الثقافة التعليمية في الفكرالعربي… إنتقال ما بين الوجاهية إلى الإلكترونية خلال جائحة كورونا

الثقافة التعليمية في الفكرالعربي… إنتقال ما بين الوجاهية إلى الإلكترونية خلال جائحة كورونا

الدكتورة سعاد فايز ملكاوي، أصول التربية

لقد أصبح التعليم آداة للتغييروالتطور، بعد التقدم الذي أفرزته العلوم التجريبية وظهور الصناعة الفكرية، والمعرفية، والتطور التكنولوجي، وأسس البحث العلمي. وبما أن بقاء الأمم مرتبطاً بمدى استجابتها للتغيروالتقدم، أصبح لزاماً تغيير المفهوم الثقافي العربي نحو التعليم، والأخذ بما هو جديد وعصري لمواكبة التغيرات المعاصرة، لا سيما بعد التنوع الذي طرأ على طرائق التدريس، واستراتيجيات التعليم، وظهور فلسفات تعليمية تربوية تراعي مواكبة التطورالمعرفي، ولكن ما زال المعلّم بالفكر العربي هو حجر الأساس في المنظومة التعليميّة، كونه المؤثر على طلابه من حيث القدرة على ضبط عملية التعلم ونقل المفاهيم التعليمية وتحقيق النتائج المرجوّة منها.

وما لمسناه اليوم وخاصةً خلال جائحة كورونا، وتعذر استمرارية التعلم الوجاهي المباشر أو بما يسمى (التقليدي)، واستبداله بطرق حديثة قائمة على التعلم الإلكتروني، ظهور تحديات عديدة من أهمها عدم توفر بنية تحتية معدة لهذا النمط من التعلم، والمتمثلة بتعذر توافر المناهج الإلكترونية المتخصصة، ومنصات تعليمية تساعد المعلمين في إعطاء المادة التعليمية بكل يسر وسهولة، بحيث تصل إلى كل منزل وأسرة، والنقص كذلك في الأجهزة الإلكترونية الذكية التي لا تتوافر لدى كل أفراد الأسرة من المتعلمين فيها سواء في المدارس، أو الجامعات ، وكذك ما رافق هذه الجائحة من مشكلاتٍ اجتماعية تمثلت بتدني المستوى المادي للأسر، بحيث يصعب تغطية النفقات المادية المرافقة للنمط التعليمي الجديد، هذا مع انقطاع بعض الأسر وخاصة الآباء عن إعالة أبنائهم بسبب فقدانهم لمصدر رزقهم، ناهيك عن الخلافات الأسرية المستمرة والتي تعيق توفر الأمن، والطمأنينة للأسرة العربية، بالإضافة إلى حالات الطلاق التي تشتت الأفراد داخل الأسرة الواحدة، مما أدى الى حدوث أزمات نفسية وعلى رأسها حالات الاكتئآب لمعظم الأسر العربية لا سيما بعد حالات الحظر العديدة التي رافقت جائحة كورونا ، كما وأن ضعف الخبرة لأولياء الأمور في مجال الإشراف والتدريس ومتابعة أبنائهم شكل مأزقاً جديداً معيقاً لاستمرارية العملية التعليمية بدون صعوبات، فلجا العديد من الطلبة لحالات الغش وعدم الاهتمام بفهم المادة التعليمية والاعتماد على أخذ المعلومة جاهزة دون أدنى تعب في البحث عنها، أو الوصول اليها بإحدى طرق التفكيرالصحيحة، عدا الصعوبات التي تواجه المعلم في أساليب التعليم عن بعد من رفع صور، وحل الواجبات، وإرسال المهام التعليمية، وغيرها. أن ثقافة التعليم العربية احتوت مفاهيماً، وأبعاداً ارتبطت لسنوات طويلة بالتعلم الوجاهي المباشر(التعلم التقليدي) حيث أن المعلم حاضراً، والطلاب، وأدوات التعليم من السبورة والكتب المنهجية، وبعض المصادر التعليمية، ولا زالت العديد من الأوساط العربية تفضل هذا النوع من التعليم بحكم التعود، والقناعة، والثقة بهذا النموذج، وليس بالأمر السهل أن تتغير تلك الثقافة المفاهيمية التعليمية بسرعة وبين ليلةٍ وضحاها، وبالرغم من التطور في التعليم وطرائقه في السنوات العشرين الأخيرة والتي ركزت على إدخال التكنولوجيا في التعليم، وتوفر المناهج المتخصصة بأنشطتها القائمة على التفكير المنطقي، والمبادرات التي تربط المادة النظرية بالجانب التطبيقي، إلا أن من الملاحظ فقدان البنية التحتية المعدة لهذا الغرض من التعلم، وظلت مقتصرة نوعاً ما على القطاع التعليمي الخاص، الذي واكب تلك التغيرات إلى حدٍ ما، مع ثبات القاعدة العامة المفضلة للتعلم الوجاهي الصفي.

ومع ذلك كله فإنه من اللازم التفكيراليوم باستدامة التعليم، وتطوره من خلال طرح التصورات المستقبلية المتضمنة واقع التعليم، وأهمية تطويره، والجوانب التي يتطلبها ليكون قادراً على استشراف المستقبل بطرق علمية، متقدمة في قطاع التعليم، بحيث نتمكن من رسم تصورات مستقبلية عن واقع التعليم القادم وخاصةً إذاما تعرض العالم لسلسة من الجوائح المستقبلية.

  • لا يجوز الاقتباس واعادة النشر للمحتوى المنشور إلا بموافقة رسمية من موقع شؤون تربوية.

مواضيع ذات صلة