العنف المجتمعي والحلول التربوية 

 العنف المجتمعي والحلول التربوية

الأستاذ الدكتور محمد صايل الزيود، أستاذ، قسم القيادة التربوية والأصول، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

بين فترة وأخرى، يهتز المجتمع الأردني بكلِّ أطيافه بسبب أحداث مؤسفة، تتسم بالعنف والغرابة، وتسيل كلمات مليئة بالكراهية على وسائل التَّواصل الافتراضية، وتظهر جرائم مليئة بالبشاعة واللؤم، تُقطَّع فيها أيدي طفل بريء، ويفصل ابن رأس أمِّه عن جسدها، كلُّ هذا العنف يحتاج وَقْفَة وقاية تربوية، تبدأ بسرعة مع وقوف الأردن على أعتاب فئويته الثَّانية. ظاهرة العنف التي يشهدها المجتمع الأردني من وقت لآخر تعتبر تحديًا حَقِيقِيًّا للأمن والسِّلم المجتمعي، بما تفرضه من خوف وهلع وبما تُثيره من تساؤلات حول حجم الظاهرة ومخاطرها، والجهود التي تُبذل للتَّعامل معها تَرْبَوِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا.

ما أن تكاد تتلاشى من الذَّاكرة حادثة عنف مؤلمة حتى تظهر أخرى أو حالات تعيدنا إلى نقطة البدء في الحديث عن الظاهرة، وضرورة اتخاذ إجراءات وقائية تربوية وإصلاحية وعقابية؛ للتعامل معها وحماية أمن المجتمع وضمان استقراره. المجتمع الأردني مجتمع مسالم تحكمُه عادات وتقاليد وترابط في بنيته الاجتماعية على نحو جعله وعلى مدى عقود مجتمع أسري، إلا أنه وبفعل الانفتاح على المجتمعات والتجارب العالمية، والاستخدام الواسع لوسائل التقنية والتكنولوجيا نجد أنَّ مظاهر العنف وصوره أخذت بالتزايد والتنوع بين العنف الأسري والمجتمعي والموجه نحو المنجزات والمقدَّرات الوطنية، وغيرها من الصور التي أخذت تُهدِّد البنية الاجتماعية وتستوجب إجراءات رسمية وأهلية عاجلة.

وشهد الأردن في الفترات القليلة الماضية جرائم عديدة، تجلَّت بمشاجرات عائلية، وتحطيم للمقدرات والمنجزات الوطنية في المستشفيات والمراكز الصحية وحرق لمبانٍ رسمية كبلديات ومراكز صحية وجامعية وتعدٍّ عنيف على الموظفين الرَّسميين في المستشفيات والمدارس، وظهور جرائم غاية في البشاعة والغرابة عن البُنية الاجتماعية والقيمية والأخلاقية للمجتمع الأردني من مثل جريمة الفتى صالح في الزرقاء وجريمة الأم في طبربور وغيرها من الجرائم البشعة التي واجهت التنديد والرَّفض على المستويين الرسمي والشعبي.

هذه الجرائم تأتي نتيجة لتحولات في البنية الاجتماعية على مدار أكثر من عقدين من الزمن بفعل الزيادة السكانية الكبيرة وارتفاع معدلات البِطالة والفقر، والتوسع الكبير في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع دور الأسرة في التَّربية والتَّوعية والرِّقابة، إضافة إلى ضَعف دور المدرسة والمعلم خاصة في التَّربية والتَّثقيف والتَّحصين وبناء الإنسان الواعي؛ لحساب الاهتمام بالتعليم والتزويد بالمعارف والمعلومات والتحصيل الدراسي إلى جانب ضَعف تركيز المناهج الدِّراسية على التربية والسَّلام والتَّسامح وَتَقْبَل الآخر والمعزز لثقافة الحوار والنقد البنَّاء وشبه غياب للتربية القيمية والأخلاقية بشكلها المنظم والمخطط له والذي يتوجب أن يصل بطريقة تربوية سليمة تلامس قلوب وعقول الطلبة في مختلف الأعمار والمراحل الدِّراسية.

ونظرًا لهذا الواقع الذي يشهدُ تزايد غير مسبوق للعنف المجتمعي بصوره وأشكاله كافة، فإنَّه يتوجب العمل بتشاركية بين مختلف الجهات؛ للتعامل مع هذه الظاهرة ابتداء ثم العمل بالأساليب التربوية؛ للمعالجة والوقاية منها قبل وقوعها. ولعل الخطوة الأولى في المواجهة تتجلى بتغليظ العقوبات على السلوك الشَّاذ من خلال إعادة النَّظر بالتشريعات؛ بحق من يمارس العنف بصوره وأشكاله كافة سواء كان عنف لفظي أم مَادِّيًّا تجاه الآخر بغض النظر عن هذا الآخر، سواء كان فردًا أم جماعة أم مقدرات وطنية ويتوجب أن يرافق ذلك سيادة تامة للقانون ورفضا قاطعا للواسطة التي كانت وما زالت أحد أسباب شيوع العنف المجتمعي، إلى جانب التأهيل النفسي والاجتماعي لممارسي العنف أثناء تنفيذ العقوبات بحقهم.

ويجب أن يرافق ذلك تبني سبل تربوية؛ للوقاية من العنف من خلال جهد وطني مؤسسي أكبر، يتبنى ما شاع عَالَمِيًّا وظهرت نتائجه في مجتمعات الدول المتقدمة وأصبح جزء من بنيتها التربوية، وإعداد المعلمين فيها، وأصبحت تقوم به الأسرة ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والمتمثل بالتربية على السَّلام والتَّسامح والعيش المشترك وتقبل الرأي والرأي الآخر وممارسة القيم الأخلاقية والإنسانية واحترام حقوق الإنسان وكرامته واحترام المقدرات والمكتسبات الوطنية المادية والمعنوية وتعزيز ثقافة الحوار وسُبل حل النزاعات بالطرق الحضارية واحترام القيم الأصيلة ونبذ التَّعصب والفرقة والاختلاف وإشاعة روح التسامح والتعاون والتضامن والمحبة والترابط بين أبناء المجتمع، كما يتوجب إطلاق برامج وطنية طموحه تتسم بالاستمرار والفاعلية؛ لمعالجة مشكلات الفقر والبِطالة في المناطق التي تعاني من العنف وبذوره، فجميع ذلك سيؤدي إلى إعادة اللحمة الاجتماعية للمجتمع الأردني الواحد والذي طالما عُرف بترابطه وتماسكه الاجتماعي. 

 

 

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة