الجمال والتربية الجمالية

الجمال والتربية الجمالية
أ‌. د. محمد صايل الزيود، أستاذ قسم القيادة التربوية والأصول، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

“ التربية الجمالية فرصة لضبط العلاقات الإنسانية وفقا لمعايير إنسانية حضارية تضمن لنا العيش في مجتمع إنساني جوهره أن الإنسان جميل يقدر ويتذوق ويسلك ويتبع كل جميل. إن من يتحلى بتربية جمالية يكون قيمة بذاته حيث الأدب والاحترام والمصداقية والإخلاص والوفاء والتقدير والنزاهة والمودة والرأفة والتسامح والعمل الجاد والعطاء والرغبة في الكمال في العمل والشعور مع الآخر”.

لعل أبرز ما يبعث على الراحة في النفس ويرتقي بمستوى شعورك بالسعادة ويجعلك في مزاج فرح ويدفعك للسلوك الحضاري الراقي، هو شعورك وتقديرك وتذوقك للجمال والرقة والعذوبة في كل ما تتفاعل معه من مقدرات مادية ومعنوية. فإقبالك وسعيك وتقديرك وتذوقك لأي شيء جميل دليل قاطع على تربيتك الجمالية. إن التربية الجمالية قيمة بذاتها حيث تهذيب النفس وصقل للمشاعر وبناء قيمي للذات وتنشئة أخلاقية تقدس كل قيم بذاته.

التربية الجمالية هي أن تنحت العقل والعاطفة الإنسانية لأن تتذوق وتشعر بقيمة الجمال وتترجم هذا التذوق والشعور بفعل حضاري إنساني يجعل من صاحبه أيقونة للرقي والتحضر والاحترام والتقدير في عيون من يعاشرهم. وبهذا فإن من يتحلى بتربية جمالية يكون قيمة بذاته حيث الأدب والاحترام والمصداقية والإخلاص والوفاء والتقدير والنزاهة والمودة والرأفة والتسامح والعمل الجاد والعطاء والرغبة في الكمال في العمل والشعور مع الآخر.

التربية الجمالية اليوم مطلب في زمن اختلطت به المعايير ولم نعد نقدر لنحكم على الجمال المادي أو المعنوي بسهولة، ولم يعد لدينا متسع من الوقت أو الاهتمام للاستمتاع بشيء جميل. لذلك فإن إعادة الألق للتربية الجمالية التي جوهرها الشعور الذي يترجم لسلوك حي نعيشه ونحياه من خلال جهد تربوي يخطط له، وينتج لأجله المحتوى الجمالي في كل شأن من شؤون الحياة، وينفذه جهات مؤسسية تربوية ومجتمعية لصقل شخصية النشء لتقدر الجمال وتسلك سلوك جمالي وجميل.

التربية الجمالية تعني سفر يهذب النفس والسلوك في التربية والتعليم والعلوم والتاريخ والفنون والموسيقى والغناء والشعر والأدب والعلاقات الإنسانية والعمل والإنتاج والانتماء والوطنية والتحضر وتقبل الآخر والعفو والصفح والتسامح والدقة والإتقان والسمو عن الصغائر والمصداقية والوفاء والإنصاف. هذا السفر يحمله من هم أهل له للنشء والجيل الذي يعاني اليوم من فقدان البوصلة وفقدان التربية الجمالية ومنشغل بالمتعة المادية والألعاب الإلكترونية والذاتية والتنمر عبر فضاء إلكتروني وهمي يفصله عن عالمه الواقعي حيث العلاقات الإنسانية ومؤسسات العمل والتفاعل والتواصل.

لذلك فإن من هم أهل لحمل التربية الجمالية ومحتواها بحاجة أن نستثمر بهم من خلال تربيتهم تربية جمالية تواكب العصر وتستند إلى إرث حضاري عميق يقدر الجمال ويسمو بالسلوك بعيدا عن الذاتية والأنانية، ولعل خير من نبدأ بتأهيلهم لهذا الغاية السامية والأقرب للنشء وممن لهم اليد الفضلى في بناء الإنسان هم من المعلمين، عبر برامج للتربية الجمالية تحمل المحتوى الذي نراه قيم وجمالي ليهذب النفس والسلوك، وأن يرافق ذلك حمل لهذه المسؤولية من قبل المؤسسات الإعلامية بكافة صورها وأشكالها لتنشر الجمال والتربية الجمالية عبر برامجها، لتصقل فكر وتهذب شعور وتقود لسلوك حضاري جميل لكل من يتابعها بعيدا عن واقع نشاطها الحالي المتمثل بإخبار لا تبعث إلا على اليأس والقلق وتولد الشعور بالإحباط وفقدان الأمل.

التربية الجمالية فرصة لضبط العلاقات الإنسانية وفقا لمعايير إنسانية حضارية تضمن لنا العيش في مجتمع إنساني جوهره أن الإنسان جميل يقدر ويتذوق ويسلك ويتبع كل شيء جميل.

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة