التقييم من أجل التعلم في البيئة الجامعية

د. حازم رياض عناقرة، أستاذ مساعد، مدرس معلمين ، برنامج الدبلوم العالي لإعداد المعلمين، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية.

ظهر التقييم من أجل التعلم Assessment For Learning استجابة للتوجهات الحديثة في التدريس والتعلم والتي تُعطي المتعلم زمام الأمور في تحمل مسؤولية تعلمه، بحيث يصبح التقييم وسيلة لتحقيق ما نصبو إليه من عمليتي التعلم والتعليم وليس غاية بحد ذاته، وهنا تختلف النظرة السائدة لعملية التقييم كأداة لتقييم التعلم لتصبح أداة للتقييم من أجل التعلم. ومن أشهر الدراسات التي أعطت التقييم من أجل التعلم أهمية كبيرة دراسة بلاك ووليام (Black & Wiliam,1998b) بعنوان ” داخل الصندوق الأسود” والتي تضمنت مراجعة 250 بحثًا عن التقييم في 160 مجلة مختلفة، وأظهرت نتائج الدراسة الاهتمام بالتقييم المبني على إعطاء درجة للمتعلم، ومقارنة أدائه بغيره من المتعليمن، ودعم التنافس بين الطلبة، وعدم توفر أدلة لحدوث التعلم. ولمواجهة الممارسات التقليدية في التقييم أكد الباحثان على أهمية ممارسة التقييم من أجل التعلم لدعم وتطوير تعلم الطلبة ذاتيًا واجتماعيًا.

وتُعد المرحلة الجامعية من المراحل المهمة في حياة المتعلم التي يكتسب من خلالها الكثير من المعارف والمهارات التي تُمكنه من الدخول إلى سوق العمل بكفاءة واقتدار، ومن هنا تكمن أهمية التقييم من أجل التعلم في هذه المرحلة لمساعدة المتعلم على وصوله إلى المستوى المرغوب به وليس قياس ما يملك من معرفة في المرحلة الحالية؛ فالتقييم من أجل التعلم يقوم على فكرة سد الفجوة بين ما يتعلمه الطلبة وما ينبغي أن يكونوا عليه في المستقبل في التعلم والإنجاز.

وينبغي أن يأخذ الأستاذ الجامعي بعين الاعتبار أن التقييم من أجل التعلم عملية مستمرة طوال المسيرة التعليمية تركز على مدى واسع من نتاجات التعلم ولا تنحصر في نهاية الفصل الدراسي، ويتم متابعة تعلم وأداء الطالب باستمرار لإعطائة التغذية الراجعة التي تُكمنه من تعزيز نقاط قوته ومعالجة نقاط ضعفه للانتقال إلى المرحلة اللاحقة، يحيث يتم الحكم على أداء المتعلم في ضوء أدائه السابق أو في ضوء نتاجات التعلم المنشودة، ويشترك الطلبة في تقييم تعلمهم من خلال التقييم الذاتي والذي يُعنى ” بتقييم الطلبة أعمالهم بشكل ذاتي من خلال معايير محددة” أو تقييم الأقران والذي يتمثل في ” تقييم أعمال وإنجازات الطلبة من خلال الاستماع إلى وجهات نظر وآراء أقرانهم”.

ويجب أن يشارك الأستاذ الجامعي نتاجات التعلم مع طلبته بحيث تكون هذه النتاجات تتسم بسمات النتاج الذكي SMART أي تكون واضحة ومحددة، وقابلة للقياس، ويمكن تحقيقها في الواقع، ومناسبة للمستوى العمري والفكري للمتعلم، ومرتبطة بفترة زمنية معينة، كما يجب أن تكون المعايير التي يُقييم عليها أداء المتعلم واضحة ومفهومة لدى الطالب قبل القيام بأي مهمة مطلوبة، وأن تكون المهام المطلوبة تنسجم مع تلك المعايير، كما ينبغي على الأستاذ الجامعي خلال التقييم من أجل التعلم إعطاء المتعلم تغذية راجعة تتفق مع معايير النجاح التي تمّ تحديدها سابقًا، وأن تتضمن التغذية الراجعة خطوات عملية مستقبلية تركزعلى تطوير أداء المتعلم، وليس مجرد أوصاف لأداء المتعلم.

ويتضمن التقييم من أجل التعلم استراتيجيات متنوعة تشمل التقييم الذاتي وتقييم الأقران اللذان تم الإشارة إليهما سابقًا، إضافة إلى ملف الإنجاز للمتعلم والذي يُعطيه حرية التفكير والإبداع في إنجاز المهام المطلوبة، وتوجيه أسئلة فعّالة ذات مغزى تُثير مهارات التفكير العليا لدى الطلبة وتسمح لهم بالنقد والإبداع، وتصميم مهمات تعليمية تتطلب قيام المتعلم بتطبيق المعرفة التي تعلمها على أرض الواقع مثل: إجراء تجارب عملية، مهمات كتابية، رسم خرائط ذهنية، حضور ندوات ومؤتمرات علمية، حلقات الحوار والنقاش. كما تؤدي ملاحظات الأستاذ الجامعي لممارسات وسلوكيات الطالب ضمن معايير محددة دورًا كبيرًا في تحسين وتطوير تعلمه.

أن التقييم من أجل التعلم يحدث خلال العملية التعليمية ويكملها ولا ينفصل عنها، ويهدف إلى تشخيص حاجات الطلبة وميولهم ورغباتهم، وتحديد أنماط تعلمهم وأساليب تفكيرهم لإعطائهم التغذية الراجعة الفعّالة التي تُمكنهم من تعزيز وتطوير عملية تعلمهم الذاتي، وفي الوقت ذاته تسمح هذه التغذية الراجعة للأستاذ الجامعي بإعادة التفكير في الاستراتيجيات والممارسات التدريسية التي يمارسها في البيئة الجامعية بما يناسب مصلحة المتعلمين ويُطور نموهم المعرفي والمهني.

مواضيع ذات صلة