إعادة الألق لتربيتنا القيمية والأخلاقية!

إعادة الألق لتربيتنا القيمية والأخلاقية!

أ. د. محمد صايل الزيود، أستاذ، قسم القيادة وأصول التربية، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

لسنوات ولعقود طويلة تميزت المجتمعات العربية ومنها المجتمع الأردني بحميمية العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وطيب المعشر والتواصل بين الإنسان والإنسان وبين القريب والبعيد وبين الجار وجيرانه وبين الأقران وأقرانهم وبين المعلم وطلبته وبين الأستاذ الجامعي وطلبته، كما تميز بعمق علاقات الصداقة بين الأجيال وبروح المودة بين الأقارب، كل ذلك ولزمن قريب، إلى أن تبدل الحال وبتنا نشهد تغير الصداقات ونهاية الأخوة والمودة ونهاية علاقات الصداقة، وساد الجفاء والمكر وصداقة المصلحة التي ترى لها بريقا ليس له نظير طوال عمر المصلحة والمنفعة بين الناس.

هذه العلاقة المبنية على المصلحة نراها بقوة بين الرئيس والمرؤوس وبين من يتولى منصبا ما أو موقعا ما في مكان ما، وهنا تجد التزلف والتقرب وصرف الألقاب صباح ومساء بعطوفتك وسعادتك ومعاليك وسماحتك، والسعي وبذل الغالي والنفيس للتواصل والتفاعل عبر مختلف القنوات سواء بالحضور للسلام على صاحب العطوفة يوميا أو الاتصال معه من باب الاطمئنان الزائف وإرسال رسائل المودة الإلكترونية، وصباح ومساء كل مناسبة خاصة أو عامة، كل ذلك الود المزعوم لمصلحة مادية ومعنوية تتلاشى وتنتهي وكأنها لم تكن بخروج صاحب العطوفة من منصبة وموقعة ولا يجد بعدها من يرسل له جمعة طيبة مباركة إلى أن يتقلد موقعا جديدا وعندها تدب الحياة في هاتفه وفي علاقاته وصلاته التي قطعت بغياب الضمير والتربية الأخلاقية وعادت بفعل منفعة ومصلحة منتظرة.

إن جل هذه العلاقات الزائفة مردها إلى أن الكثير من أصحاب العطوفة بمواقعهم المختلفة لم يحسنوا اختيار من يعمل معهم من أصحاب الأخلاق العالية والمبادئ الراسخة أو أنهم وقعوا في فخ الخديعة والتمثيل الذي يتقنه أصحاب المصالح والمنافع لغايات الفوز بموقع ما لا يسمن ولا يغني من جوع.

إن مادية العلاقات الإنسانية والاجتماعية نتيجة طبيعية لضعف حاد في التربية القيمية والأخلاقية، والتي لم تعد جزءا من منظومة تربيتنا الأسرية وتربيتنا الرسمية، كما أنها لم تعد جزءا من عمل مؤسساتنا الإعلامية والاجتماعية وبرامجها التي تحولت للترفيه الخالي من القيم الاجتماعية الأصيلة.

بالمحصلة إنها نهاية العلاقات الإنسانية التي كانت حاضرة على قواعد متينة من التقدير والمحبة والمودة والصدق والصداقة والوفاء والاحترام المتبادل وبحكم التفاهم والقربى والإعجاب والجيرة والعمل والإنجاز والعطاء بعيدا عن المنصب وبعيدا عن المصلحة والمنفعة، لذلك فإننا اليوم بأمس الحاجة لإعادة الألق لتربيتنا القيمية والأخلاقية لتكون هي الغاية والوسيلة من خلال أسرنا ومدارسنا وجامعاتنا ومؤسساتنا الإعلامية والمجتمعية.

 

 

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة