتوفير بيئة داعمة ومحفزّة للتعلّم النّشط الفعّال. فالمعلم القائد قادر على التواصل والإدارة الصفيّة الفاعلة.

وحتى أكون معلمةً متمكّنةً ومتميّزةً ومبدعةً في المستقبل سأتابع جلسات الدبلوم العالي لإعداد المعلمين، وأقتدي بالمرشد الأكاديمي. كما أنني  قمتُ بالتسجيل في دورة ” مهارات متقدّمة في تكنولوجيا التعليم” ودورة “جسور التعلّم ” التي تسلّط الضوء على أساليب التعلّم والتعليم على منصة “إدراك”. وسأقرأ كتاب “التعليم المتمايز استراتيجيات حديثة في التعليم والتعلّم” للدكتورة هداية الشيخ وكتاب “استراتيجيات تدريس الطلبة ذوي الإعاقات في صفوف الدمج” ترجمة عماد محمد علي، وسأقوم باستحداث دليل للمعلم ودليل للطالب تضمّ أنشطة خاصة لتعليم العلوم تُراعي الخصائص السيكولوجية للطلبة الذين يعانون من إعاقة سمعيّة، وسأُطبّق كل ما تعلمته من استراتيجيات حديثة في التعليم المتمايز لتحقيق الأهداف المستدامة في التعليم.

المراجع العربية

الدوسري، حمزة. (2018). “التعليم المتمايز”. موسوعة التّعليم والتّدريب الإلكتروني.

عناقرة، حازم. (2011). “فاعلية وحدة تعليمية مطوّرة من مقرر العلوم وتدريسها لطلبة الصف الثامن الأساسي في ضوء نظريّة الذكاء المتعدد وأثرها في إكساب المفاهيم العلميّة وعمليات العلم والتفكير الناقد”. رسالة دكتوراه، كلية التربية، الأردن، جامعة اليرموك.

معايير المعلمين، الجامعة الأردنية. (2022).

المراجع الأجنبية

Javid, J., (2022). “Impact of Hearing Loss in the Classroom”. Hearing insider website. https://hearinginsider.com/impact-of-hearing-loss-in-the-classroom.

مواضيع ذات صلة