عُنف مجلس النواب ومسؤولية المؤسسات التربوية!  

عُنف مجلس النواب ومسؤولية المؤسسات التربوية!

أ. د. محمد صايل الزيود، أستاذ، قسم القيادة وأصول التربية، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية

إن ما شهده مجلس النواب الأردني اليوم من مظاهر عنف لفظي وجسدي يمثل وبكل أسف استمرارية لصعود ظاهرة تفشت وباتت تمثل ثقافة بديلة لثقافة الحوار وتقبل الآخر والتسامح وتقبل النقد والتشاركية وروح الأخوة والمودة والتي عرف بها المجتمع الأردني. إن ما شهده المجلس يمثل صعود مؤسف لثقافة العنف والإساءة والتطاول وتجسيد وترجمة حقيقية لحجم هذه الثقافة في المجتمع، وكل ذلك يشير لإخفاق برامج التربية والتعليم وبرامج بناء الوعي والعقلانية التي يفترض بها أن تنتج الإنسان الأردني بمواصفات حضارية راقية.

إن ما جرى اليوم يثبت بأننا نبتعد يوما بعد يوم وبخطى واسعة عن بناء الإنسان الملتزم بالسلوك الحضاري الذي عادة ما يعبر عن التزام رفيع المستوى للإنسان بضوابط الدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأعراف وبالأنظمة والقوانين التي تنظم الحياة العامة وتضمن حياة متناغمة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان وبيئته ومجتمعه ووطنه.  

إن السلوك الحضاري يُبنى ويتم تنشئة الجيل على فهمه وإدراكه ومن ثم ممارسته بشكل طبيعي لا إرادي من خلال مؤسسات التربية والتنشئة المعنية ببناء الإنسان وبناء الأوطان، ويقف على رأس هذه المؤسسات الأسرة والمدرسة والتي يتجلى دورهما بخلق جيل يتمثل الانتماء، ويسلك سلوكيات حضارية تعبر عن قيم إنسانية سامية من الأدب والاحترام والتقدير والانضباط، وبما يخدم المجتمع ويبرز قيمه وأخلاق شعبه ويبرز احترام القانون والنظام واحترام مقدرات المجتمع.

إن ما حدث اليوم يُعمق المعاناة التي تكرست على الرغم من كم المدارس والجامعات والمساجد ومؤسسات الإعلام ومستوى ودرجة الانفتاح المتاحة على مختلف الفضاءات وعلى الرغم من مستوى الحرية المتاح،  لقد وصلنا اليوم لدرجة خطيرة من العبث والفوضى وغياب المسؤولية وأصبحت سلوكيات عدد كبير من أبناء المجتمع لا تعبر عن أبسط أشكال التربية والتنشئة وإتقان للسلوك الحضاري الذي نتوق لرؤيته وعيشه.

إن السلوكيات الصارخة الخارجة عن السلوكيات الحضارية باتت أمر شبه طبيعي لدرجة أن الجريمة البشعة أصبحت أمرا شبه مألوف، وأصبح العنف اللفظي والجسدي واستباحة الآخر بالتعدي عليه بالضرب والسب والشتم والذم والقدح بالوجه أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمر روتيني، لا نقف عنده ولا يدفعنا لاتخاذ أي إجراء صارم يصوب المسيرة أو يعالج الخلل.

إن السلوك الحضاري يعبر عن أصالة أخلاق أبناء المجتمع ورقي التربية والتنشئة للوصول لممارسات وسلوكيات قيمية وأخلاقية من أبرزها الرقابة وحضور الضمير والوازع الداخلي والغيرة على المجتمع والتفاني في المحافظة عليه،  كذلك الالتزام والاحترام الخالص للقواعد والقوانين بكل تفاصيلها.

إن السلوك الحضاري يعبر عن الأدب والاحترام والوقار والمحافظة على مشاعر الآخرين ومصالحهم، ويشير إلى تميز ونجاح باهر للأنظمة التربوية ومؤسسات التنشئة الاجتماعية والأسرية في بناء الإنسان الحضاري الذي يبني ويعلي البنيان بقيمه وأخلاقه والتزامه وينقل عدوى السلوك الحضاري من جيل إلى جيل بكل حزم وأراده بوازع وطني خالص.

إننا اليوم،  بأمس الحاجة لأن تقوم مؤسسات التربية والتعليم ومؤسسات التنشئة ومؤسسات بناء الإنسان بدورها في بعث الوعي والتربية والتنشئة الإنسانية والحضارية للمواطن الأردني ليمارس سلوكيات حضارية من خلال برامج ومشاريع وطنية ريادية تعيد بناء الإنسان على غرار صيغ النجاح في بناء الإنسان التي نراها اليوم ومنذ عقود إقليميا وعالميا، وللأسف تغيب عن مجتمعنا في العام 2021، لقصور جلي فيما تقوم به كل المؤسسات المناط بها دور تربوي وقيمي وأخلاقي وحضاري تجاه الإنسان الذي هو الغاية.

 

 

 

 

 

 

 

مواضيع ذات صلة