البحث النوعي: آلياته وأنواعه!

يشير البحث النوعي إلى البحث الذي يقوم على جمع بيانات غير رقمية أو عددية أو إحصائية. ويعتمد على جمع وتحليل الأنشطة غير العددية التي تكون بصورة كلمات وصور وأفعال. إنه طريقة تستخدم على نطاق واسع من قبل الباحثين الذين يدرسون السلوك البشري والآراء والموضوعات والدوافع بغرض تعرف الأسباب والمسببات والتفاصيل التي تقف خلف المشكلات والظواهر أي محاولة الوصول لأدق التفاصيل المتعلقة بظاهرة او مشكلة ما. غالبًا ما يستخدم البحث النوعي في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية والتربوية والأعمال.

ويعرّف كيث بانش البحث النوعي بأنه “بحث تجريبي يعتمد بيانات نوعية كيفية غير رقمية أو عددية. يعني بالتجريبي أن البيانات أو البحث يعتمد على شيء يتم اختباره أو ملاحظته بدلاً من أن يكون مستندًا إلى نظرية. يمكن أن تكون البيانات في شكل مقاطع فيديو أو صور أو منتج أو دليل معين أو وثائق.

يوضح كوهن (1996) أن العديد من الاكتشافات العلمية العظيمة تمت بالصدفة وليس من خلال تطبيق منهجية صارمة. ويضيف كون، إن المعرفة العلمية صحيحة فقط طالما لم نعثر على حقيقة أفضل. وبالتالي، لا يمكننا أبدًا التأكد مما إذا كانت معرفتنا موضوعية في الواقع أم أنها تقتصر على ما يمكننا رؤيته الآن. قد تكون القيود ذات طبيعة فنية أو معرفية. يقدم كوهن أمثلة حيث لم يتعرف العلماء على الحقائق الواضحة لمجرد أنهم لا يعتقدون أنها يمكن أن توجد.

يصف دينزين ولينكولن (2005) البحث النوعي بأنه يشمل “… مقاربة طبيعية تفسيرية للعالم. وهذا يعني أن الباحث الكيفي  أو النوعي يدرس الأشياء في بيئاتها الطبيعية، في محاولة لفهم أو تفسير الظواهر من حيث المعاني التي يجلبها الناس إليها. يتم إيلاء اهتمام خاص للباحث كشخص. هو أو هي ليس مراقبًا مستقلًا يرتدي معطفًا أبيض – وهي صورة يتم رسمها غالبًا عند تصوير علماء الطبيعة. بدلاً من ذلك، في البحث النوعي، يعد التفكير الذاتي حول موقف الفرد ومكانته ودوره في المجتمع أمرًا حيويًا. كما كتب دينزين ولينكولن: “تقف وراء كل الأبحاث سيرة الباحث الجندري، الذي يتحدث من منظور مجتمعي عرقي وثقافي وعرقي معين” (ص 21). لا يمكننا إلا أن نرى ما تسمح لنا طبقتنا أو ثقافتنا أو عرقنا أو جنسنا أو عوامل أخرى بالتعرف عليه. 

البحوث النوعية لها العديد من الأساليب أو الأنواع بناءً على طريقة جمع البيانات أو بناءً على طبيعة البيانات. والتصنيف الشائع والمفيد يفصل الأساليب النوعية إلى خمس مجموعات: الإثنوغرافيا، والسردي، والظاهري، والنظرية التأصيلية، ودراسة الحالة. وتستخدم الطرق الخمس عمومًا تقنيات متشابهة في جمع البيانات (الملاحظة، والمقابلات، ومراجعة وتحليل الوثائق)، وتاليا بعض التفاصيل عنها:  

الإثنوغرافي

ربما يكون البحث الإثنوغرافي هو أكثر أنواع الأساليب النوعية شيوعًا وقابلية للتطبيق. في الإثنوغرافيا، يمكنك الانغماس والعيش في بيئة المشاركين المستهدفين لفهم الأهداف والثقافات والتحديات والدوافع والموضوعات التي تظهر. تعود جذور الإثنوغرافيا إلى الأنثروبولوجيا الثقافية حيث ينغمس الباحثون في ثقافة ، غالبًا لسنوات! بدلاً من الاعتماد على المقابلات أو الاستطلاعات، فإنك تختبر البيئة بشكل مباشر، وأحيانًا “كمراقب مشارك”. 

على سبيل المثال، تتمثل إحدى طرق الكشف عن الاحتياجات غير الملباة للعملاء في “متابعتهم في المنزل” ومراقبتهم أثناء تفاعلهم مع المنتج. أنت لا تأتي مسلحًا بأي فرضيات للاختبار بالضرورة؛ بدلاً من ذلك، كنت تتطلع إلى معرفة كيفية استخدام المنتج.

السردي

ينسج المنهج السردي معًا سلسلة من الأحداث، عادةً من فرد واحد أو شخصين فقط لتشكيل قصة متماسكة. أنت تجري مقابلات متعمقة، وتقرأ المستندات، وتبحث عن الموضوعات؛ بصيغة أخرى، كيف توضح قصة فردية تأثيرات الحياة الأكبر التي خلقتها. غالبًا ما يتم إجراء المقابلات على مدار أسابيع أو شهور أو حتى سنوات، ولكن لا يلزم أن يكون السرد النهائي بترتيب زمني. عوضا عن ذلك، يمكن تقديمها كقصة (أو سرد) بمواضيع ، ويمكنها التوفيق بين القصص المتضاربة وإبراز التوترات والتحديات التي يمكن أن تكون فرصًا للابتكار.

مثلا، يمكن أن يكون النهج السردي طريقة مناسبة لبناء الشخصية. بينما يجب بناء الشخصية باستخدام مزيج من الأساليب – يمكن أن توفر المقابلات المتعمقة مع الأفراد في شخصية محددة التفاصيل التي تساعد في وصف الثقافة، سواء كان شخصًا مصابًا بالتصلب المتعدد، أو طالبًا محتملاً التقدم للكلية، أو الأم العاملة.

الظاهرية

عندما تريد وصف حدث أو نشاط أو ظاهرة، فإن الدراسة الظاهرية المسماة على نحو مناسب هي طريقة نوعية مناسبة. في دراسة الظواهر ، يمكنك استخدام مجموعة من الأساليب، مثل إجراء المقابلات، أو قراءة المستندات، أو مشاهدة مقاطع الفيديو، أو زيارة الأماكن والأحداث، لفهم المعنى الذي يضعه المشاركون على كل ما يتم فحصه. أنت تعتمد على وجهات نظر المشاركين لتقديم نظرة ثاقبة لدوافعهم.

مثل الأساليب النوعية الأخرى، لا تبدأ بفرضية جيدة الصياغة. في دراسة الظواهر، غالبًا ما تجري الكثير من المقابلات، عادةً ما بين 5 و 25 لموضوعات مشتركة، لبناء مجموعة بيانات كافية للبحث عن الموضوعات الناشئة واستخدام مشاركين آخرين للتحقق من صحة نتائجك.

مثلا، حدث توسع في السنوات الخمس الماضية في الدورات التدريبية والتدريب عبر الإنترنت. لكن كيف يشارك الطلاب في هذه الدورات؟ بينما يمكنك فحص الوقت الذي تقضيه والمحتوى الذي تم الوصول إليه باستخدام بيانات السجل وحتى تقييم إنجاز الطالب مقابل الدورات التدريبية الشخصية، فإن دراسة الظواهر تهدف إلى فهم تجربة الطلاب بشكل أفضل وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على فهم المادة.

النظرية التأصيلية

في حين أن دراسة الظواهر تبدو لوصف جوهر نشاط أو حدث، فإن النظرية القائمة على التأصيل تتطلع إلى تقديم تفسير أو نظرية وراء الأحداث. أنت تستخدم المقابلات والوثائق الموجودة بصورة أساسية لبناء نظرية تستند إلى البيانات. تمر بسلسلة من تقنيات الترميز المفتوحة والمحورية لتحديد الموضوعات وبناء النظرية. غالبًا ما تكون أحجام العينات أيضًا أكبر – بين 20 إلى 60 – مع هذه الدراسات لتأسيس نظرية أفضل. يمكن أن تساعد النظرية الأساسية في اتخاذ قرارات التصميم من خلال فهم أفضل لكيفية استخدام مجتمع المستخدمين حاليًا لمنتج أو أداء مهام.

مثلا، يمكن أن تتضمن الدراسة النظرية الأساسية فهم كيفية استخدام مطوري البرمجيات للبوابات للتواصل وكتابة التعليمات البرمجية أو كيف يوافق تجار التجزئة الصغار على العملاء أو يرفضونهم للحصول على ائتمان.

دراسة الحالة

اشتهرت من قبل كلية هارفارد للأعمال، حتى الباحثين الكميين بشكل رئيسي يمكنهم ربط قيمة دراسة الحالة في شرح منظمة أو مؤسسة أو حدث. تتضمن دراسة الحالة فهماً عميقاً من خلال أنواع متعددة من مصادر البيانات. يمكن أن تكون دراسات الحالة تفسيرية أو استكشافية أو تصف حدثًا. مثلا، قد تكون دراسة الحالة حول كيفية قيام شركة كبيرة متعددة الجنسيات بتقديم أساليب تجربة المستخدم في بيئة تطوير رشيقة مفيدة للعديد من المؤسسات. 

ويحتاج الباحث إلى أن يقرر حاجته إلى بحيث نوعي، لذلك عليه أن يضع في اعتباره هذه الأسباب عند تبنيه لبحث نوعي:

الاستكشاف: عندما لا يتم تحديد شيء ما بشكل جيد، مثل المشاكل التي يواجهها العملاء عند استخدام المنتجات.

وصف التعقيد: يمكن للبحث النوعي تحليل وتفكيك المشكلة والظاهرة إلى أجزاء يمكن التحكم فيها.

فهم السياق: فهم السياق والبيئة التي يتواجد فيها المستخدم يوفر توجيهًا أفضل للمنتج. يمكن أن تأتي بعض الأفكار الأكثر إفادة من مراقبة ومقابلة المستخدمين.

الشرح: عندما تحتاج إلى شرح الروابط أو الآليات التي تسبب أشياء.

إذا لم تتناسب المقاييس مع المشكلة جيدًا: تساعد البيانات النوعية في الكشف عن الأشياء التي يجب قياسها.

وللبحث النوعي الفعال خطوات تُحقق أقصى استفادة منه وهي:

حدد أسئلة البحث الخاصة بك. ركز أسئلتك البحثية على شيء يمكن التحكم فيه؛ لا تحاول إنجاز كل شيء بدراسة واحدة.

صمم الدراسة. حدد الطريقة التي ستستخدمها ومن ستلاحظه وأين وكيف ستجمع البيانات.

اجمع البيانات. يمكن أن يكون للباحثين مستويات مختلفة من المشاركة عند مراقبة المشاركين أو إجراء مقابلات معهم. قم بتدوين ملاحظات وفيرة وسجل جلساتك وأحداثك إن أمكن.

حلل البيانات. أنشئ نظامًا من الرموز لتصنيف التعليقات والسلوكيات إلى فئات. الجمع بين الفئات وفصلها عند الحاجة.

توليد النتائج. حوّل أنماط التعليقات والسلوكيات المشفرة إلى موضوعات ورؤى.

تحقق من صحة النتائج الخاصة بك. فكر في تثليث نتائجك باستخدام مقيّمين مستقلين أو مبرمجين أو حتى بحث تكميلي؛ مثلا، الدراسات الاستقصائية أو البيانات الموجودة.

استخلاص أي نتائج. ركز على الموضوعات التي تظهر وادعمها بالاقتباسات وتكرار تعليقات المشاركين والسلوكيات التي تدعم الموضوع.

المصادر: measuringu.com, atlasti.com, physio-pedia.com