كيف يكتب المعلّم مقالًا تأمليًا وفقًا لدورة جيبس؟

  الدكتور حازم رياض عناقرة 

أستاذ مساعد، مدرس معلمين، برنامج الدبلوم العالي لإعداد المعلمين،  كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

يُعدّ العالم جون ديوي أول من استخدم مصطلح الـتأمل للإشارة إلى التّبصير الدّقيق للأعمال، كما عرّف ديوي التّفكير في كتابه “كيف نُفكّر” بأنّه التّفكير الـتّأملي، وهذا يعتبر دليلًا واضحًا على أهميّة التّأمل في عمليتي التّعلم والتّعليم، كما أشار إلى أنّ تجسيد التفكير لا يتم بالأفعال فقط؛ بل يظهر من خلال الكتابة أيضًا، فعندما يكتب الفرد موقفًا كامًلا مرّ به، ويتأمّله  عند قراءته مرة أخرى، يصبح قادرًا على  تحليل الموقف وتقييم نتائجه من منظور أوسع، فالكتابة التّأملية شكل من أشكال التّفكير التّأملي.

إنّ الكتابة التّأملية ليست وليدة الصدفة، فقد استخدمت منذ القدم في كتابة المذكّرات الشّخصيّة والأحداث اليومية، كما ترتبط الكتابة التّأملية بعلم النفس حيث كانت تُستخدم في العلاج النّفسي، ومن ثم دخلت الكتابة التّأملية في مجال التّعلّم والتّعليم، فالمعلم في الميدان التربوي يحتاج إلى التأمل في المواقف التّعلمية والتّربوية التي تحدث بشكل شبه يومي وفق منهجية علميّة واضحة للتوصّل إلى الحلول المنطقيّة والعبر المستفادة في المواقف المماثلة، والابتعاد عن التّعامل مع تلك المواقف بعشوائية وارتجال مما يؤدي إلى نتائج غير مرجوّة.

 ويُطلّب  من المعلم أن يكون متمكّنًا من المهارات والكفايات التي تُمكّنه من كتابة المقالة بشكل تأملي كالتّروي والتّمعن في التّعامل مع الموقف، لتجنّب التّسرع في اتخاذ القرارات ، والتعميم المبني على النظرة الشخصية الضيقة، كما يجب على المعلم أن يمتلك القدرة على النقد والتحليل الواعي المنطقي، وأن يوظّف ما يمتلكه من خبرة مهنية ومعرفيّة سابقة في معالجة الموقف المطروح، وأن يُنظّم أفكاره وفق تسلسل منطقي واضح ومحدد ومُقنع للقارئ.

 وتُعد الكتابة التأملية مزيج من الكتابة الإبداعية (التي تُتيح للكاتب طرح أفكار وحلول غير مألوفة) والكتاية الأكاديمية (التي تسير وفق منهجية محددة)، وتتم الكتابة التأملية وفق منهجيات متعددة، وتم اختيار دورة جيبس في هذه المقالة لكونها أكثر شمولية؛ فهي تغطي جميع العناصر اللازمة للتأمل من وجهة نظر العديد من الباحثين، حيث أن دورة جيبس تضم مراحل ستّة يمرّ بها المعلّم وهي: (الوصف، الشعور، التقويم، التحليل، الاستنتاج، خطّة العمل). ويجب على المعلّم قبل البدء بهذه المراحل صياغة عنوان تأمّلي مناسب للمقالة بعيدًا عن العناوين التي تشير إلى إثبات فرضية أو عمل تجربة جديدة.  

 وعندما يبدأ المعلّم بوصف الموقف التأملي فعلية أن يذكر جميع الأفكار والأحداث التي تمت بشكل متسلسل ومترابط من خلال الإجابة عن الأسئلة الآتية: ماذا حدث؟ متى حدث؟ أين حدث؟ ما أدوار جميع الأطراف التي لها علاقة بالحدث؟ ما دور المعلم  بالحدث؟ وعلى المعلّم أن يشير إلى الحدث المؤثّر بدقة وعناية في الموقف الذي رافقه تغير في شعور المعلم، وأدى إلى تغير في نظرة المعلم التربوية والتّعلّميّة التعليمية بعد مشاهدة الموقف. وفي  مرحلة الشعور يجب أن يصفَ المعلّم شعور جميع الأفراد الذين عاشوا الحدث من غير مبالغة بوصف المشاعر الإيجابية والسلبية.

وعندما يبدأ المعلّم بتقويم الموقف ينبغي أن يشمل التقويم جميع أحداث الموقف من خلال وصف تأثيرها الإيجابي والسلبي على عمليتي تعلم وتعليم الطلبة، وأن يتم التقويم بصورة عقلانية وحيادية من خلال ما يملكه المعلم من معرفة تربوية وتجارب عملية سابقة بعيدًا عن شخصنة الأحداث والتحيز الذاتي، وفي مرحلة التحليل ينبغي أن يُحلل المعلّم الموقف من خلال الإجابة عن السّؤال الآتي: لماذا سار الموقف بهذا الشكل؟ بمعنى كيف صُنفت الأحداث السابقة إيجابًا وسلبًا؟ ويستعين المعلّم في هذه المرحلة بأدب تربوي سابق يدعم صحة ما حلله، أو من خلال الاستشهاد بمواقف تربوية عامة متفق عليها من قبل جميع التربويين، أو من خلال الاستعانة بآراء الخبراء والمختصين في المجال التربوي.

وفي مرحلة الاستنتاج  يذكر المعلّم كيف سيتعامل مع الحدث المؤثر في الموقف في المرات القادمة، من خلال ذكر الحلول العلمية والتربوية والعبر المستفادة التي تدلّ على وعيه ومعرفته بأساليب واستراتيجيات التدريس والتقويم المعاصرة، والطرق المناسبة لإدارة الغرفة الصفية والبيئة التعلميّة التعليميّة، وتحقيق فرص متساوية في التعليم لجميع الطلبة، وتنمية القيم الإيجابية في المجتمع المدرسي مدعمًا رأية بمواقف صفيّة وأدلة عمليّة حصلت معه خلال خبرته التدريسية، بحيث يتوصّل إلى خلاصة تضمّ مجموعة من الأفكار والمعتقدات مُستلّة من  تأمله للموقف. وفي المرحلة الأخيرة يقدّم المعلّم خطّة تشمل خطوات وإجراءات عمليّة يتّبعها في المستقبل لمواجهة الظروف والمواقف المشابهة.

وعند كتابة المقال لا بدّ من  أن يمتلك  المعلّم القدرة على كتابة المقالة كتابة علميّة سليمة يُظهر من خلالها تَمكُنِه في الوصف والبراعة في التقويم والتحليل والقدرة على الاستنتاج ووضع خطّة، وقد راعى كتابة الفقرات بصورة منظمة ومتسلسلة، وقد تجنّب التّكرار  والحشو ، وأن تكون المقالة خالية من الأخطاء الإملائية واللغويّة.                                                  

مواضيع ذات صلة