خارطة تحديث القطاع العام ووزارة التربية وتنمية الموارد البشرية
خارطة تحديث القطاع العام ووزارة التربية وتنمية الموارد البشرية
الأستاذ الدكتور محمد صايل الزيود، قسم القيادة التربوية والأصول، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية
أطلقت الحكومة خارطة طريق تحديث القطاع العام والتي ستنفذ خلال عقد من الزمن بدءا من هذا العام، ولعل ما يلفت النظر بهذه الخارطة ما تضمنته من دمج وإلغاء للعديد من الوزارات ونقل لمؤسسات ووحدات عُرفت ولعقود بأنها مؤسسات أو جهات سيادية يصعب تغيير وضعها القائم بالصورة التي اقترحتها الخارطة.
وفي هذا الصدد، نجد أن خارطة الطريق تضمنت إنشاء وزارة التربية وتنمية لموارد البشرية بغرض دمج وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ونقل مهام تطوير المناهج من إدارة المناهج في وزارة التربية والتعليم إلى المركز الوطني لتطوير المناهج ونقل المهام المتعلقة بالحضانات ومراكز المنار التعليمية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية ودمج هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وهيئة تنمية وتطوير المهارات الفنية والتقنية في هيئة واحدة وربطها بوزير التربية وتنمية الموارد البشرية وإلغاء مؤسسة التدريب المهني ونقل مهام التعليم المهني والتدريب المهني إلى وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية.
بالنظر إلى هذه الخطوة التحديثية نجدها جديرة بالاهتمام والدعم من مختلف الجهات الرسمية والخاصة والأهلية لتضمنها تجديد وتحديث جريء غير مسبوق، خاصة أننا ومنذ عقود نتبنى نموذجا حقق نجاحات كبيرة خلال مرحلة مهمة من عمر الدولة إلا أنه اليوم ليس بالنموذج الذي سينقلنا لمستويات دول العالم المتقدم في التربية والتعليم والتعليم العالي وفي إدارة مواردنا البشرية الغنية والثرية والتي تبدع وتبتكر في الخارج.
إن إنشاء وزارة للتربية وتنمية الموارد البشرية من شأنه إيجاد مظلة وطنية عليا تشرف وتخطط وتنظم وتعالج جوانب الخلل في قطاع التربية والتعليم العام والعالي وشؤون الموارد البشرية وتضبط الجودة وتستثمر الموارد البشرية والمالية والمادية المتاحة بشمولية، وبما يمكن صناع القرار من النظر إلى هذا القطاع بعمق وحكمة ومسؤولية وصول للنهضة التربوية والتعليمية المأمولة.
إن إيجاد مظلة واحدة للتربية والموارد البشرية من شأنه أن يعالج مشكلات الترهل الإداري والبيروقراطية من خلال قرارات وإجراءات تجعل من العمليات الإدارية غاية في الرشاقة بالاعتماد على كوادر بشرية متمكنة ومتحمسة وإيجابية ومنتمية تستند على سيادة القانون والنزاهة والرقمنة والحوسبة التي أصبحت جوهر الإدارة الحديثة.
إن توحيد الجهة المسؤولة عن التربية والموارد البشرية من شأنه أن يدير الموارد البشرية في هذا القطاع بحكمة من خلال تحديد أوجه القوة والضعف في هذه الموارد وفي التشريعات والإجراءات التي تنظم عملها وصولا لتوفير التمويل ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتطويرها للقيام بالعمل بحرفية ومهنية. كما أن وجود جهة واحدة تشرف على هذا القطاع سيسهم في اتخذا قرارات جريئة للتعامل مع الكوادر البشرية المترهلة والتي تعيق العمل وتشكل عبئا على الجودة والنوعية والسرعة والدقة ومستوى الإنجاز.
كما أن هذه المظلة الموحدة للتربية والتعليم والموارد البشرية ستضمن تحديد أولويات هذا القطاع على المستوى الوطني وفي معالجة المشكلات البنيوية التي تراكمت منذ عقود والتي تحتاج معالجتها أن تصبح أولوية وطنية من حيث الاهتمام والتخطيط والتمويل والتنفيذ دون انتظار، وعلى وجه الخصوص، مشكلات اَلْبِنَى التحتية في المدارس وتحدي الاكتظاظ في المدارس وتحدي المدارس المستأجرة وتحدي مدارس الفترتين وجودة المعلم وعمليات وإجراءات اختياره وإعداده وتدريبية ومستوى الأداء الذي يقدمه، ومشكلات المواءمة بين مخرجات التعليم العام وتخصصات التعليم العالي وحاجات سوق العمل.
كما أن وجود التعليم العام والعالي تحت إدارة جهة وطنية واحدة سيسهم في التخطيط واتخاذ القرارات التي تضبط العمليات والمخرجات بمستوى عال من العمق والشمولية في ضوء أولوية ومصلحة وطنية عليا.
ولضمان نجاح هذه الوزارة فإنه لا بد من موجود مجلس للتربية وتنمية الموارد البشرية يتولى التخطيط والتنظيم واتخاذ القرارات الاستراتيجية التي تقود هذا القطاع الحيوي برؤية وطنية تواكب آخر المستجدات العالمية.
كما يتوجب وجود قيادات إدارية وتربوية عليا فذة في هذه الوزارة تمتلك التخصصية والخبرة في القطاع وتمتلك الرؤية والعزيمة والمهارات القيادية التي تمكنها من قيادة هذا القطاع الحيوي وفقا لأفضل الممارسات العالمية المتبعة، بعيدا عن الإدارة البيروقراطية والترهل الإداري وغيرها من التحديات التي تواجه القطاع اليوم.
ويلزم هذه الوزارة تشريعات وأنظمة وتعليمات تفصيلية تنظم عملها وتمنحها القوة القانونية في أداء عملها بتناسق وتناغم إداري.
إن مقترح إنشاء وزارة للتربية وتنمية الموارد البشرية من شأنه أن يحدث نقلة نوعية في قطاع التعليم العام والعالي إذا ما تم إقناع أبناء القطاع بالمبررات والمكاسب، وإذا ما تم اتخاذ التدابير للازمة لإنجاح المقترح والتي أشرت للبعض منه، إلا أن هناك العديد من المخاوف التي تثار حول قدرة وزارة واحدة على التعامل مع قطاع متشعب وضخم وممتد ومتوزع بين قطاع عام وخاص ويضم الآلاف من المعلمين والأقسام والوحدات الإدارية وجامعات وكليات جامعية ويعاني من مشكلات تحتاج إلى جهود جبارة من جهة واحدة لتجاوزها.