التنمر الإلكتروني!

التنمر الإلكتروني!

أ‌. د. محمد صايل الزيود، أستاذ، قسم القيادة التربوية والأصول، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

تعيش المجتمعات البشرية مرحلة الاستخدام الواسع للأجهزة الإلكترونية والتطبيقات الذكية من مختلف الفئات العمرية، فأصبح من الطبيعي أن تجد الطفل الذي لا يتجاوز عمره بضع سنوات يمسك بيديه جهاز لوحي أو خلوي ويتصفحه بكل اقتدار.

هذا الاستخدام الواسع للأجهزة الإلكترونية والتطبيقات الذكية امتد ليشمل مختلف مجالات الحياة ولم يقتصر على مجال محدد، فمن التربية والتعليم والرياضة والترفيه والمسابقات والمال والأعمال للسياحة والسفر والعلم والمعرفة والتواصل والتفاعل الاجتماعي وغيرها الكثير من المجالات التي تزداد بمرور الأيام.

لقد أفرز هذا الاستخدام ظهور ممارسات غير تربوية وغير سوية وغير إنسانية تمثلت بما تم التعارف عليه بالتنمر الإلكتروني قياسا على ظاهرة التنمر التقليدية التي تمارس من قبل البعض مباشرة وجها لوجه وخاصة لدى الفئات العمرية المبكرة في المدارس إجمالا من خلال قيام أبناء فئة عمرية معينة ذات خصائص نفسية وشخصية ولديها ظروف وعوامل شكلتها لممارسة السيطرة والهيمنة والابتزاز تجاه الآخرين لاعتبارات متعددة أبرزها نفسية واجتماعية واقتصادية، وأصبحت ممارسة هذا التنمر من خلال الفضاء الإلكتروني ومن الأجهزة والتطبيقات الإلكترونية الذكية.

إن من يمارس التنمر الإلكتروني يعيش ظروفا نفسية غير سوية وحتما لديه اضطرابات نفسية، وتسيطر عليه ثقافة الحقد والكراهية والحسد والرغبة في الانتقام، كل ذلك يؤدي به للسعي للإيذاء والتلذذ في الإساءة للأخريين معنويا وماديا. ويمارس ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر فضاء الألعاب الإلكترونية وعبر وسائل التراسل المباشر.

يشير التنمر الإلكتروني إلى الإساءة والذم والقدح والتشهير والتهديد والابتزاز ونشر معلومات وصور مفبركة كاذبة عن الآخرين بغرض اغتيال شخوصهم اجتماعيا وأسريا ومهنيا وبغرض الحصول على مكاسب مالية في بعض الحالات من الشخص الذي يتم التنمر عليه.

كذلك فإن التنمر الإلكتروني في أبسط صورة يتمثل بالتهجم على الآخرين ونشر معلومات مضللة مسيئة عنهم ويتطور بالتهديد والوعيد والابتزاز لاعتبارات متعدد منها الاعتبار المالي أو الجسدي، ويرافق التنمر الإلكتروني في العديد من الحالات امتلاك المتنمر مهارات تقنية وإلكترونية تمكنه من السيطرة على حسابات الآخرين ووضعهم تحت التهديد والوعيد والابتزاز لغايات كثيرة أقلها الابتزاز المالي.

ويترك التنمر الإلكتروني أثارا مدمرة على حياة الإنسان إذا ما استمر وإذا لم يتم التعامل معه بحكمة وروية وفقا للقوانين التي تحكم الحياة العامة والخاصة للأشخاص والتي تنفذها السلطات الرسمية، لذلك فإن العديد من بلدان العالم قد شرعت قوانين سميت بقوانين الجرائم الإلكترونية والتي يندرج تحتها التنمر الإلكتروني باعتباره جريمة تمارس بحق الأبرياء نظرا لأثارها النفسية المدمرة على الإنسان فيسود حياته التوتر والقلق والخوف والحيرة والعيش تحت ضغوط نفسية تخرجه من دائرة الفعل السوي والشخصية السوية القوية إلى دائرة الفعل المرتبك المتردد والشخصية المنهزمة التي تستجيب للابتزاز وتقع تحت وطأته، ويصاحب هذه الآثار النفسية، الآثار الجسدية التي تتجلى بالضعف والهزال لمن يقع تحت تأثير التنمر لفترات زمنية طويلة دون أن يبادر لمواجهته بالشكل الرسمي وعبر القنوات القانونية خوفا من المتنمر وخاصة إذا كان لديه مستمسكات مادية من مثل الصور وغيرها والتي قد تسيء لصاحبها أسريا واجتماعيا إذا ما تم نشرها.

لقد وضعت العديد من الإجراءات من قبل المنصات الإلكترونية لمنع والحد من التنمر والإبلاغ عنه بوسائل متاحة لعامة الناس ولكل من يستخدم الأدوات التقنية والتطبيقات الذكية، إلى جانب التواصل مع الجهات والسلطات الرسمية المختصة التي تمتلك الأدوات التقنية والقانونية لملاحقة المتنمر ومعاقبته، لذلك فإن مسؤولية إيقاف التنمر ومعاقبة من يتجرأ على ممارسته تقع على عاتق من يتعرض للتنمر بالإبلاغ عن تعرضه للتنمر وبأن يقدم كل معلومة متوفرة لديه للجهات المعنية دون خوف أو تردد وعليه أن لا يستجيب لأية ضغوطات وأن لا يخضع لمطالب وشروط المتنمر مهم امتلك من معلومات أو بيانات، كون يد العدالة وسيادة القانون هي التي ستسود وإن أخذت بعض الوقت بفعل المتابعة والتدقيق للوصول للمتنمر بالشكل والطرق القانونية.

إضافة إلى الوعي الذي يجب أن يمتلكه كل من يستخدم الأجهزة والتطبيقات الذكية بعدم الاستجابة وعدم التواصل والتفاعل عبر الفضاء الإلكتروني دون تدقيق وحيطة وحرص زائد وعدم تبادل أية معلومات أو صور أو أية معلومات خاصة مع الآخرين وعدم تقبل الصداقة أو التعليقات الخارجة عن المألوف والتي تكون بداية للتنمر الإلكتروني.

إن التنمر الإلكتروني ظاهرة عالمية تتطور وتأخذ العديد من الصور والأشكال، لكن يمكن مواجهتها بالوعي والجرأة وعدم التردد والخوف وعدم الانصياع لرغبات المتنمر وبالتنسيق والتواصل وطلب العون والدعم من قبل السلطات الرسمية ومن قبل الأصدقاء.

 

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة