الجامعات الأردنية وثقافة الإنجاز

الجامعات الأردنية وثقافة الإنجاز

أ. د. محمد صايل الزيود، قسم القيادة التربوية والأصول، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

تشير ثقافة الإنجاز إلى الإصرار والعزيمة والإيجابية والتفاؤل والمواظبة والمتابعة والتحديث والتطوير والإبداع والابتكار لمن ينهض بمسؤولية ما، وعلى وجه الخصوص لمن يتولى المواقع القيادية في الجامعات. إن ثقافة الإنجاز محورها الأساس نظرة فاحصة علمية لكيفية النهوض بالجامعات وإطلاقها لأفاق أرحب لتكون منارة في مجال عملها وبين نظيراتها.

إننا اليوم بحاجة ماسة لاستبدال ثقافة تسيير الأعمال وثقافة المحافظة على الوضع القائم بثقافة الإنجاز التي بالإمكان أن تترسخ بجامعاتنا إذا ما أحسن اختيار نخب قيادية على أسس من التخصصية والمهنية والنزاهة والمصداقية والموضوعية والكفاءة والخبرة والجدية في العمل والدافعية للإنجاز والانتماء وذلك لكل من يتولى قيادة أي شأن من شؤون هذه الجامعات بدءا من رؤساء وأعضاء مجالس الأمناء، ورؤساء الجامعات، ونوابهم، والعمداء.

إن تولية نخب وطنية قيادة الجامعات سيضمن لنا تغيير حقيقي في واقع جامعاتنا بالتوجه نحو الإنجاز الفعلي والحقيقي، ذلك إن الزيارات التفقدية وتنظيم ورعاية المؤتمرات والندوات والمحاضرات وافتتاح المعارض والمشاركة في فعالية ما أو استقبال وفد ما وتوقيع مذكرة تفاهم مع جهة ما- على أهميتها- إلا أنها ليست بالإنجازات التي تطور عمل الجامعات وتنهض بسمعتها العلمية وترتقي بتصنيفاتها العالمية.

إن ما يحقق للجامعات الرفعة والتقدم والنهضة يتمثل بتوجه القيادات الجامعية نحو الإنجاز الحقيقي الذي يقوم على معالجة وتقديم حلول للمشكلات القائمة والمستعصية منذ زمن والعمل على التطوير والتحديث وتغيير فعلي في الواقع انطلاقا نحو المستقبل الذي وصلت إليه جامعات أخرى في الإقليم والعالم.

إن الإنجاز للقيادات الجامعية يتجلى بجهد دؤوب لمعالجة المشكلات ومواجهة التحديات بحرفية ومهنية وموضوعية بما يحقق المصلحة العامة بكل تجرد. إن تمثل ثقافة الإنجاز يأخذ بالجامعات نحو مستويات رفيعة من الإنجاز والخدمة التي تميزها وتنقلها لمستويات عليا من الرضا والفخر لكل من يتعامل معها أو يتلقى خدماتها. كما أن ممارسة هذه الثقافة بلا أدنى شك سيقود هذه الجامعات إلى مراتب متقدمة في سلم التصنيفات العالمية التي أصبحت مطلبا عالميا ودليلا قاطعا إلى التميز العلمي الذي يقف خلف ثقة سوق العمل واستقطاب مزيد من الطلبة.

إن الجامعات الأردنية مطالبة اليوم بأن تضع ثقافة الإنجاز الحقيقي لتكون المحرك لها ولمن يتولى مسؤولية قيادتها لتحقيق الإنجازات التي تنقلها لمستويات أرفع من الجودة والنوعية والتميز في البرامج العلمية والخدمات التعليمية. ويكون ذلك من خلال الانطلاق نحو الإنجاز في تطوير البرامج العلمية القائمة والتي مضى عليها سنوات طويلة على نفس الحال بحيث تواكب العالم وتلبي متطلبات سوق العمل وتزود المتعلم بمهارات ما يعرف اليوم بمهارات المستقبل والتي تستند على المهارات الرقمية والحياتية والمهنية المطورة.

كما أن الإنجاز يجب أن ينصب على طرح البرامج العلمية الجديدة المستحدثة والتي تواكب التقدم الحاصل في جميع ميادين العلم من الرياضة إلى التربية والشريعة والآداب وصولا على الطب والهندسة، على أن يرافق ذلك إيقافا وإلغاء عاجلا لجميع التخصصات التي لم يعد يتطلبها سوق العمل وأصبحت عاملا من عوامل تعميق مشكلة البطالة.

إن الإنجاز الذي يجب التوجه نحوه اليوم يتجلى بعمل علمي مؤسسي لتطوير البنى التحتية التعليمية والخدمية التي تضمها الجامعات، إلى جانب العمل على إضافة بنى تحتية متقدمة في المجالات الرقمية والتقنية بما يضمن تعليما يواكب المستجدات العلمية وبه نركن إلى أن طلبتنا وجامعاتنا تقدم علم ومهارات المستقبل. إن الإنجاز في تطوير البنى التحتية يجب أن يشمل كل البنى التحتية المتمثلة بالقاعات الدراسية والمختبرات والمكتبات والمرافق الصحية والساحات والملاعب وأماكن الترفيه، والتي في أغلبها لا يتوافر بها الجودة اللازمة وأصبحت خارج الخدمة.

كما أن الإنجاز الذي يجب أن توجه له الطاقات والإمكانات يتجلى بالموارد البشرية لأعضاء هيئة التدريس الذين تعتمد عليهم النهضة والسمعة العلمية للجامعات وذلك من خلال الاختيار والتعيين على أسس الكفاءة والتمكن من العلم والمهارة والجدية والنزاهة، ومن خلال توفير الفرص الغنية لأعضاء هيئة التدريس للتطوير العلمي والمهني ضمن مسارات دقيقة مؤسسية تعاين كفاءتهم باستمرار وتدفعهم للنمو المهني بما يليق بهم وبجامعاتهم.

إن حوسبة وأتمته الخدمات أمر غاية في الأهمية والتي أنجز منها الكثير إلا أن جزءا آخر من هذه الخدمات بحاجة إلى الحوسبة توفير للوقت والجهد وترسيخا للدقة والشفافية والنزاهة وذلك فيما يخص الخدمات التي تقدم لأعضاء هيئة التدريس والطلبة والمجتمع المحلي.

إن تجذير ثقافة الإنجاز على الأسس المتعارف عليها، ضرورة وطنية لنهضة الجامعات وتميزها في ظل تنافسية غير مسبوقة لجامعات الإقليم والعالم بما تقدمه من برامج علمية وبما تقدمه من خدمات وبما تتركه من أثر وبما تبدعه وتبتكره وتخترعه لمجتمعاتها وللعالم.

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة