أولويات الإصلاح والتحديث للنظام التربوي الأردني

أولويات الإصلاح والتحديث للنظام التربوي الأردني 

أ. د. محمد صايل الزيود، أستاذ، قسم القيادة وأصول التربية، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

حقق النظام التربوي الأردني إنجازات بارزة خلال العقود الماضية من عمر الدولة الأردنية، وتجلت هذه الإنجازات بشمول مختلف مناطق المملكة بالخدمات التعليمية، وشمول كل ممن هم في سن التعليم بالالتحاق بالتعليم الأساسي وتطبيق عملي بأن التعليم حق للجميع دون تمييز لأي اعتبارات تطبيقا لمبادئ الدستور الأردني بالمساواة وعدم التمييز، كما شهد النظام التعليمي الأردني نقلات نوعية فيما يتعلق بعدد وبنوعية المدارس وجودة المناهج والتخصصات وفرص الإعداد والتدريب للمعلمين والإدارات المدرسية والكوادر المشرفة كما شهد نقلة نوعية في مستوى النزاهة في إجراءات الامتحانات خاصة امتحان الثانوية العامة. 

إن الإنجازات التي حققها النظام التربوي الأردني تدعو للاعتزاز وترسخ الحاجة بضرورة استمرار العمل بالتطوير والتحديث والإصلاح لهذا النظام في العديد من المكونات والجوانب، لا سيما أن الأنظمة التعليمية وعلى المستوى العالمي تخضع لعمليات مراجعة وتحديث مستمرة. 

ورغم هذه الإنجازات وبعد هذه المسيرة، نجد مشكلات بنيوية تحتاج إلى إجراءات علمية وحلول ضمن أطر زمنية محددة لنصل في نهاية المطاف بالنظام التربوي لمصاف الأنظمة التربوية العالمية المتميزة وبوقت زمني قياسي.

وبالإشارة للمشكلات نجد أبرزها يتعلق بالمباني المدرسية المستأجرة ونظام الفترتين واكتظاظ الصفوف الدراسية بفعل عومل استثنائية وبفعل عوامل النمو الطبيعي في أعداد الطلبة. ولمواجهة هذه المشكلات مجتمعة فلا بد من مضاعفة أعداد الغرف الصفية بإنشاء المدارس بوتيرة أكبر وأسرع، بأن يصبح إنشاء المدارس أولوية تسخر لها الأموال اللازمة من مصادر التمويل الوطنية الحكومية والمنح والمساعدات والقروض الدولية وتشجيع ومنح القطاع الخاص حوافز ومنافع لدفعة للاستثمار في إنشاء المدارس الخاصة وبث الوعي بأهمية التبرع والتصدق بإنشاء المدارس بدلا من إنشاء المساجد التي أصبحت أعدادها تفوق حاجة المدن، والأحياء، والقرى، والبوادي.  

إن محدودية أعداد المدارس وبالتالي محدودية الغرف الصفية وما ينجم عن ذلك من اكتظاظ هو تحد للجودة والنوعية في تربية وتعليم الطلبة كون الحلول التي تقوم على التناوب أو الفترتين أو استئجار مباني سكنية وتحويلها لمدارس ليست بحلول جذرية. وإن عدم توفير المدارس ذات الغرف الصفية التعليمية التي يتمتع الطلبة في بيئتها بجو تربوي وتعليمي سليم يقف خلف جل مشكلات النظام التربوي كفقر التعلم وضعف التحصيل الدراسي وضعف المهارات الحياتية والدراسية وضعف مهارات التفكير العليا وضعف ممارسة السلوك الحضاري والقيمي وضعف الشعور بالانتماء والولاء للمجتمع ومقدراته وغيرها الكثير يوجب حلول علمية عاجلة.  

إن معالجة مشكلات النظام التربوي ضرورة وطنية تضمن بناء أجيال مؤهلة قادرة على العمل والعطاء وبناء الوطن والمساهمة الفاعلة في تنمية كافة قطاعاته، فالمدارس والمناهج وسوق العمل تتطلب مدارس يتوفر بها بنى تحتية متخصصة يستثمرها المعلم في التربية والتعليم وفي تنفيذ المنهاج وفي بناء شخصيات الطلبة، فالمدارس يجب أن تتهيأ ماديا بالمعدات والتجهيزات والتقنيات وشبكات الاتصالات والإنترنت والوسائل التعليمية والحدائق والساحات والمختبرات والمكتبات، وجميعها تضمن الإعداد والبناء التربوي السليم للطلبة، ويرافق ذلك الإعداد والتأهيل للمعلمين لمواكبة العصر بمعارف ومهارات وطرائق تمكنهم من بناء الإنسان المنتمي لوطنه والمتحلي بالفضائل والمتمكن من المعارف والمهارات، خاصة إن جائحة كورونا كشفت لنا حجم الضعف الذي يعاني منه المعلم من حيث مهاراته في التعامل مع التقنية والتعلم الإلكتروني. 

كما أن عمليات التطوير يجب أن تخرج بنظام امتحان للثانوية العامة مواكب للعصر ويعبر بالطلبة والمجتمع الأردني للمستقبل، ذلك أن امتحان الثانوية العامة وعند مقارنته بغيره من الاختبارات العالمية، يخلق حالة من القلق والإرباك لدى الطلبة وأسرهم، لذلك نحتاج لتطوير الامتحان ليصل لمرحلة الثبات في كيفية عقده وتنفيذه والغاية منه ليستقر ويصنع لنفسه سمعة تربوية تترسخ وتبعث الطمأنينة في نفوس الطلبة والمجتمع. 

إضافة لتحديث وتطوير آليات اختيار وإعداد وتأهيل الإدارات المدرسية بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية التي تعتمد على نتائج البحث التربوي العلمي الأصيل وعلى التميز والكفاءة والجدارة والمؤسسية، وينطبق ذلك على كوادر الإشراف التربوي.

 إننا اليوم، وقد بدأت مسيرة الإصلاح السياسي بإرادة ملكية وقد أنهت اللجنة الملكية أعمالها وقدمت توصياتها، بحاجة أن نطلق عملية إصلاح وتحديث وتطوير تربوي تعالج جوانب الخلل التي يعاني منها نظامنا التربوي لنضمن نجاح إصلاحنا السياسي القادم.  

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة