المواطن الأردني والسلوك الحضاري!
المواطن الأردني والسلوك الحضاري!
السلوك الحضاري يعبر عن التزام رفيع المستوى للإنسان بضوابط الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف وبالأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة العامة وتضمن حياة متناغمة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان وبيئته ومجتمعه ووطنه.
والسلوك الحضاري يبنى ويتم تنشئة الجيل على فهمه وإدراكه ومن ثم ممارسته بشكل طبيعي لا إرادي من خلال مؤسسات التربية والتنشئة المعنية ببناء الإنسان وبناء الأوطان، ويقف على رأس هذه المؤسسات الأسرة والمدرسة والتي يتجلى دورهما بخلق جيل منتم يسلك سلوكيات حضارية تعبر عن قيم إنسانية سامية من الأدب والاحترام والتقدير والانضباط بما يخدم المجتمع ويبرز قيمه وأخلاق شعبه ويبرز احترام القانون والنظام واحترام مقدرات المجتمع.
إن السلوك الحضاري يعبر عن أصالة أخلاق أبناء المجتمع ورقي التربية والتنشئة للوصول لممارسات وسلوكيات قيمية وأخلاقية من أبرزها الالتزام التام بنظافة المرافق العامة والشوارع والمؤسسات بغياب جهات الرقابة وبحضور الضمير والوازع الداخلي والغيرة على المجتمع والتفاني في المحافظة على نظافته، كذلك الالتزام والاحترام الخالص لقواعد وقوانين السير بكل تفاصيلها بدءً من السير في مسارب واضحة والوقوف في الأماكن المخصصة للوقوف والتوقف والبعد عن المخالفات صغيرها وكبيرها وإعطاء الأولويات واحترام الآخرين وظروفهم، كذلك احترام القوانين الناظمة للحياة العامة والتي تصدر في شأن من شؤون المجتمع ومن ذلك منع التدخين وان لا يتم إلا في الأماكن المصرح التدخين بها.
كذلك في شأن قوانين الدفاع التي صدرت في ظروف استثنائية للحفاظ على المجتمع من العدوى والمرض الذي شاع ولا يزال يهدد حياة الجميع ولعل الالتزام بلبس الكمامة والتباعد الاجتماعي والتعقيم تشكل جوهر أوامر الدفاع لإبعاد الناس عن موعد محقق مع الموت.
إن السلوك الحضاري الذي يعبر عن الأدب والاحترام والوقار والمحافظة على مشاعر الآخرين ومصالحهم ويلتزم بالقوانين أصبح جزءا من حياة الناس في معظم المجتمعات ويشير إلى تميز ونجاح باهر للأنظمة التربوية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرية في بناء الإنسان الحضاري الذي يبني ويعلي البنيان بقيمه وأخلاقه والتزامه وينقل عدوى السلوك الحضاري من جيل إلى جيل بكل حزم وأراده بوازع وطني خالص.
وطنيا وعبر العقود التي خلت وحتى اللحظة، نجد إننا نعاني معاناة بالغة لتحقيق نجاح بسيط في بناء السلوك الحضاري بالصورة التي وصلت إليها بلدان العالم، وذلك على الرغم من كم المدارس والجامعات والمساجد ومؤسسات الإعلام ومستوى ودرجة الانفتاح المتاحة عبر مختلف الفضاءات وعلى الرغم من مستوى الحرية المتاح، لقد وصلنا اليوم لدرجة خطيرة من العبث والفوضى وغياب المسؤولية وأصبحت سلوكيات عدد كبير من أبناء المجتمع لا تعبر عن أبسط أشكال السلوك الحضاري الذي نتوق لرؤيته وعيشه.
إن السلوكيات الصارخة الخارجة عن السلوكيات الحضارية نراها يوميا وعلى مدار الساعات والدقائق والثواني ولا مجال لحصرها، ففي شوارعنا تجد غياب الاستجابة السريعة والفورية لنداءات سيارات الإسعاف التي تحمل بداخلها من يحتاج اللحظة لإنقاذ حياته، فلا يستجيب ولا يتحرك عن مسار سيارات الإسعاف إلا القليل القليل. وفي عمان وعند خروجنا يوميا وفي ساعات الصباح الباكر نسعد بأن شوارعنا في غاية النظافة والترتيب بفضل من سهر ساعات الليل يقوم بدوره في التنظيف وجمع النفايات بكل مهنية واحتراف، إلا أننا وقبيل ساعات الظهر نجد أن المشهد قد تغير وظهرت نتائج لممارسات سلوكية غير حضارية تركت أثرا يبعث على الحزن والأسى بأن المكان الوحيد للإلقاء الفضلات والنفايات هي شوارعنا التي هي عنوان لمقدار تحضرنا من حيث مستوى نظافتها.
أما إذا زرت إحدى الدوائر الرسمية– وقد زرت شخصيا إحداها قبل عدة أيام– فإن الشعور باليأس والإحباط يسيطر عليك، والتساؤل لماذا لا نمارس سلوكيات حضارية في احترام الدور وفي وضع النفايات مكانها وفي العمل بدقة والتزام وترك الموبايل جانبا واحترام وتوقير طالب ومقدم الخدمة. وإذا ذهبت في زيارة مدينة أو قرية ما، فإن الشوارع والأرصفة والجزر الوسطية تغمرها النفايات بفعل عبثي غير إنساني، ففي زيارتي لمدينة إربد يوم أمس، وطوال الطريق من الجبيهة وحتى مدخل مدينة إربد، صدمت من تكدس غير معقول للنفايات على جانبي الطريق وفي الجزيرة الوسطية للطريق وبالاتجاهين.
وقبل عدة أيام وقبل وأثناء وبعد الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، تصدم من غياب المسؤولية الأدبية والقانونية في احترام البيئة واحترام الاشتراطات الصحية، حيث الحظائر بكل مكان في العاصمة والمدن والقرى تحت ذريعة أنها مرخصة ومحدد مكانها رسميا، دون أدنى درجات الالتفات لأثارها على صحة الإنسان والبيئة في ظل ظرف وبائي خطر، وهذا ما لم نعشه أو نلحظه في كل دول الإقليم أو العالم التي أتيح لنا فيها العيش أو الزيارة.
ولعل ما شهدناه، قبل عدة أيام عند إطلاق خدمة الباص السريع، من تعد صارخ على مسار الباص والعبثية وغياب المسؤولية والحضور اللافت للاستهتار، يشير بلا أدنى شك بأننا فقدان البوصلة في وجود وفاعلية تربية قيمية وطنية وأخلاقية تبني جيل يمارس السلوك الحضاري والأخلاقي ذاتيا بعيدا عن العقوبات والرقابة التي لن تعالج الخلل وحدها.
إننا اليوم بأمس الحاجة لأن تقوم مؤسسات بناء الإنسان بدورها في بعث الوعي والتربية والتنشئة الإنسانية والحضارية للمواطن الأردني ليمارس سلوكيات حضارية من خلال برامج ومشاريع وطنية ريادية تعيد بناء الإنسان على غرار صيغ النجاح في بناء الإنسان، التي نراها اليوم ومنذ عقود إقليميا وعالميا، وتغيب عن مجتمعنا في العام 2021، لقصور في الدور التربوي والقيمي والأخلاقي والحضاري لمؤسسات التربية والتنشئة الأسرية والاجتماعية.